العدد 3905 - الخميس 16 مايو 2013م الموافق 06 رجب 1434هـ

الدين والسياسة في الوطن العربي عبر العصور (2-3)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

في جلسات المؤتمر السنوي للجمعية المصرية للدراسات التاريخية الذي عقد في الفترة من (22-24 أبريل/ نيسان 2013) تحت عنوان «الدين والسياسة في الوطن العربي عبر العصور»، برزت أطروحات مثل إن الخضوع للحاكم أفضل من الثورة ضده، كما في الفقه السني المحافظ، في حين ذهب فريق آخر إلى أن مبدأ الثورة ضد الحاكم الظالم هو من المبادئ المقررة في التراث الإسلامي.

كما أطلقت إشارات وإن كانت موجزةً، لدور الحركة الوهابية والحركة السلفية والصوفية والحركة الشيعية، خصوصاً في الدولة الفاطمية، وبعض الدويلات الأخرى التي قامت في العصر العباسي. ولكن حظيت حركة الإخوان المسلمين بالكثير من النقاش حول نشأتها ودورها في النظام السياسي المصري، وفي دول عربية أخرى في عصور متعددة.

وقد حظيت قضية الوحدة الوطنية في مصر، ودور الأقباط وما تعرّضوا له أحياناً من اضطهاد، وما حدث من توافق وتناغم بين الأقباط والمسلمين في معظم مراحل التاريخ المصري باهتمام كبير. وذهب بعض الباحثين إلى أن المخرج مما أطلق عليه «الفتنة الطائفية»، هو في الرجوع إلى الإسلام الذي أكّد مفهوم الوحدة الوطنية والمواطنة المتساوية، كما في صحيفة المدينة التي أصدرها النبي صلى الله عليه وسلم، وقامت على أساس المساواة بين المسلمين واليهود والمشركين من أهل يثرب التي أصبح اسمها «المدينة»، وان هذه الوثيقة متقدمة عن المفاهيم المعاصرة في العالم، وأبدى البعض أسفه لعدم احترام المسلمين المعاصرين من العامة والحركيين السياسيين وبعض رجال الدين للمفاهيم العظيمة لهذه الوثيقة الدستورية الإسلامية التي مضى عليها أكثر من 14 عشر قرناً، وكذلك ما احتواه القرآن الكريم من نصوص.

المؤتمر اهتم بالحركات الإسلامية خصوصاً في الصومال وفي الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي، وانقسم الرأي حول موضوع الخلافة وخصوصاً الخلافة العثمانية، وهل هي ضرورة سياسية أم أصل من أصول الدين. وذهب معظم الباحثين إلى أن الخلافة والإمامة من ضرورات الإدارة وحكم الدولة، وإن الخلافة الوحيدة التي كانت تتماشى مع مبادئ وقيم الدين الإسلامي هي الخلافة الراشدة، وماعدا ذلك فهي مسميات وكانت تعبيراً مجسّداً للصراع السياسي على السلطة، واستغلال الحكام أحياناً لرجال الدين لتعزيز نفوذهم. وأشار بعض الباحثين إلى أن ربط الخلافة والإمامة بالدين جاء تحت تأثير التراث الفارسي والروماني والقبلي العربي.

وقد انتقد معظم الباحثين التمييز الذي ظهر أحياناً في الحضارة الإسلامية ضد المرأة والأقليات، خصوصاً المسيحيين الأقباط، وأشاد البعض بدور الكنيسة القبطية المصرية عبر العصور في الدفاع عن الوطن ومناهضة المحتل ودخولها في صراع سياسي وديني معه، كما في الخلاف القبطي البيزنطي حول طبيعة السيد المسيح، وكذلك في مقاومتها للحملة الفرنسية جنباً إلى جنب مع المسلمين التي كانت مقاومةً وطنيةً، وكذلك في مقاومة الحملة الصليبية الخامسة.

وقد أبرز بعض الباحثين دور المرأة المسلمة في التفاعل مع المجتمع منذ عصر الرسول الكريم ومرافقتها له في الغزوات، ودور العلماء من النساء في الفقه الإسلامي وفي التصوف الإسلامي، وبوجه خاص أدوار السيدة عائشة في رواية الحديث، ودور السيدة أم سلمة في النصيحة التي قدّمتها في صلح الحديبية، ودور السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، ودور السيدة نفيسة حفيدة على بن أبي طالب، ودور السيدة رابعة العدوية وغيرهن، وفقاً للمبدأ الإسلامي السليم، الذي ساوى بين الرجل والمرأة في الكرامة الإنسانية، وفي التكاليف الشرعية، وفي ممارسة العمل التجاري والاقتصادي في عصور مختلفة. وأن تدهور وضع المرأة جاء من تأثير الفهم الخاطئ للإسلام، وممارسات بعض الدول التي قامت باسم الإسلام.

وحظي مفهوم الوطن والوحدة الوطنية باهتمام كبير في المؤتمر، وأبرز بعض الباحثين أن الوطن نشأ قبل نشأة الأديان، وأشار لمفاهيم منذ العصر الفرعوني تقول «الدين لله والوطن للجميع»، ونسب هذه المقولة لعصر الفلاح الفصيح الذي اشتكى للحاكم آنذاك من ظلم عماله وأنصفه الحاكم. وأبرز بعض الباحثين أن مفاهيم القبلية والعشائرية والطائفية هي أساس تدهور العرب والمسلمين، وأن أفضل شعار هو ما تحقّق في ظل ثورة 1919 الذي كرّر مفاهيم مصر القديمة «الدين لله والوطن للجميع»، عندما خطب رجال الدين المسيحي في الأزهر ورفع الهلال والصليب جنباً إلى جنب، ومن ثم أمكن دحض سياسة التفرقة التي انتهجها الاستعمار البريطاني «فرّق تسد»، وأن الكثيرين في المرحلة الراهنة يقعون فريسة هذه السياسة، التي تتبعها الدول الكبرى الطامعة في المنطقة العربية وثرواتها.

وقد حظيت الدولة الفاطمية بما لها وما عليها، بنقاش مستفيض من قبل الباحثين، مبرزين ما تركته من تراث وآثار، وسهولة التخلي عنها كنظام سياسي وديني لتعارض بعض ممارساتها مع الطبيعة المعتدلة للشعب المصري. واستدل البعض بما ذكره جمال حمدان حول مفهوم عبقرية المكان في دراسته عن شخصية مصر، وأضيف من ناحيتي أن عبقرية مصر تمتد أيضاً إلى الزمان وإلى الإنسان الذي كان سبّاقاً في بناء الحضارة، وهذا ما تناولته في كتابي عن هوية مصر المشترك مع الدكتور مجدي المتولي. (يتبع).

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3905 - الخميس 16 مايو 2013م الموافق 06 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً