لم يعد محور الصراع في سورية يدور حول الحرية والديمقراطية والدولة المدنية، كما هو الطرح في بداية الأزمة السورية، التي تجاوز عمرها حولين كاملين. وإذا كانت سورية عانت لأكثر من أربعة عقود من الاستبداد والفساد، فإن المطروح الآن من قبل القوى التي تحمل السلاح، هو مشروع ناكص يعود بسورية إلى ظلام العصور الوسطى، وتحديداً إلى المرحلة التي أعقبت سطوة التتار على عاصمة العباسيين بغداد، وهيمنة الاستبداد العثماني على الأمة العربية، قروناً طويلة.
وإذا كانت هذه النتيجة، موضع شك وقيل وقال، فيما مضى من الشهور، فإن تصريحات الشيخ أيمن الظواهري باعتبار سورية «أرض جهاد» لتنظيم القاعدة، وإعلان «جبهة النصرة» ارتباطها بتنظيمه، قد حسما الأمر. لقد تأكدا أن ما ينتظر المجتمع السوري، في حال انتصار ما يدعى بالمعارضة، لن يكون دخولاً في عصر يتم فيه الفصل بين السلطات، وتترسخ حرية الفرد، وتفتح فيه بوابات الحرية، بل مرحلة ظلامية، تنتفي فيها الكرامة الإنسانية، وتصادر حقوق المرأة. وتعيش سورية بأسرها في «غيتو» لم يعهده الهلال الخصيب من قبل.
خلال سنتين من الأزمة، تصاعد بشكل جنوني عنف الدولة، ليقابله عنف آخر، من قبل المعارضة. وتحوّل الصراع إلى ما هو أقرب للحرب الأهلية. وعندما تغيب لغة العقل والاحتكام للحوار، تسود لغة التطرف، لدى كل الأطراف المتصارعة، ويضعف موقع العقلاء، ويضيع الوطن. وفي مناخٍ كهذا تنفتح الأبواب لكل الاحتمالات، بما فيها التدخلات الخارجية، بكل صنوفها. وتتوسع دائرة الاستقطاب، ليس لمصلحة المتحاربين من الطرفين، بل لمصلحة القوى الإقليمية والدولية.
وفي هذا الصراع، تبرز بقوة الصراعات الكامنة، التي اختمرت عقوداً طويلة في المجتمع السوري... صراع الهويات والمذاهب. وتحضر الصراعات الحزبية والفئوية والمناطقية، وتتوسع دائرة الفساد وثقافة الاستبداد. واللوحة الفسيفسائية التي زهت بها سورية في تاريخها التليد، بدت متنافرة، مجسّدة ركاكة وهشاشة اجتماعية. ومادام القانون هو ترييف المدن، وهو قانون أصبح هو السائد، منذ استعيض عن الدولة المدنية، بهيمنة العسكر، فإن الزحف العاتي في ما عرف بالربيع، جاء هو الآخر متماهياً مع الترييف، وحاملاً لعناوينه، فالمعارك هي في ريف دمشق وريف حمص وريف حلب. والهدف دائماً هو أن تكون عملية التحرير زحفاً من الأرياف إلى المدن. ولم يكن لأحد أن يحتج على هذا القانون، فالنظام هو أول من دشنه، ووضع أطره وسار طويلاً على نهجه.
وعند الحديث عن مستقبل سورية، تبدو القراءة الاستشرافية، في هذه اللحظة، في صعوبتها أقرب للمستحيل. فالقادم هو أشبه بالرمال المتحركة. فالمعارك سوف تشهد كراً وفراً، يتقدم فيها الجيش الرسمي حيناً، وجيوش المعارضة في حين آخر. وهذا التقدم والانكفاء هو رهن لاصطفافات واستقطابات ومواقف إقليمية ودولية. الصراع الذي يجري في سورية، الآن هو عليها، وليس لها. والخاسرون هم السوريون والعرب جميعاً، سواءً كسب النظام المعركة أو خسرها.
المشهد في حقيقته، وكما هو الآن، هو حربٌ بالوكالة. وهو استعادة لروح الحرب الباردة بين الشرق والغرب. تصطف روسيا والصين لجانب النظام، ومعهما إيران وحزب الله. ويصطف الغرب، ومعه تركيا وبعض الدول العربية إلى جانب الثوار. وتستغل «القاعدة» حالة الصراع، لتستعيد أمجادها، ولتتكرر مجدداً، حالة أفغانستان في جهادها ضد الشيوعية. فالغرب الذي رفع شعار الحرب على القاعدة التي اعتبرت مسوغاً لاحتلال أفغانستان والعراق، يقوم الآن برفع مطرقته عنها، ممارساً ازدواجية صارخة. تحرض القاعدة على المشاركة في الصراع المحتدم على سورية، كما في ليبيا من قبل، وفي الوقت ذاته تحارب في مالي، وتشجع على الهروب من القصف وحملة الإبادة ومغادرة ميدان المواجهة. فهناك فسحة في مكان آخر، لتشييد قواعد آمنة، بدعم غربي في سورية، وربما في الجزائر وتونس ومصر مستقبلاً.
