بعد تردد كبير وانشغالات بمشاكل الهند وملقا، قرر القائد البرتغالي أفونسو دي البوكيركي (أو البوكيرك)، القيام بأول حملة بحرية على البحر الأحمر قاصداً جدة بالذات بعد أن تحدث عنها كثيراً في رسائله للملك إمانويل الأول.
خرج البوكيركي من عاصمته جوا في الهند، بأسطول مكون من 20 سفينة عليها 1700 من البرتغاليين و800 من الهنود المليباريين والكناريين. وصل إلى سواحل اليمن في يوم 24 مارس/آذار 1513 قرب ميناء عدن مباشرة، فذهب له وفد من قبل حاكم الميناء مستفسراً عن سبب وجوده في مياه عدن، فأجابهم البوكيركي بأنه قائد جيوش الملك إمانويل، وانه في طريقه إلى جدة لمقاتلة المصريين هناك. كان هذا القائد البرتغالي أول برتغالي يدخل البحر الأحمر في مرحلة الكشوف الجغرافية الأوروبية.
كان البوكيركي يهدف من وراء دخوله البحر الأحمر أساساً، بخلاف مهاجمة جدة مباشرة، الوصول إلى المدينة المنورة ونبش قبر الرسول (ص) تنفيذاً لمخططه ولتوصية ملكه إمانويل الأول باقتلاع جذور الإسلام وضربه في عقر داره. وتركّزت خطة البوكيركي في هذا السبيل في العمل على تجهيز 400 من الفرسان البرتغاليين من بحارة الأسطول وإنزالهم في ميناء ينبُع بعد الحصول على الخيول من الحبشة. ومن هناك يتجه هؤلاء الفرسان إلى المدينة المنورة حيث مسجد الرسول (ص) لنبش القبر الشريف والاستيلاء على كل الكنوز الإسلامية الثمينة في المسجد، ونقلها مع الرفات إلى خارج الحجاز، على أن يبدأ ملك البرتغال بعد ذلك مساومة المسلمين بافتداء الرفات بكنيسة القيامة في القدس كي تُسلم له شخصياً. لكن أحلام البوكيركي وأهدافه المبالغ فيها بسهولة نبش قبر نبي الإسلام (ص)، تحطمت كليةً بعد تحذير إلهي كما حدث لإبرهة الحبشي وهو يحاول هدم بيت الله. فقد هبّت على سفن القائد البرتغالي، عاصفة شديدة ضربت جزءًا من سفنه وشتت الباقي، كما أصيب عدد كبير من رجاله بالأمراض، وهلك بعضهم نتيجة الحرارة الشديدة وظروف مناخ البحر الأحمر القاسية. ففهم ذاك القائد رسالة السماء على تجرؤه بفكرة نبش قبر الرسول فكيف بفعلها حقاً، فجر أذياله خائباً وهو ينسحب من مياه البحر الأحمر ولم يحقق شيئاً يذكر في حملته تلك.
واليوم تعود النغمات والأفعال نفسها ضد قبور البشر أينما كانوا بالتهديد والوعيد بنبشها وبعثرة محتوياتها، لا من قبل سُرّاق الآثار ولا من قبل بعض الصليبيين، بل من قبل حفنة ممن يُطلق عليهم «مسلمين» للأسف. وكأنهم أقسموا بأن لا يغمض لهم جفن ولا يهنأ لهم عيش حتى يطهروا الأرض الإسلامية، لا من اغتصاب الصهاينة لأرض المقدس وتدنيسها ليل نهار، بل التطهير فقط من رفات أموات أبى هؤلاء الحفنة أن يتركوها تستقر في ترابها وليس القصور؛ ما لم يخرجوها من لحودها وهم يتراقصون فرحاً على حافة القبر ويرفعون علامة النصر المؤزر على الأموات بعد أن عجزوا عن تحقيق أي نصر على الأحياء!
ومما يزيد الأمر بؤساً في الحقيقة من فعل هؤلاء هو من نشر بين الناس من ضعفاء النفوس وجهلتها مثل هذه الكلمات «المساجد التي فيها قبور لا يُصلى فيها، يجب أن تنبش القبور ويُنقل رفاتها إلى المقابر العامة، يجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقي في المساجد قبور، لا قبر ولي ولا غيره». ونسي هؤلاء أن القبر الذي دُمر في ريف دمشق مؤخراً لم يكن مسجداً بل موقع قبر صحابي جليل تزوره الناس وتدعو له هناك بمنزلته العظيمة عند الله، وليس موقع أداء الصلوات الواجبة على المسلمين.
