أكثر ما يميز الفيلم البحريني القصير «سكون» الذي فاز أخيراً بجائزة أفضل سيناريو في المهرجان السينمائي لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، هو تركيزه على ثيمة اللون التي قلما تم التطرق إليها بشكل محترف، عربياً وخليجياً على الأقل.
التعامل مع اللون ومناقشته جاء واضحا في الفكرة الأساس القائمة على جدلية الألوان، اللونين الأبيض والأسود بالتحديد. كذلك تمتلئ المشاهد بتناسق وانسجام لونين جميلين جاءا متسقين مع رسالة الفيلم وثيمته التي تناقش ما يمكن أن يحدث حين يصبح اللون الأسود ضحية الألوان الأخرى. تجلى هذا التناسق في مشاهد كتبها بعناية فائقة السيناريست فريد رمضان وترجمها بدقة عالية مخرج ذو حس فني هو عمار الكوهجي.
يشكك الفيلم في مدلالوت الأبيض والأسود الثقافية والاجتماعية، عبر قصة فتاتين هما لولوة ذات البشرة البيضاء وهيا السمراء، اللتان تتعرضان للظلم في مجتمع ذكوري يأبى أن يصغي لما تريدانه ثم لأن يعترف بمظلوميتهما.
تتعرض الفتاتان «للاغتصاب» وفيما تغتصب هيا «حرفياً»، تُقمع إرادة لولوة وتجبر على الزواج. الفتاتان رغم اختلاف لونيهما وبكل ما لهذين اللونين من مدلولات، وفيما تبدو المساحة شاسعة بينهما، إذ إن هيا هي ابنة الخادمة التي تعمل في منزل والد لولوة، فإنهما تواجهان المصير ذاته، وربما على يد الشخص نفسه، «حمود» الذي اغتصب الأولى وتزوج الثانية قسراً.
كسر رمضان حاجز اللون في الفيلم قبل التشكيك في مدلولاته. جاء ذلك في المشهد الذي نجد فيه الفتاتين في المطبخ. في هذا المشهد تتداخل ألوان الأشخاص والأشياء لتصبح لا قيمة لها، فما بين يد لولوة البيضاء التي يقطر منها الزيت وكف هيا السمراء التي تعجن الطحين ينتقل المخرج إلى اللقطة التي تغطي فيها لولوة وجه رفيقتها السمراء ببقايا الطحين.
بعدها ينتقل الكاتب لكسر المدلول النمطي لهذين اللونين حين يصور قدم «حمود» البيضاء، وهو الذي يمكن أن تنسب له كل مظالم الفتاتين، فهو المتلصص عليهما، وهو ربما مغتصب هيا، وزوج لولوة قسراً.
هكذا يكسر رمضان المدلولات الثقافية والاجتماعية للونين. لم يعد الأبيض خيراً فيما الأسود شراً. اللونان في واقع الأمر متشابهان، البشر في الواقع كذلك حتى وإن اختلفت أعراقهم وأجناسهم وأديانهم ألوانهم.
الظلم الذي تعرضت له الفتاة السوداء هو ذاته الذي تعرضت له الفتاة البيضاء، والرجل الذي ظلم كان أبيض كما لولوة ذات القلب المحب كانت بيضاء. لا تعني الألوان كثيراً. البياض والسواد ليسا سوى متناقضين ومتقابلين ككثير من متقابلات حياتنا ومتضاداتها.
نتشابه مع الآخرين حولنا برغم اختلافاتنا. قد يقع علينا ذات الألم الواقع عليهم وقد نعيش المعاناة نفسها. وربما نواجه جميعاً مصائر متشابهة وإن اختلفت تفاصيلها.
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 3906 - الجمعة 17 مايو 2013م الموافق 07 رجب 1434هـ
ليبيا حره
لماذا يغتصب الرجال الفتياة.؟