حسب الإحصائيات المعلنة فإن النرويج قد تكون الدولة الأولى استهلاكاً للقهوة، فالقهوة هي المشروب الوطني لأهل النرويج، وهكذا لم يكن مستغرباً أن نجد في إحدى زوايا الفندق قهوة جاهزة على مدار الساعة ومجانية، بل إن إحدى شركات صناعة مكائن القهوة عرضت في الشارع الرئيسي بأوسلو منتجاً جديداً لها، وزّعت فيه القهوة وحاوياتها مجاناً، واصطف الناس طابوراً طويلاً لأخذ حصتهم، حيث لا توجد أشياء مجانية كثيرة بالنرويج، خصوصاً أن مستوى المعيشة مرتفع جداً.

هل هناك علاقة بين الإدمان الشعبي النرويجي للقهوة وبين السلوك الاجتماعي والسياسي؟ ربما، لكنها مسألة تستحق التأمل والبحث.

في أوسلو تقبع جائزة نوبل للسلام، وفي حين أن جوائز نوبل الأخرى يتم منحها في استوكهولم عاصمة السويد فإن جائزة السلام تمنح في أوسلو، وقد أقيم لها مؤخراً متحف مهم يوضح مسار الجائزة والحاصلين عليها. وبالطبع ليس كل من حصل على تلك الجائزة يستحق أن ينظر له كرمز سلام، فبعض الذين تم منحهم الجائزة حصلوا عليها لاعتبارات سياسية، مما يضعف من قيمتها، لكن الفكرة بالمجمل جيدة، وأغلب من حصل عليها يعتبرون رموزاً حقيقية للسلام العالمي.

وجائزة نوبل لا تمنح للأموات مهما علا قدرهم بقيم السلام، كما أن إدارة الجائزة لا تقبل الترشيحات من أية جهة كانت، بل تقوم هي بتحديد مجموعة من المحكمين ليقدّموا ترشيحاتهم، وتشترط عليهم أن يحافظوا على سرية الاختيار، وألا يدلوا للإعلام بأية تصريحات حول الجائزة أو حول كونهم لهم علاقة بالجائزة بالمطلق. بالتأكيد فإن وجود جائزة نوبل للسلام بأوسلو أضفى عليها بعداً مستحقاً.

قيم السلام تلك، خضعت لاختبارٍ قاسٍ قبل سنتين، وتحديداً في 21 يوليو 2011، عندما هزّت النرويج مذبحةٌ تعد أكبر مذبحة يرتكبها شخص واحد في التاريخ، وذلك عندما قام شخص نرويجي عنصري يدعى بريفيك بقتل 77 إنساناً أغلبهم من الشباب، وعلى فداحة الجريمة وخطورتها، كان مهماً أيضاً مراقبة سلوك الشيوخ ذوي العيون الزرقاء، أو النرويجيين، وكيفية ردود أفعالهم، والذي كان درساً مهماً آخر قد تتعلم منه الشعوب الغارقة في الدم والكراهية لذاتها وللآخرين. وتعيش في انتظار لحظة القضاء على العدو المفترض، والذي غالباً ما يكون هو ذات الإنسان عدواً لذاته. وللحديث بقية.