يحكى أن حاكماً في أحد البلدان أصدر قراراً يمنع فيه النساء من لبس الذهب والحلي والزينة، فامتنعت النساء عن تنفيذه وساد السخط والتذمر في أوساطهن وضجت المدينة بأصوات الاحتجاجات، وبالغت النساء في لبس الزينة والذهب وأنواع الحلي كنوعٍ من ردة الفعل على القرار الذي لم يرين فيه عدلاً بل رغبةً في منعهن مما يهوين.
اضطرب الحاكم واحتار فيما حدث فدعا لاجتماع طارئ بمستشاريه، وكان له ما طلب فحضر المستشارون وبدأ النقاش، إذ رأى بعضهم أنه يفضل التراجع عن القرار استجابة للمصلحة العامة، فيما رأى آخرون أن التراجع يعد ضعفاً في شخصية الحاكم، وما هو إلا دليل خوف يسقط من هيبته أمام شعبه، فانقسم المستشارون بين مؤيد ومعارض للفكرة. ولكي يحل الحاكم هذا اللغط طلب من المستشارين احضار حكيم البلدة ليستأنسوا برأيه، فقال الحكيم: أيها الحاكم، لن يطيعك الناس إذا كنت تفكر فيما تريد أنت وليس ما يريدون هم! فظن أن الحكيم سيطلب منه التراجع عن قراره إلى أن باغته الحكيم قائلاً: عليك أن تصدر قراراً بمنع لبس الذهب والحلي والزينة، وتعلله بحجة أن الجميلات لا حاجة لهن إلى التجمل، ثم أصدر استثناءً يسمح للنساء القبيحات وكبيرات السن بلبس الزينة والحلي والذهب لحاجتهن إلى ستر قبحهن ودمامة وجوههن.
وبالفعل أصدر الحاكم قراره، وما هي إلا سويعات حتى خلعت النساء الزينة وأخذت كل واحدة منهن تنظر إلى نفسها على أنها جميلة لا تحتاج إلى الزينة والحلي، وبالطبع فإن كثيرات منهن لم يردن أن يبدين كباراً في السن أو بحاجة لما يستر قبحهن. حينها قال الحكيم للحاكم: اﻵن فقط أطاعتك النساء وذلك عندما فكرت بعقولهن، وأدركت اهتماماتهن، وأطليت عليهن من نافذة شعورهن.
نعم، بإمكان المرء التأثير في قرارات الآخرين عندما يطرح طلبه بطريقة تروق لمن سيستقبله؛ فاختيار الكلمات بعناية واحدٌ من العوامل التي تجعل الطلب مهما كان صعباً، يبدو أكثر إمكانية لتحقيقه على أرض الواقع، ويجعل المستقبِلَ يحاول جاهداً ألا يرفضه، كما أن اختيار الوقت المناسب يسهم بشكل كبير في قبول الطلب أو رفضه؛ إذ كثيراً ما يبدو الممكن مستحيلاً في الأوقات التي يكون فيها الشخص مشغولاً أو تعِباً أو غاضباً، فيرفض أي طلب أو أي محاولة للتأثير عليه.
حين يعرف أحدنا كيف يفكّر الآخر، فإن الأمر سيبدو أكثر سهولة، إذ يمكن إيصال المعلومة أو الطلب أو الأمر بشكل يتيح للآخر الإهتمام به وتقبله بكل يسر، وهي الطريقة التي يستخدمها كثيرون ممن يمتلكون الذكاء الاجتماعي في علاقاتهم، وبها يحققون قبولاً حتى على المستوى الاجتماعي والسياسي. فالسياسي المحترف يعرف كيف ومتى يطرح فكرته، وأي التعبيرات يستخدم للتأثير على مريديه وعلى السلطات في بلاده، والحكومات تعرف كيف تستغل هذه النقطة في إيصال ما تريده من شعوبها وهو الأمر الذي يظهر جلياً في تقبل أو رفض بعض القرارت والضرائب والزيادات التي تفرضها الحكومات على المواطنين والتي باتت مكشوفة في فترة الربيع العربي، حيث نجت بعض الحكومات من الثورة عليها عن طريق تمرير اصلاحات بسيطة في الوقت الذي كان المواطن لديها ينتظر ما هو أقل، فحصنت أنفسها من القلاقل، في حين رفضت شعوب كثيرة اصلاحات أكبر حجماً بعد أن تأخر تقديمها و»فات الفوت». فهل يستفيد الساسة وتستفيد الحكومات من هذا الأمر لتنجو البلدان من الدمار؟
العدد 3899 - الجمعة 10 مايو 2013م الموافق 29 جمادى الآخرة 1434هـ
عجيب
مقالك يا اختي /بالتوفيق
من يفكر
احيانا تأخذ الانسان العزة بالاثم فلا يفكر جيدا وتذهب عليه الفرصة