العدد 3904 - الأربعاء 15 مايو 2013م الموافق 05 رجب 1434هـ

النُّصرةُ والنصيرُ والمنصور

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هل أصبح مُتعذَّراً أن يكون المرءُ منتمياً إلى غير السَّائد من الأفكار والمواقف؟ بالتأكيد، ليس الأمر مرتبطاً بمنطق «خالِف تُعرَف»، وإنما «غير السَّائد» المتأسس وفق مبدأ أخلاقي، فكري مُجتَهَدٌ فيه على أقل تقدير. بمعنى، كيف لأحدنا أن يكون خارج التصنيف المعتاد، في المواقف السياسية والفكرية، دون أن يكون مُجانِباً لشروط الضمير وأدبيات الحق؟

لنضرب أمثلةً على ذلك. كيف لأحد أن يكون ضد «ديكتاتورية» صدام حسين والبعث، وضد الاحتلال الأميركي للعراق، وضد العملية السياسية للاحتلال في بغداد، وضد الفكر التكفيري وعملياته الإرهابية في أسواق ومدن العراق؟ هل باتَ اتخاذ مثل هذه المواقف صعباً؟ ثم التساؤل: هل أن هذا مُجافٍ للأخلاق وضدَّ الضمير الإنساني؟

كذلك، كيفَ يُمكن لأحدٍ أن يكونَ ضد «ديكتاتورية» بشار الأسد، وضد عسكرة الثورة وتطييفها وعرقنتها وتحزيبها، وضد الفكر التكفيري في المعارضة السورية، وضد التهديدات الإسرائيلية والتركية للأراضي السورية سواءً عبر القصف، أو عبر وضع منصات صواريخ الناتو على الحدود؟ هل أصبح مثل هذا الموقف خطأً في التقدير؟

لماذا أصبح المعارِض لسياسات صدام حسين عميلاً للأميركان؟ ولماذا أصبح المعارض للأميركان عميلاً لصدام؟ ولماذا أصبح المعارِض للحكومة في بغداد عميلاً للبعث والتكفيريين؟ ولماذا أصبح المعارِض للتكفيريين وإرهابهم طائفياً وعميلاً لإيران؟ ولماذا أصبح التبعيض في الآراء في كلّ ذلك أمراً غير مفهوم وملتبساً بالنسبة للكثيرين؟

لماذا أصبحت معارضة الأسد تعني أنك رجعيٌ وعميل؟ ولماذا أصبحت معارضة عسكرة الثورة تعني أنك شِبِّيْح؟ ولماذا أصبحت معارضة الموقف التركي المتآمر مع الناتو ضد الأراضي السورية تعني أنك من أيتام النصيريَّة؟ ولماذا عندما تعارض الغارات الإسرائيلية على جبل قاسيون تصبِح مُتستراً على جرائم النظام وقمعه؟

لماذا عندما يُقال أن التعليم في زمن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي كان من أفضل أشكال التعليم في العالم العربي (مع التسليم بديكتاتورية نظامه وكثرة المعتقلين في عهده، وغياب الحريات الخاصة والعامة) يصبح قائله متآمراً على ثورة الياسمين ومن لوبي الفساد والرشوة الذي تورَّط فيه عددٌ من أسرته وأسرة زوجته؟

ولماذا عندما يُقال أن نظام معمَّر القذافي حَمَى وحدة ليبيا من التقسيم في الجنوب والشرق والغرب (مع الإقرار ببلاهة نظامه ودمويته وفساده) يُقال أنك من أزلام نظام الطاغية، وضد ثورة فبراير؟ الموضوع لا يزيد عن استحضار حسَنَات بتنا نراها حتى في سُمِّ الأفاعي، وسُرَّة الغزال، وظهر القرش. إنها فعلاً مشكلة مُركَّبة وتحتاج إلى نَظَر.

