لم تكن ندوة التربية للمواطنة في الصفوف (7-9) و(10-12)، التي نظّمها المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج، الأسبوع الماضي، بفندق الدبلومات، حدثاً منقطعاً عن سياقه العالمي والوطنيّ؛ بل هو يبرز الاتجاه السليم مع تطلعات الألفية الثالثة والقرن الحادي والعشرين التي تلقى تأييداً وقبولاً من المجتمع العالمي. كما جاء تنظيم الندوة ليؤكد الاهتمام الخليجيّ والوطني بمركزيّة المواطنة في التخطيط المستقبليّ لأيّ تطوير يمكن أن يمسّ قطاع التربية والتعليم في أيّة دولة، حيث يقع إحلال التربية للمواطنة فيها محلّ المركز أو الجوهر في أيّ منهج يستند إلى فلسفة التنمية، وذلك نظراً للأهمية البالغة للتربية للمواطنة أو على المواطنة في تكريس مبادئ التنمية المستدامة.
وقد أكّد مدير المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج مرزوق الغنيم في كلمةٍ له في الندوة أن موضوع هذه الندوة هو موضوع الساعة في عالم التربية والتعليم خصوصاً، فهي من البرامج التي يقوم بها المركز لتطوير التعليم في الدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج، والتي تستهدف النهوض بالتعليم في تلك الدول لكونه يتصل اتصالاً مباشراً بتنشئة الشباب تنشئة سليمة كمواطنين صالحين أصحاء الأبدان والعقول والسلوك، كما يتصل من جهة أخرى بسلامة المجتمع وتماسكه من أجل تحقيق مستقبل أفضل حافل بالحياة الآمنة والعيش الكريم.
لكن ماذا عن مفهوم المواطنة؟ وأيّ مصطلح نريد؟ وما علاقته بالتنمية المستدامة؟
مرّ مفهوم المواطنة بعدة مراحل تاريخية منذ الحضارة اليونانية القديمة في أثينا، مروراً بالإمبراطورية الرومانية ثم العصور الوسطى، ثم الثورة الصناعية وإلى يومنا هذا، ولكن المعنى الحديث جداً بحسب آخر الدراسات تعني بدقة إدارة التعددية بمختلف أشكالها داخل مجتمع ما، أو هي إدارة التوازن بين هذه التعدديّات وهذا التنوع.
ولا تقتصر المواطنة على البعد السياسيّ فقط كما يتصوّر الكثير من المتسرّعين، وإنّما تشمل أبعاداً مختلفةً متفاعلةً مثل البعد الاجتماعيّ والاقتصاديّ والثّقافيّ والبيئيّ، وبذلك تفرض على المواطن مهمات تشمل هذه الجوانب بحيث يصبح في التخلي عنها أو عن بعضها هدر لفرص التنمية الممكن تحقيقها.
إنّ تعليم المواطنة قد يكون مجرّد تلقين لمعلومات نظرية عن المواطنة، في شكل منهجيّ من خلال الكتب المدرسية المعتمدة أو غير منهجيّ من خلال بعض الفعاليات في الطابور الصباحيّ مثلاً، وقد يكون هذا محدوداً جدّاً لكونه يقتصر على مجرد التلقين والتثقيف في مجال المواطنة، وهو ما يمكن أن تنهض به دوائر أخرى غير مدرسية كالإعلام والجمعيات المدنية وغيرها. ولئن كان العقل السليم لا ينكر أهميّة هذا التثقيف، فإنّه يقرّ أيضاً بضرورة أن تكون المواطنة مادةً من المواد الدراسية ذات برنامج وزمن ومدرّس مختصّ يساعد الطلاب من خلالها على التربية على قيم المواطنة واحترام حقوق الإنسان، كما هو معمول به الآن في مناهج التربية بالمملكة، وهو ما يعزّز حاجتنا للتربية للمواطنة وعليها أكثر من حاجتنا إلى مجرد تعليم وتثقيف فيها ينتهي أثره بانتهاء الدرس وفي أقصى الحالات بإجراء الامتحان فيها؛ إنّ في التربية تدريباً على الممارسة، وفي التربية تنشئة عملية على هذه القيم الإنسانية الكونية الحميدة، وفي التربية اكتساب لكفاية جوهرية بل مفتاحيّة للحياة ما بعد المدرسيّة.
إنه بالتربية للمواطنة، إضافةً إلى أشياء أخرى، تحرز الدول مزايا تنافسية في بناء الإنسان، وتطور السلوك الاجتماعي والاقتصادي والبيئي نحو تحسين نوعية الحياة للأفراد والأسر والمؤسسات والمجتمعات، مما يوفر شروطاً مواتية للتنمية والرفاهة الاجتماعية و كذلك الإحساس بـ «فرح الحياة».
إنّ التربية للمواطنة تندرج في صميم دعوة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في خطابه «إلى الشباب... نداء القلب والعقل»، وذلك حين دعا إلى تحديث العقول: «فمن أوجب الأولويات «تحديث العقول» في هذه المرحلة، وعدم الاقتصار على التحديث الماديّ. فإلمام النشء بتقنية المعلومات حتميّ، ولكن لابدّ من موازنته بثقافة في الإنسانيات، ليمتلك توليفة الإبداع بين العلوم والآداب اللازمة لنجاح أي مشروع لتطوير الحياة».
إنّ التربية للمواطنة، وعليها، تمثل أساساً لتطوير الحياة وعماداً للتنمية المستدامة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، لذلك هي تحتلّ من كل تطوير للأنظمة التعليمية والمناهج المدرسية محلاّ خاصاً واهتماماً بالغ الأهمية.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3902 - الإثنين 13 مايو 2013م الموافق 03 رجب 1434هـ
تربية مواطنة لكوكب المريخ
قد يستعجل لكن ما يحتار فيه الانسان بين كونه من البشر وكونه كائن من الكائنات الحية على المعمورة. الاختلاف في وجوده على رقعه من الارض لا يلغي إنسانيته ولا يعطيه جنسية دون البشر. فاما مؤنثاً أو مذكراً نوع الجنس، وهذه للتمييز لا للتفضيل. مسألة مواطن ومواطنه فالمرأة في الغربة وطن، أي مايعنى السكن. وفي هذه الدنيا لا يعرف سكان الأرض فقط من البشر. فلا يعرف الانسان موطناً له الا الأرض. فكيف لسكان الأرض أوطان ومواطنين من الفضاء أم من المريخ غازين؟ وما فائدة يستديم ولا يستقيم عمل مفهوم الاستدامة لكل فرد؟
كلام حكيم
فمن أوجب الأولويات «تحديث العقول» في هذه المرحلة، وعدم الاقتصار على التحديث الماديّ. فإلمام النشء بتقنية المعلومات حتميّ، ولكن لابدّ من موازنته بثقافة في الإنسانيات، ليمتلك توليفة الإبداع بين العلوم والآداب اللازمة لنجاح أي مشروع لتطوير الحياة».