أجرَت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية لقاءً مع المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية محمد رياض الشقفة حول الوضع السوري. في اليوم التالي للمقابلة، وَرَدَ تقريرٌ منشور على موقع صحيفة «الحياة» اللندنية (بالاعتماد على «الفايننشال تايمز» ونقلاً عن الشفقة بأن جماعته) «شكّلت كتائب مسلحة داخل سورية».
بعد ذلك، بَعَثَ المكتب الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية ما قال بأنه «تصويب» لصحيفة «الحياة»، يقول فيه إن «الصحيح أن المراقب العام قال بحسبما نشرت الصحيفة (التايمز) يوم الخميس 25 (نيسان) أبريل 2013 إن «هذه الجماعات لم يُشكلها أعضاء في الجماعة ولكن أناس يمتلكون توجهاً سياسياً قريباً من توجه الجماعة».
الافتراض «التساؤلي» الذي يُمكن أن نأخذ به بشأن ذلك التصريح ونفيه هو متعدد الأوجه. قد يكون أحدها إبعاد صفة العَسكَرة عن جماعة الإخوان المسلمين، كون ذلك سيؤثر سلباً على بقية فروعها في المنطقة، والتي بات بعضها حاكماً كما هو في مصر وتونس وليبيا، أو تلك العاملة في الأردن والكويت والبحرين والإمارات والسعودية ودول أخرى، وبالتالي يزيد ذلك من التخوُّف منها كونها جماعة أبعد من حركة سياسية.
أو ربما يأتي النفي لِكسر أي فرصة أو فرضية، قد تؤدي إلى ربط جماعة الإخوان المسلمين في سورية (في حال تسلُّحها) بأيَّة أعمال قد توصَف بالإرهابية في داخل سورية، سواء ضد الأقليات أو ضد مرافق عامة أو خاصة، ويضيع خيط الاتهام اليقيني ضد الجاني، وبالتالي يأكل الجميع تهمة القيام به دون فرز ولا تفصيل، ومن بينهم جماعة الإخوان.
أو ربما يأتي النفي لكي لا يُولِّب الأخوان المسلمون في سوية الطيف المدني والعلماني الواسع داخل المجتمع السوري، والذي ابتُنِيَ أساسه بشكل متين خلال الستين سنة الأخيرة، وبالتالي، فإن إقرار إخوان سورية بحمل السلاح، يُفقدهم الكثير من المناصرة أولاً، والتخوف من مشروعهم السياسي ثانياً، وتأكيداً على عدم سلميتهم ثالثاً.
في المحصلة، فإن كل هذه الافتراضات واردة، لكن الحقيقة هي أنها جميعاً لا تفضي إلاَّ إلى ذات الشيء: إنه المحذور. كما أن الأمانة تقتضي منا تفسير تلك الافتراضات (أو إحداها) وفق حالة العسكرة التي اصطبغ بها الصراع الدائر في سورية اليوم. إذ لا يمكن فصل أي شيء اليوم في دمشق إلاَّ بقراءة الميدان فيها، سواء أكَانت تلك الأشياء سياسية أو اقتصادية أو حتى بالنظر إلى الحلول المستقبلية المطروحة.
جميع المعارضين السوريين يتحدثون عن أن جبهة النصرة في بلاد الشام هي لا تزيد عن بضعة آحاد في المعادلة التسليحية والفكرية في الداخل السوري. وبعضهم يزيد من جرأته قليلاً فيقول بأن عددها لا يزيد عن الأربعة آلاف مسلح. أما باقي الجسد العسكري فهو (حسب رأي أولئك المعارضين) لا يؤمن بأطروحات جبهة النصرة وبالتالي القاعدة.
والحقيقة، أن كل مَنْ يتابع الوضع السوري عن كثب، سيلحظ، أن الغالبية العظمى من المسلحين في الجيش السوري الحر (كأحد أهم الجهات تسليحاً) هم ذوو توجهات دينية واضحة، ولا وجود للحالة المدنية بين صفوفهم، إلاَّ في التظاهرات التي تنطلق في إدلب ودرعا ربما. وإذا ما عرفنا أن قيادة الأركان في الجيش الحر هي تابعة للمجلس الوطني بداية، ثم للائتلاف الوطني فإن الأمر سيتضح بشكل جلي.
فعندما تشكَّل المجلس الوطني كان الإخوان المسلمون مُتغوِّلون في قيادته، وفي التحكم في قراره. ثم تواصل نفوذهم داخل الائتلاف السوري. وربما المسألة لا تحتاج إلى كثرة عددية في قيادات المجلس/ الائتلاف، بل الأمر مرتبط بالنفوذ في هياكلهما وفي العلاقات الإقليمية والدولية التي أدت إلى تشكيلهما. وبضم مسألة تبعية الجيش الحر للوطني/ الائتلاف، وبمعرفة نفوذ الإخوان المسلمين على التشكيليْن، سيتضح لنا لماذا قُرِنَت بعض الألوية بالإخوان، وبالتحديد لواء التوحيد واسع الانتشار، وبدعم من أنظمة سياسية إسلامية كتركيا وليبيا ومصر.
والحقيقة، أن كل تلك الفرضيات قد تكون صحيحة. وربما يتضح أن المشترك بينها هو الخوف من صورة العسكرة ومآلاتها. لذا، فإن الغرابة تقتضي منا التساؤل: إذا كان المحذور قائماً في جميع الحالات (الداخلية والخارجية والأخلاقية)، فلماذا لجأت إليه جماعة الإخوان المسلمين في سورية؟ هذا هو السؤال المركزي في الموضوع وليس النفي!