لماذا لا يُقال أن مُعارضة مساوئ حكم البعث في العراق، هو موقفٌ منسجمٌ مع الضمير، ولأننا نؤمن بقيمة الإنسان وحرمته؟ ولماذا لا يُقال أن معارضة الاحتلال الأميركي، أنه واجبٌ ديني وقومي وإنساني وحقوقي حتى ينقطع النفس؟ ولماذا لا يُقال أن معارضة الحكم في بغداد بعد الاحتلال كان نابعاً من رفضنا للإقصاء الطائفي ولقوى الفساد؟

ولماذا لا يُقال أن معارضة الفكر التكفيري هو من أجل مجتمعٍ خالٍ من العصبيات الطائفية، والسعي نحو تعزيز حقوق الجميع في العيش الكريم دون كراهيات أو تصنيفات على أسس دينية وعرقية؟ ذات المقاربة، نُسقطها على الوضع السوري: في الديكتاتورية، وفي تطييف المجتمع، وفي العدوان التركي/ الأطلسي على الأرض السورية.

من أكثر الأخطاء ارتكاباً عند الحركات السياسية وأنصارها في عالمنا العربي، هو أنها لا تجيد اكتشاف الفاصل بين الصديق والعدو. فالصداقة والعداوة لديها هي بذات المقدار الذي حدَّده الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش: مَنْ لم يكن معنا فهو ضدنا. هذا المنطق الذي جعلَ من أميركا أيام المحافظين، تخسر فرنسا الشيراكيَّة وألمانيا الشرودريَّة، هو الذي يتحكم في أذهان العديد من الحركات السياسية والمعارِضة في عالمنا العربي.

ما يجب فهمه، هو أن المواقف من القضايا السياسية لا تحكمها توجهات منسجمة بالضرورة، فهناك المعارضون، وهناك الأحزاب بشتى مشاربها، وهناك المثقفون وأصحاب الرأي، وبالتالي لا يُمكن جعل كل هؤلاء على سَمْتٍ واحد كما هو رأي المعارضين لنظام سياسي. لذا، وَجَبَ الأخذ بما يُتفق عليه معهم دون النظر إلى الخلافات.

إن الحقيقة التي يجب أن نعيها جميعاً، هي أن عدم إغفال مثل هذه الفروقات، يُفقِد الحركات السياسية الكثير من الأنصار، الذين قد لا يَسْتَسْلِكُون ذات المعايير والمصالح المباشرة، التي تعتمدها تلك القوى، التي لا تريد إلاَّ نصيراً مسكوكاً بالكامل. وهو مُتطَلَّبٌ فيه الكثير من القمع السياسي والفكري غير المباشر، وضد الحرية.

كما أننا سنلاحظ، بأن هذا الخطأ في التفكير، هو الذي جعل الكثير من الحركات السياسية وبالتحديد الإسلامية، تقع في إشكالية الانفصام في الشخصية فأصبح الاحتلال مُحرَّماً في العراق، ومُجازاً في ليبيا. وجعل الاجتثاث مُحرَّماً في العراق، وحلالاً في ليبيا. وأصبح رجالُ دينٍ يُفتون بالجهاد ضد الأميركي في العراق، ويقولون لها شكراً في ليبيا!

في المحصلة، فإن الصحيح هو إدراك مدى خطورة هذه التصنيفات الحادة. فهي بالأساس مُنفِّرةٌ للأنصار، ومتصادمةٌ مع النظام الأخلاقي، كونها لا تسير وفق إيقاع سليم، يُفضي إلى ذات النتائج. وهو ما يعني مزيداً من الضعف والخسران المبين.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3904 - الأربعاء 15 مايو 2013م الموافق 05 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 9:30 ص

      كلام رائع

      الأنظمة والجمعيات ليس مؤسسات معصومة ولا مؤسسات ليس فيها حسنة واحدة وإنما أمر بين أمرين ربما تقترب من هذا أو تقترب من ذاك والفرد لا يعطي تبعيته لحزب أو جمعية وإنما يكون عنده مبدأ يمشي عليه ولا يكترث بأقوال الجهال وربما يسقط بسهولة ويكون كالعالم المحاط بالسفهاء فلا يستطيع تفهيمهم ولا يقدر على جدالهم
      لأن الأحمق لا يغلبه أحد في الجدال

