بلاد متشظيّة. نفوس مواطنيها أيضاً، وإلا ما الذي يفسر هذا الردْح والسكْرة وكأنه حدث بمستوى تحرير البلاد العربية المحتلة، قصف «إسرائيل» لبلد عربي؛ وإن كان محكوماً بنظام قمعي استبدادي؟ الصواريخ لم تقرأ كتاب «الملل والنحل» و»المذاهب في الإسلام». الصواريخ تقرأ الإنجاز على الأرض لتدمّره. تقرأ البشر المشغولين بالبسيط من تفاصيل الحياة والاطمئنان الناقص؛ لتكمل نقص الحياة بموت غبي تدّعيه الآلة الأكثر غباء!
***
المثقفون الذين تم إخضاعهم للوائح القطاع العام العربي، هم أكثر شراسة في الدفاع عن الواقع المختلّ والمنحرف والمتجاوز. ليس مطلوباً منا أن نعذر موقف شطب ملف جنائي وفضيحة ارتكبها أحدهم كي يدخل في عضوية جوْقة الشتّامين والمُخوّنين والمُسفّهين لأي حراك في هذه الأوطان؛ ولو كان حراكاً لحمل جنازة لم ترتفع إلى بارئها بفعْل صاعقة متهوّرة من السماء؛ بل بفعل قنّاص جبان يتمترس في بُرْج لم يحتجْ أصلاً لإذن صاحبه. كل شيء برسْم المُصادرة بدءاً بالأرواح وليس انتهاء بزاوية ومواقع قنص الحياة!
***
هنالك ما يتجاوز الخلل من دون أدنى شك، حين توفّر المنافي كمّاً فائضاً ومُسْرفاً أحياناً من الطمأنينة؛ الأمر الذي يستحيل ويتعذّر في الأوطان التي صدّع رؤوسنا إعلامها الببغائي بالرفاهية التي هي في حقيقتها حرمان، وبالأمان الذي هو في حقيقته رعب، وبالعدالة التي هي في حقيقتها انعدام موازين، وبالشراكة التي هي في حقيقتها استئثار، وبالمواطنة التي هي في حقيقتها تمييز ومزاج وصَرَع وفوبيا الاختلاف. في هذا الزمن الأغبر صارت المنافي على رغم قسوتها هي الأوطان، والأوطان هي المنافي بكل ملامحها المضادّة في صدْر هذه الفقرة!
***
دعوات الفصل بين الديني والسياسي صارت مملّة لدرجة صار الواحد منا يعتقد نفسه في حضرة سوق للخضار، ويفاجأ بأنه في سوق للباله، سوق بيع الملابس المستعملة! السياسي الذي يصرّ على فصل الدين عن حركة الحياة لديه مشكلة مع الدّين وكأنه في حال انتقام وثأر! لا أنياب للدين تخشى منها على لحمك؛ أو عظمك إذا كنت سيء حظ مثلي في «السمْنة». فتّشْ عن التجّار الذين لولا «بضاعة» الدّين - بالنسبة إليهم - ويتصدّرون مشهد الفتاوى وتخليص معاملات الذين سيدخلون الجنة والذين سيدخلون النار، أولئك كلهم أنياب وخناجر وحناجر أيضاً وتلك موهبتهم!
***
أعود إلى الشماتة الجاهلية في العام 2013. شماتة صادرة عن اصطفاف طائفي مقيت مدعّم بمكنة الإعلام والمال؛ وبالطبع لا يملك الإعلام والمال الذين تهرّأت أحذيتهم من فرط السعي وراء مصدر رزق! أعني شماتة إلغاء - بوعي أو من دون وعي - تاريخ طويل من الكذب على مستوى الشعار والمصير والدم والتاريخ، حين يصفّق ويرقص ويسْكر بعضهم فرحاً بقصف دولة شقيقة من قبل دولة لقيطة ستزول، غداً، بعد غد، مسألة نسبية في الزمن. والزوال يأتي محكوماً بمنطق التاريخ وحركته. لا احتلال في الدنيا تأبّد واكتسب شرعيته وأذعن له الضحايا بشكل مطلق. ذلك خلاف كيمياء النفس البشرية الصحيحة. لا أتكلم عن «الريموتات» والروبوتات، والذين يتلقّون حتى أوامر قضاء حاجتهم وتلبية نداء الطبيعة من هنا وهناك وهنالك. أولئك في نهاية المطاف عالة على روعة هندسة هذا العالم ببشره وكائناته الأخرى وأشيائه أيضاً! مثل تلك الشماتة تكشف عن انفصال حتى عن روح الأشياء التي نتحسسها ونتلمّسها حين نكون بشراً عن حق.
***
الباحث الفرنسي إريك موران: «الغيتوات الأكثر انغلاقاً هي تلك التي يبنيها الأغنياء». لم يفصّل موران في مسألة الغيتوات تلك. ثمة أغنياء يبنون غيتوات؛ لكن حنيناً لأخلاقياتهم لا يمكن أن ينعزلوا عنه، وثمة أغنياء هم الشاهد الشَرِه واللاأخلاقي على تلك الغيتوات. في مسألة الأكثر انغلاقاً لا تعني بالضرورة انعزالاً عن الأخلاق تلك. المشكلة في الأغنياء الذين لا يحتاجون إلى الغيتوات تلك ويمارسون كل أصناف عزل ونفي الذين لا يروْن أنهم يملكون جدارة أن يكونوا شركاء معهم في مربّع سكني ولو كان فاصلاً بينهم وبين أولئك بامتداد حاضرة الفاتيكان أو إمارة موناكو.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3897 - الأربعاء 08 مايو 2013م الموافق 27 جمادى الآخرة 1434هـ
السياسةوالدين
ماذا أوصلنا إلى هذا الوضع الكارثي أليس المتاجرة بالدين وتحويله إلى أداة سياسة في محاولات من المسترزقين لتحطيمه ونزع قدسيته ..وأن هذه القدسية تحرم المتاجرة به في أسواق المضاربات والاغتيالات والاجرام السياسي
كيف لي بكم اذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا= الرسول الاكرم ص
هذا مقطع من حديث للرسول الاكرم يصف الحال التي تصل اليها الامة الاسلامية من انحدار وانحطاط الى درجة تنقلب لديهم المقاييس الانسانية
نطالب بعلمانية فصل الدينيين عن السياسة
العبث بالدين لا يجيده الا من يزعم التدين و اكبر جريمة يرتكبها هؤلاء هو توظيف الدين لاغراض سياسية لذلك العلمانية المطلوبة هي فصل الدينيين عن السياسة