في تعليقنا على نصوص قانون العمل الجديد الصادر بالمرسوم بقانون رقم (36) لسنة 2012 كنا قد وقفنا في الحلقات الماضية على بعضٍ من نصوص هذا القانون التي تضمنت أحكاماً تظهر وكأنها «شنآن» يوغر القلب قد لَحَقَ العمال، وكأن هذا القانون قد نَكَصَ على عقبَيْه ونأى بجانبه عن حمايتهم وتأمين مصالحهم، فضلاً عن جملة من العيوب المختلفة في الصياغة وغيرها التي وطأت هذا القانون لسبب أو لآخر.
وفي هذه الحلقة سنقف على بقية النصوص المتعلقة بـ «انقضاء عقد العمل» تكملةً لما وقفنا عليه في الحلقة الماضية، لننظر إلى مدى الأَفَن الذي أصاب هذا القانون، ولنثبت من خلالها مجدداً أنه أسوأ قانون تشهد البحرين. وذلك فيما يلي:
فقد أنشأ المُشرِّع في هذا القانون مبدأً غريباً لم نقرأه لا في قانون العمل القديم، ولا في قوانين العمل المقارنة، حيث صنَّف إنهاء عقود العمل من قبل صاحب العمل بصنفين هما: «الفصل التعسفي» و»الفصل بدون سبب أو لسبب غير مشروع». وخصص الفقرة (أ) من المادة رقم (104) لبيان حالات الفصل التعسفي المباشر، والمادة رقم (105) لبيان حالات الفصل التعسفي غير المباشر، وانتهى في الفقرة (ج) من المادة رقم (111) بالإشارة إلى «الفصل بدون سبب أو لسبب غير مشروع».
وفي بيانه لحالات «الفصل التعسفي المباشر» حدد ست حالات حصرياً، نبينها كما جاءت في النص حرفياً على النحو الآتي:
1 – الفصل بسبب الجنس أو اللون أو الدين أو العقيدة، والحالة الاجتماعية، والمسئولية العائلية، وحمل المرأة العاملة أو ولادتها أو إرضاعها لطفلها.
2 – الفصل بسبب انتماء العامل إلى نقابة عمالية أو مشاركته المشروعة في أي من أنشطتها.
3- الفصل بسبب تمثيل العمال في تنظيم نقابي، أو سبق له ممارسة هذه الصفة أو السعي إلى تمثيل العمال.
4 – الفصل بسبب تقديم شكوى أو بلاغ أو رفع دعوى ضد صاحب العمل، ما لم تكن الشكوى أو البلاغ أو الدعوى كيدية.
5 – الفصل بسبب استخدام العامل لحقه في الإجازات السنوية طبقاً لأحكام القانون.
6 – الفصل بسبب توقيع الحجز على مستحقات العامل لدى صاحب العمل.
وفي بيانه لحالات الفصل التعسفي غير المباشر حدّد في المادة (105) حالتين فقط هما: اعتداء صاحب العمل أو من ينوب عنه على العامل أثناء العمل أو بسببه. وارتكاب صاحب العمل أو من يمثله أمراً مخلا بالآداب نحو العامل أو أحد أفراد أسرته.
وبالتأمل جيداً إلى الحالات الست الأولى سابقة الذكر نلحظ تدني صياغة نصوص بعضها بما ينم عن عدم الدقة وقلة الإتقان، فضلاً عن غموض بعضها ومنها مثلاً الفقرة (6) المستقاة أصلاً من المادة رقم (695/2) من القانون المدني المصري، إذ يتبين أن ناقلها استقى مضمونها من هذا القانون لكنه بدَّل عباراتها وصاغها في نص مبتور دون أن يتقن صياغتها جيداً فباتت غامضةً بحاجةٍ إلى شرح وتوضيح.
بيد أن ما يهمنا في هذا المقام ليس عيوب هذه الفقرة أو تلك بقدر ما يهمنا الوقوف على التصنيف الثنائي للفصل الذي أنشأه هذا القانون بالنحو السالف ذكره. حيث أشرنا إلى أن هذا القانون قد صنَّف إنهاء العقد من قبل صاحب العمل بصنفين أو وصفين هما: الفصل التعسفي، والفصل بدون سبب أو لسبب غير مشروع، مفرقاً بين هذا وذلك من حيث أسباب الفصل، فاعتبر أن إنهاء العقد للأسباب الثمانية السابقة فصلاً تعسفياً، بمعنى أن ما يخرج عن هذه الأسباب لا يعتبره فصلاً تعسفياً.
ولم يكتفِ بهذا التفريق وحسب إنما أعطى الفصل التعسفي حكماً خاصاً به ميّزه عن غيره، مثال ذلك: أنه جاء في نص الفقرة (أ) من المادة رقم (111) قوله: «إذا أنهى صاحب العمل عقد العمل غير المحدد المدة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من تاريخ بدء العمل فلا يستحق العامل أي تعويض إلاّ إذا كان الإنهاء بمثابة فصل تعسفي طبقاً لأي من أحكام المادتين (104) و(105) من هذا القانون، وفي هذه الحالة يستحق العامل تعويضاً يعادل أجر شهر».
وجاء في الفقرة (هـ) من المادة (111) قوله: «إذا أنهى صاحب العمل عقد العمل غير محدّد المدة بعد انقضاء ثلاثة أشهر وكان هذا الإنهاء بمثابة فصل تعسفي طبقاً لأحكام المادتين (104) و(105) من هذا القانون استحق العامل تعويضاً إضافياً يعادل نصف التعويض المستحق طبقاً لأحكام هذه المادة».
