شهدت البحرين كغيرها من دول العالم أحداث الحرب العالمية الثانية بين دول المحور وبقية الدول الغربية (الحلفاء). وحاولت ألمانيا عبر إذاعتها العربية من برلين أن تثير مشاعر الناس تجاه الاستعمار البريطاني في منطقة الخليج العربي وتصب جام غضبها على «جريدة البحرين» التي أصدرها عبدالله الزايد لوقوفها إلى جانب المملكة المتحدة.
كانت منطقة الخليج آنذاك خاليةً من وجود إذاعات بها، الأمر الذي دعا بريطانيا إلى العمل على تأسيس إذاعة في البحرين لتبصير المواطن الخليجي بأمور الحرب من جانب وجهة نظر الحلفاء، ولتكذيب ما تبثه إذاعة برلين من معلومات تجاه الحكم البريطاني في المنطقة.
ويعد الرابع من نوفمبر سنة 1940 يوماً مشهوداً في تاريخ البحرين ومنطقة الخليج العربي حيث افتتحت في ذلك التاريخ إذاعة البحرين اللاسلكية. واستعداداً لافتتاح إذاعة البحرين، بعث مستشار حكومة البحرين آنذاك السيد بلجريف برسالة إلى حاكم البلاد صاحب السمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة مؤرخةً في 29 رمضان 1359هـ الموافق 31 أكتوبر 1940م، ومحدداً فيها تاريخ الافتتاح وعدد المدعوين جاء فيها:
«حضرة الأمجد الأفخم صاحب السمو الشيخ السر حمد بن عيسى آل خليفة المعظم
بعد السلام والاحترام اللائقين بمقامكم السامي
كما في شريف علم سموكم بأنه سيحتفل بافتتاح محطة الإذاعة اللاسلكية في قصر سموكم الملكي بالقضيبية يوم الاثنين 3 أو 4 شوال سنة 1359 الساعة الثامنة والدقيقة40 عربي الموافقة للساعة الثانية إفرنجي. فالمأمول أن الوقت مناسب لراحتكم. لقد عمل ترتيب لدعوة 400 شخص.
هذا ما لزم وختاماً تفضلوا بقبول فائق التحية والاحترام».
كان خطاب صاحب السمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البلاد حينذاك في احتفال افتتاح الإذاعة في غاية الأهمية لما تضمنه من رؤية واضحة حول مجريات الحرب العالمية الثانية، وكذلك أهمية افتتاح الإذاعة التي قال عنها المحطة الإذاعية الأولى في الخليج.
بدأ خطابه حول افتتاح محطة إذاعة البحرين اللاسلكية بقوله: «نحن حمد بن عيسى آل خليفة نتكلم من مدينتنا المنامة عاصمة جزر البحرين مذيعين للعالم الافتتاح الرسمي لمحطة الإذاعة الأولى في الخليج. نغتنم هذه الفرصة فنرسل تحياتنا إلى كافة أصدقائنا الكثيرين في كافة أنحاء العالم والى إخواننا المسلمين الذين يستمعون إلى هذه الإذاعة.
إن تأسيس هذه الإذاعة الجديدة ينيلنا بهجة عظيمة ذلك لأننا نعتقد أنها ستكون مهمة لأبناء الخليج ولأننا أيضاً نعتقد أنها ستقوم بأوسع من ذلك حيث أنها ستحسن علاقاتنا الطيبة مع جاراتنا الممالك العربية».
وتناول خطابه الأحداث المؤسفة وما تتعرض له دول أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية قائلاً: «إنني آسف أن أقول أن قسماً كبيراً من العالم اليوم مشغول بتطاحن طويل مر دام. ففي كثير من أقطار أوروبا تلغي المعاهدات بدون أسباب مبررة قطعاً وتزهق نفوس الناس وتباد الممالك. أن الديمقراطية التي تمثلها الإمبراطورية البريطانية تقاتل ضد الدكتاتورية التي تمثلها ألمانيا وإيطاليا».
وتناول خطابه هجوم طائرات إيطالية على البحرين: «كما أن المستمعين إلينا يعلمون إننا قاسينا جميعاً في جزيرتنا الصغيرة هذه - منذ عدة أيام مضت - هجوماً من قبل طيارات ايطالية من قاذفات القنابل وكان ذلك خلال شهر رمضان المبارك فان هذا الهجوم قد اتبع من الإذاعة الألمانية والايطالية الرسمية بإدعاء غير حقيقي البتة. وسوف لا نسمح لمثل هذا الهجوم أو لمثل هذه الإذاعة الكاذبة إن تغيّر من إخلاصنا الذي أذعناه على العالم أجمع».
وختم خطابه بالقول: «الجو اليوم مملوء بدعايات متناقضة وهذه الدعايات ذات نوعين فهناك نوع من الدعايات أساسه الأكاذيب المختلفة التي قصد بها الإقناع والتضليل وهناك نوع آخر من الدعاية يرتكز على الحقيقة والصدق. ونحن نرغب أن نقول لمستمعينا هذه الليلة وللعالم أجمع أن جميع الإذاعات التي سنذيعها من البحرين ستكون من النوع الأخير ذلك يعني أنها قائمة على الحقيقة كل الحقيقة والحقيقة ليس إلا».
وجاءت قصيدة شاعر البحرين الكبير إبراهيم العريض التي ألقاها في حفل افتتاح الإذاعة بعنوان «راية العدل» منسجمةً مع كلمة حاكم البحرين من حيث الشعور بالفرحة والفخر والاعتزاز بهذا الحدث المهم. ومما قاله العريض في قصيدته:
«بني أوال أرضكم (درة)
و(التاج) لا يـجهل مقدارها
معجزة العصر تحييكم
من منكم يدرك أسرارها
ثم بين العريض في قصيدته مزايا هذه الإذاعة في السلم والحرب، فقال:
عهدي بما في السلم في رحمة
تنعش كالخمرة سمارها
ما أرسلت من نغمات الهوى
كأن في قلبي أوتارها
حتى إذا الحرب مشت لعنةً صبت على موقدها نارها
أشد وقعاً من سياط اللظى
على الذي قد أرتضى عارها
من بين أبرز المذيعين الأوائل في هذه المحطة: سالم العريض، ومحمد دويغر، وظلا المذيعين الوحيدين لفترة، وكانا يقومان بجميع ما يحتاجه البث من إذاعة، وتشغيل الجهاز الإذاعي ومراقبة البث. كما استعانت بالأستاذ إبراهيم العريض بترجمة بعض المواد من إذاعة البي بي سي الانجليزية إلى العربية، وبعراقي اسمه جورج طلبة للعمل بها ومن ثم عُيّن مديراً. وبعد فترة من افتتاحها استدعي للعمل بها الأستاذ أحمد العمران.
قدمت إذاعة البحرين اللاسلكية برامج مختلفة منها: أخبار الحرب والتعليق السياسي، والأغاني الشعبية، البرامج الثقافية والاجتماعية، كما قدمت برامج صحية، وأخرى تاريخية وتربوية داعية إلى تعليم الفتاة، كما كانت هناك برامج خاصة تقدم للأطفال.
استمرت هذه الإذاعة تقدم برامجها حتى العام 1945، وهو العام الذي انتهت فيه الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء، وحينها رأت بريطانيا أن الأسباب التي من أجلها وجدت هذه الإذاعة قد انتهت، فبادرت بإغلاقها في العام 1945.
إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"العدد 3903 - الثلثاء 14 مايو 2013م الموافق 04 رجب 1434هـ
شكرا
شكرا على المعلومات التاريخية التي تساعد الشخص على المعرفة المستمرة للتاريخ