إن تحوُّل الصراع من مظاهرات سلمية شرعية تقابلها قوة مفرطة، إلى ظاهرة عسكرية تقابلها قوة نار مضادة، متتابعاً معه عمليات خطف على الهوية، وتخريب وتفجير وتدمير وقصف وهجرات داخلية وخارجية، كله كان بسبب خيار العسكرة الذي عارضناه من أول يوم لاشتعاله. وفي ظل الانقسام الإقليمي والدولي، وحالات الهزيمة والنصر الدوَّارة على الأرض السورية يزيد الأمر سوءًا وبؤساً.
من أكثر الخيارات الخاطئة التي اتخذتها جماعة الإخوان المسلمين في سورية، هي حملها السلاح والانزلاق في حرب داخلية، أو لنقل افتراضاً مجاراة «أناس يمتلكون توجهاً سياسياً قريباً من توجه الجماعة» كما ذكروا في التصويب. وهو بالمناسبة، غطاء لا يقل عن سابقه إذا ما تمَّ وضعه في سياقاته الطبيعية، وتفكيك تخريجاته «اللغوية»!
لقد قضى السلاح على جميع سبل الضغط من الأسفل باتجاه الأعلى في الداخل السوري، ليُحوِّل الصراع إلى صراع مادي وانشطاري يأخذ حيناً شكلاً عمودياً وقليلاً من الامتداد الأفقي، حتى وجَدَ الناس أنفسهم خارج التأثير في بوصلة الصراع، لصالح أطراف أخرى في الخارج، لا تتحسَّس ألَم الأرض، ولا ترى الـ 26 بالمئة من الأرض السورية المدمَّرة، وبالتالي فهي غير قادرة على توصيف الأوزان، ولا فروقات الواحدة عن الأخرى.
كما أن العسكَرة، قد جعلت من الإخوان المسلمين في سورية جزءًا أساسياً من محاور إقليمية، ومن خلفها النفوذ الأميركي عليها، الأمر الذي جعلها كما كانت المعارضة العراقية قبل احتلال بغداد. وسوف يتطوَّر ذلك الأمر عندما تبدأ الولايات المتحدة ودول أوروبية التحضير لغزو سورية تحت حجة أسلحة الدمار الشامل، حيث ستجد جماعة الأخوان المسلمين نفسها في موضع لا تحسد عليه. برأيي النفي لا يفيد ما دام خلافه قائم.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3890 - الأربعاء 01 مايو 2013م الموافق 20 جمادى الآخرة 1434هـ
ما رأيك بمن يقول .... ؟ ( 2 )
. . . كما هو حال البحرين إذ كثير من المتظاهرين المطالبين بالدولة المدنية معممون و حوزويون و متدينون ذو لحى طويلة أيضا ، فهل نقول أن ظاهرهم الاسلامي يعني أن لهم مشروعا لدولة دينية متطرفة ؟!! فعليه لا ينبغي التهويل بشأن المقاتلين في سوريا ( عدا جبهة النصرة و أخواتها القلائل طبعا ) خاصة المتواجدين في الجيش الحر الذين لهم مظهر اسلامي ، و التهويل بالقول أن المقاتلين ( أغلبهم ) يملكون مشروعا دينيا للحكم ، . . . . . هذا الكلام كله يتبناه الكثيرون ، فما رأيكم ؟
هنا المشكلة
ليست المشكلة في المظهر بل في الشعارات المرفوعة: أعلام سوداء عليها شعار القاعدة. إعلان دولة الشام الإسلامية. قصف أحياء العلويين في حلب وحمص. قصف أحيان الدروز في الجولان. إعلان تحرير الساحل من النصيرية. هذه المشكلة
الموعود به في سوريا
عندما يقول أحد أعضاء جماعة الأخوان المسلمون في سوريا بأن ثمانين بالمئة من الشعب السوري مسلم ويغمز إلى أن العلويين هم ليسوا بمسلمين تصبح القضية أكثر خطورة! هذا يعني أن نظام الجزية والتصفية هو الموعود. وبالتالي فإن الموضوع لا يقتصر على أشكالهم فقط بل على أعمالهم ومشاريعهم
ماذا رأيك بمن يقول ... ؟ (1)
ماذا رأيك بمن يقول : إن كون المسلحين ذو هوية دينية أمر عادي ، فهم مسلمون سنة ( في الأغلب ) كما هو حال سوريا ، فطبيعي أن يكون لهم انتماءاتهم الدينية سواء كان على شكل لحى أو غير ذلك ، ولكن هذا لا يعني أنهم ( خاصة المتواجدين في الجيش الحر ) يريدون مشروعا اسلاميا في سوريا ، ففرق بين الانتماء الديني و كون صاحبه يحمل مشروعا دينيا للسلطة ، كما هو حال البحرين إذ كثير من المتظاهرين المطالبين بالدولة المدنية معممون و حوزويون و متدينون ذو لحى طويلة أيضا . . . . للكلام تتمة
قراءة واقعية ورأي حصيف للأخ محمد ... السيد
أثني على الأخ محمد على قرائته المتأنيه للمواضيع التي يتناولها. أنا من المتابعين لكتابات الاخ محمد والتي ينور فيها القارئ لما هو أبعد من العناوين والالفاظ الأوليه.
القرائات الصحيحه هي المدخل للفهم للتوجهات.
بارك الله فيك أخ محمد أتحفنا بهذه الاراء النيره.