    • زائر 8 | 2:12 ص

      والبحربن

      خاطري يوم واحد تتطرق لقضية بلدك با استاذ

    • زائر 9 زائر 8 | 2:32 ص

      ما يحتاج

      الكتابة في الشأن المحلي باتت إسهال لا نحتاج أن نكثره

    • زائر 7 | 2:06 ص

      الساسة مثل البضاعة عند الشعوب العربية

      السياسة والسياسيون أصبحوا مثل البضاعة في السوق هذا يرغب في بضاعة ما وهي نفسها التي يكرهها البعض الآخر،في زمن صدام تم محو الأمية من العراق وانتشر العلماء والجامعات واصبح العراق قريبا من الخروج من العالم الثالث ولكن لا يذكر ذلك أبدا وما يذكر فقط حلبجة وقمع انتفاضة الجنوب، الآن القتل والإعدامات والفقر والجهل وعودة الأمية وانتشار الأمراض في العراق لا يذكر ولا يذكر سوى أنهم يستطيعون انتقاد المالكي وحرية الصحافة، مجد من تحب حتى بكثرة أخطائه وسفه من تكره حتى لو أوصلك القمر. هذا حال السياسة عند العرب.

    • زائر 6 | 1:33 ص

      كلام ممتاز مشكلتنا اننا يجب ان نغرد داخل السرب والا اتهمنا بالتهم البدائيه المعروفه

      من ينشط عقله ويفكر ويحلل ويقترح افكار تختلف عن الجماعه يتهم باتهامات جاهزه ومعلبه
      يجب ان نفكر مثلما يريد لنا الجماعه والا استلت السيوف

    • زائر 5 | 11:55 م

      المتاعب

      مقال سيسبب لك العديد من المتاعب يا محمد من قرائك

    • زائر 4 | 11:47 م

      ملاحظة

      الحق بين والباطل بين يا استاذ محمد فلا يجتمع حب الحق بالباطل ابدا

    • زائر 11 زائر 4 | 8:59 ص

      مأساتنا

      المشكلة أن الحق والباطل أصبحنا حتى في آراء البشر ما يعني أن البشر أصبحوا من المعصومين . هذه هي المأساة

    • زائر 3 | 11:15 م

      ما شاء الله عليك يا أستاذ محمد

      مقال في الصميم

    • زائر 2 | 11:08 م

      و بعدنا لا نحس و لا نشعر

      مع كل ما ذكر فى المقال و الذى أتمنى أن ينكر حقيقتها قارئ ما، إنهامنا للغرب بالمعايير المزدوجة و لا نقيس أفعالنا بنفس المنظار. هناك شيوعيون كانوا يتعاونون مع الإستخبارات السوفيتية لقلب الأنظمة و الوصول الى الحكم، اليوم ملتحون و يلبسون الثوب القصير . هل نتهمهم بالإزدواجية؟ كلا هم متلهفون للتحكم فى العباد و الفرق هو إختيار الطريق حسب الموسم. فى كلتا الحالتين يسعون للوصول الى أهدافهم.

    • زائر 1 | 10:50 م

      التقييم الجزئي ليست ثقافة عندنا

      التقييم للاوضاع او الشخصيات عندنا نعتمد على التقييم السطحي لمنطقة محدده توجهنا فيها بوصلة النفس فان كنت تميل ايجابيا لشخص سيتجه نظرا الى حيث الايجابيات فيه و تحاول تضخيمها الى حد الاسطورة احيانا و العكس بالنسبة لمن تكره . اتذكر في احدى المرات تعرضت لتجريح من صديق حين امتدحت حيثية تحسب لشخصية تاريخية رمزية عليها جدل مذهبي وهي انه لم يورث الحكم لأبنائه ولا لاقاربه و كذلك لم يستغل السلطة لمنح اقاربه صلاحيات وامتيازات .

اقرأ ايضاً