الحرب في سورية سوف تستمر لوقت طويل، طالما لم يحسم اللاعبون الكبار موقفهم. وربما تنتهي اللعبة بالتعادل، حين يقرر اللاعبون، فتأتي النتيجة بلا غالب ولا مغلوب، والأصح أن السوريين سيكونون في عداد المغلوبين. فحين لا يبقى في حواضر الأمويين حجرٌ على حجر، ويستمر التدمير المنهجي، وتنتفي إنسانية الإنسان، لن يكون بمقدور أحد ادعاء تحقيق النصر، إلا أعداء سورية وتاريخها.
وإذا ما افترضنا جدلاً أن المياه جرت سريعاً باتجاه آخر، وأصبح هناك بالمنطق العسكري، غالب ومغلوب، فإن الذي سيقطف ثمار النصر إن حققه النظام، هي جمهورية إيران الإسلامية، كما قطفت ثمار احتلال العراق من قبل. وحين تنتصر «الثورة» بعناوينها المعروفة، فإن العثمانيين، سيستعيدون مجدهم، وستتوسع رقعة ربيع الإخوان المسلمين. وخلف الذين ينتصرون من القوى الإقليمية، في هذا الخندق أو ذاك هناك قوى دولية، تنتظر حصتها من المغانم. أما المغارم فلها مكان آخر، ندفعه من حصتنا نحن العرب، دماً وقهراً وذلاً ومهانة... ونحن هنا بين أمرين أحلاهما مر.
ويبقى السؤال: أين يفترض أن يكون موقعنا في خضم هذه العاصفة؟ أستعيد هنا حديث الملك عبدالله بن عبد العزيز في قمة الكويت، الذي دعا فيه إلى تحقيق التضامن العربي. وهو حديث بلغ قمة وأقصى ما وصلت إليه أريحية قائد. وهي سياسة حكيمة أثبتت قوة حضورها ونجاحها في اتفاق الطائف، وفي التوصل لحل للأزمة اليمنية، وفي مبادرات لا تعد ولا تحصى، لقادة مجلس التعاون الخليجي لتحقيق التضامن بين الأشقاء العرب. إذاً فالمكان الطبيعي، ليس في الوقوف بهذا الخندق أو ذاك، بل مع إيقاف نزيف الدم، والاحتفاظ بأرواح الأحياء، فالذين سقطوا صرعى من الجانبين، حكمهم عند أحكم العادلين.
المهمة النبيلة، في احتواء الفتنة، هي إيجاد مفاجأة عربية ليست في الحسبان، مفاجأة تنتصر للسلم وللبناء والأمن، انتصار الكلمة على السيف، وانتصار العقل على الجنون، وانتصار الخير على الشر. المطلوب مبادرة شجاعة تعيد السلام والاستقرار والبهجة إلى أهلنا في سورية، وتوقف ماكنة الجنون عن العمل، قبل أن تقضي هذه الحرب على البقية المتبقية من الأخضر واليابس. نقول ذلك مع وعي اختلاف الظروف والأسباب. وعذرنا إن أصبنا أو أخفقنا «إن الأعمال بالنيات».
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 3891 - الخميس 02 مايو 2013م الموافق 21 جمادى الآخرة 1434هـ
بعد
ستبقى سوريه المقاومه والممانعه لتدخلات اليهوديه والامريكيه وسوف تنتصر الله سوريه بشار وبس
عزيزى الكاتب
لا لغه تسامح ولا دين ولا اسلام عند من يدعى الاسلام او الدين يرفعون شعار لا اله الى الله هائولاء اقبح امه عرفتها البشريه يدبحون المسلمين بئسم الاسلام القاعده هم الاسرائليون بعينهم على مدى الصراع الفلسطينى الاسرائيلى لم نسمع بل الجهاد المقدس وزج الاف المسلحين لنصره اخوانهم الفلسطينين فى فلسطين المحتله اتعرف لمادا لان السيد الامريكى هو من يصدر الاوامر لهائولاء الحثاله من البشر