في الوقت الذي تناضل فيه الشعوب العربية ضد الدكتاتورية والفساد والتمييز في بلدانها، تمر الذكرى الخامسة والستون على النكبة التي ألحقت العار بالدول العربية المتواطئة مع العدو الصهيوني، والتي كان لخيانتها والتوغل في عماها دورٌ في احتلال أراضٍ غيّرت من الخارطة الفلسطينية وهجّرت شعبها من أصحاب الحق وأدخلتهم حقبةً جديدةً لم يكونوا يتوقعون يوماً أن يمروا بها، متمثلة في تنقلهم بين الملاجئ والمعتقلات، وبين المقابر لتشييع شهداء وصلوا حتى اليوم إلى أكثر من ربع مليون شهيد، بينهم نساء وأطفال وكهول، والقائمة ستطول مادام الاحتلال جاثماً ومادام النضال موجوداً بوجوده.
الدول العربية تتحرك لمحاربة شعوبها اليوم، وتنهض لتحريك جامعة الدول العربية تجاه ما لا يمكن تحريكه بضعف يفضل السهل على الحق، لكنها تتغافل عن دورها في نصرة شعب كامل يعاني لأكثر من 65 عاماً، وموروث تاريخي وديني وإنساني يهدر في كل لحظة منذ أن قبل العالم بإهداره. دولٌ عربيةٌ تتصارع فيما بينها من أجل حفنة مال أو مواقع نفوذ، وتنسى ما يجب عليها فعله، والأدهى أن دورها لم يقتصر على صمتها وتربية عارها فقط، بل بدأت تصرح و«تقترح» ما لا يمكن قبوله، كمبادرة الأرض مقابل الأرض! أي أرض هذي التي ينوون مبادلتها اليوم بأخرى وكل الأراضي فلسطينية من حق الفلسطيني وحده تقرير مصيرها، وهو الذي لن يفرّط أبداً في شبر. وكيف يفرّط بها وهو مايزال محتفظاً بمفتاح داره التي اغتصبت وهُدمت وربما لم يعد مكانها يذكر؟
كلما نشرت وكالات الأنباء صوراً لكبار السن الذين يتمنون العودة ويطالبون بها، وهم يرفعون مفاتيح بيوتهم، كلما ازدادت الغصة وازداد الحنق على مجتمع عربي ودولي يرى في الاحتلال أمراً طبيعياً وكأن هذه السنوات كانت كفيلةً بأن تنسيهم أن أصل الأرض عربي، وأن مالكها عربيّ مهجّر، وأن الأطفال، حتى الأطفال في الملاجئ، لن ينسوا حقهم في العودة إليها، لينعموا ببيت هانئ وحديقة وارفة الظل، ومدرسة يتعلمون بها تاريخ بلادهم قبل الاحتلال وأثناءه وبعده.
بعد كل هذي السنوات من الاحتلال، وبعد كل هؤلاء الأسرى الذين ذاقوا كل صنوف التحقير والعذاب في سجون العدو، وأُهْمِلَت الكثير من حقوقهم ووصل عددهم إلى أكثر من سبعمئة ألف أسير وأسيرة فلسطينية منذ العام 1948، ومازال منهم أكثر من 4700 أسير وأسيرة يقبعون في هذه السجون ويحاولون جاهدين بكل الطرق الحصول على حقوقهم في المعتقل وحقهم في العودة لديارهم. وبعد كل هذه النضالات التي جاد بها الشعب الفلسطيني ومناصروه من الشعوب العربية، لابد أن يكون مقترح الأرض مقابل الأرض مرفوضاً لأنه عارٌ جديدٌ على الدول العربية وجامعتهم، ولابد أن يكون الهدف الأول لكل فلسطيني هو تحرير الأرض، وأن تحاول هذي الدول التي تدّعي العروبة والإسلام أن تضغط باتجاه وقف التوطين الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وأن تنهض لوقف الحفريات تحت المسجد الأقصى التي يمكن أن تتسبب في كارثة لهذه الأرض المقدسة، وترفض الحصار على غزة التي تعاني بسبب نضالاتها المستمرة، وبالتالي تضغط بقوتها التي نسيتها لإعادة الأراضي شيئاً فشيئاً لعل التاريخ العربي الموسوم بالعزة والنجاحات والقوة والإتحاد يعود من جديد.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3904 - الأربعاء 15 مايو 2013م الموافق 05 رجب 1434هـ