وبما أن الشئ بالشئ يذكر، وعطفاً على المدخل التاريخي أعلاه، فإن المدعو فاسكو دا جاما، وهو أول برتغالي يصل من أوروبا عبر جنوب رأس الرجاء الصالح الأفريقي إلى سواحل الهند، ثم بعد أن تولي منصب نيابة الملك البرتغالي في الهند أيضاً العام 1524 توفي ودفن في الهند في مقبرة عادية. وتكريماً له، وليس تعبداً لهذا القائد، قرّر الحاكم البرتغالي جواو الثالث، أن ينقل رفاته من الهند عبر المحيطين الهندي والأطلسي إلى عاصمة البرتغال (لشبونة) ليدفن هناك في موقع القديس جيروم، أكبر كنيسة للإمبراطورية حينها وهو موقع تراثي عالمي حالياً، قرب ساحل البحر الذي انطلقت منه سفن دا جاما إلى المشرق الإسلامي. وتم إحاطة الرفات بقبر كبير وعظيم مازال موجوداً في مدخل تلك الكنيسة يؤمه الزوار كل يوم من كافة أقطار العالم ويقف المسيحيون قربه يدعون له بما يعتقدون هم فيه وفي أعماله.
وهناك في أوروبا ما يزيد على 250 جسداً وقبر قديس في الكنيسة الكاثوليكية يُجلهم ويحترمهم الناس المتحضرون في العالم وليس المتخلفون، لأنهم يفرقون بين عبادة الرحمن واحترامهم وتقديرهم للصالحين والعلماء والقادة، فما بالنا مع أصحاب رسول البشرية الأعظم (ص). ولم ينكر على أولئك الأوروبيين هذا التقدير والإجلال إلى اليوم ولا أحد من المسلمين أيضاً أنكر عليهم ذلك. أما في بلاد الإسلام فتلك الحفنة تكفّر ما سواها من أمة الإسلام وهي تعبد رباً واحداً وتتجه إلى قبلة واحدة، والمفترض أن مصيرها واحد وأهدافها الإسلامية مشتركة وليس بينها عهد خاص بنبش القبور... أليس كذلك؟
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3895 - الإثنين 06 مايو 2013م الموافق 25 جمادى الآخرة 1434هـ
مقال اكثر من رائع ولكن
يااخينا الاستاذ السلمان مصيبتنا في هائلاء الحكام الذينه يرون بأم العينهم ويقراؤن في الصحف وتاركين العالم الاسلامي يحترق في بعضه البعض وكاأن النار غدا لم تلهمهم وتاركن كل شئ في يد الوعاظ المتمصلحين من سكوتهم خوفا من هم بأن يلتفوا عليهم ويحرضون هائلاء التكفيرين عليهم
هتك حرمات اهل البيت والصحابة وهم اموات
الحمد الله الذي اظهر حقيقة هؤلاء للعالم وعلى العالم ان يتحمّل مسؤليته
لقد بدى واضحا مدى تخبط هذا الفكر وتخلفه عن كل الامم والقيم الدينية والانسانية والآن العالم هو المسؤول عن الوقوف ضد هذا الفكر والا فسوف
يكوى الجميع بناره
الله لاينصر الظالمين ولذلك طال امد الانتصار لديهم
في النهاية هؤلاء القتلة باسم الدين يسفكون الدماء بقتلهم الابرياء ونبش القبور كيف ينصرهم الله وهم اعتى طغات الارض ولذلك الطغاة معهم ولاينصرون فلسطين.
مشكورين
جزاكم الله كل خير
جعفر الخابوري
سلمت يداك على المقال
أحسنت.
الأسلام دين السلام
مقال أكثر من رائع وضح الكثير من الحقائق التي يتجاهلها بعض من يدعي الاسلام وهو منه برئ . لو كانوا مسلمين حقا لحفظوا حرمة الإنسان حيا وميتا . ولكنه أستاذنا الفاضل الحقد الدفين على كل ما يمت لأهل البيت بصلة . اللهم أحشر كل إنسان مع من أحب .