وعليه نستخلص مما تقدم إلى أن قانون العمل الجديد اعتبر إنهاء عقد العمل غير المحدد المدة من قبل صاحب العمل فصلاً تعسفياً في حالات معينة حصراً، وهي الحالات الثمان التي مرّ ذكرها سلفاً، وفي غير هذه الحالات لا يعتبر الفصل تعسفياً حتى وإن كان الفصل بغير سبب أو لسبب غير مشروع. وانتهى إلى أنه في الحالات التي يعتبرها فصلاً تعسفياً يستحق العامل تعويضاً لا يستحقه في الحالات الأخرى، أو يستحق تعويضاً أكبر في حالة الفصل التعسفي طبقاً لما سبقت الإشارة إليه أعلاه من خلال الفقرتين (أ) و(هـ) من المادة (111).
ومن هذه الخلاصة نبدأ في الوقوف والتساؤل عن هذا المبدأ الغريب الذي اعتنقه هذا القانون في تقسيمه وتصنيفه للفصل، لنقرّر بدايةً أن غرابة هذا المبدأ تكمن في كونه غير مؤسس على أساس قانوني سليم معترف به، ولكونه مبدأً غير عادل، ولأنه لا ينم عن معرفة بالقواعد العامة المستقرة لدى من أنشأه وصدَّق عليه.
فمن المقرّر قانوناً أنه في عقود العمل غير محدّد المدة يحق لأي من طرفي العقد إنهاؤه بإخطار مسبق بشرط أن يكون الإنهاء بمبرر، وإلاّ يعتبر من أنهاه متعسفاً في استعمال هذا الحق، وهذا ما نص عليه قانون العمل لسنة 1976 في المادة (108) من أنه «إذا كان إنهاء العقد غير المحدد المدة بدون مبرر اعتبر الذي أنهاه متعسفاً في استعمال حقه والتزم بتعويض الطرف الآخر عمّا يصيبه من ضرر نتيجة لذلك...».
وعلى هذا الأساس يتفق الفقه والقضاء على أن معنى «الإنهاء التعسفي» لعقد العمل غير محدد المدة لا يختلف (لا من حيث المدلول ولا من حيث المعنى) بين القول بإنهائه بدون سبب أو لسبب غير مشروع وبين إنهائه تعسفياً، إذ هما معنيان مترادفان، فعدم وجود السبب للإنهاء ليس إلاّ وجهاً من وجوه التعسف، وأن «التعسف» ينبثق من نظرية التعسف في استعمال الحق أو إساءة استعمال الحق. ذلك لأن التعسف بمفهومه العام هو الخطأ، وحيث يعتبر إنهاء العقد غير المحدّد المدة بدون سبب أو لسبب غير مشروع خطأً فإن هذا الإنهاء يكون عن خطأ يحمل وصف التعسف. أي بمعنى آخر «إن إنهاء عقد العمل غير المحدّد المدة بدون سبب أو لسبب غير مشروع يصدق عليه وصف التعسف».
وحيث كان الأمر ذلك فإن إنهاء عقد العمل غير محدد المدة بدون سبب أو لسبب غير مشروع يعتبر فصلاً تعسفياً أياً تكن مبررات وأسباب الفصل التي يستند إليها صاحب العمل، بما في ذلك الفصل الذي لم يُفصح عن أسبابه صاحب العمل، وهذا هو مبدأ متفق عليه فصار قاعدةً من القواعد العامة المستقرة.
وعليه فإن قانون العمل الجديد حيث أنشأ لنفسه المبدأ السابق فسنَّ بموجبه قاعدة مضمونها إن أي إنهاء لعقد العمل من جانب صاحب العمل لغير الأسباب الواردة في المادة (104) لا يعتبر فصلاً تعسفياً، أو لا يحمل الفصل التعسفي، فإن ذلك يعد خلافاً للقاعدة العامة المتفق عليها وضرباً من ضروب الانحراف الجائر الموبق بحق العمال.
ولا يُقلل من وطأة هذا الانحراف أو يُقوِّمه الدفاع بأنْ هذا القانون قد نص في المادة (101) على حق العامل في التعويض عن إنهاء العقد بدون سبب أو لسبب غير مشروع، لأننا لا ننظر إلى هذا الانحراف من حيث أنه أجاز إنهاء العقد بدون سبب، (وهو لم يجز ذلك) وإنما لكونه ميَّز بين أسباب وأخرى كما رأينا، فأعطى بعضها ثقلاً أكبر من غيرها ورتّب عليها تعويضاً أكبر، رغم أن فصل العامل أياً يكن السبب غير المشروع، يحمل أثراً واحداً وهو طرد العامل من عمله وحرمانه من مصدر رزقه.
فلو افترضنا مثلاً أن صاحب العمل فصل عاملاً لسبب غير الأسباب الواردة في المادة (104)، أو لسبب لم يُفصح عنه صاحب العمل، أو استقال العامل بسبب امتناع صاحب العمل عن أداء أجوره أو إخلاله بالالتزامات الجوهرية المترتبة عليه في القانون أو العقد، أو كان في استمراره في العمل ما يهدّد سلامته أو صحته، وهي أسباب كان قانون العمل القديم قد لحظها في المادة (115) وتجاهلها قانون العمل الجديد، فهل يصح القول أن هذه الأسباب لا تعتبر من أسباب الفصل التعسفي، وأن التعويض عنها لا يرقى لذات قيمة التعويض في حالة الفصل للأسباب الواردة في المادة (104) طبقاً للمبدأ الذي اعتنقه قانون العمل الجديد محل البحث .
ولكي لا يطول بنا اليراع نخلص إلى القول بأن هذا المبدأ الغريب الجديد ليس إلاّ انحرافاً يستر خلفه معولاً يَصْرم حقوق العمال لحساب أصحاب الأعمال.
ولنا لقاء آخر في الحلقة القادمة لنكتشف مجدّداً الأسوأ من خلال ما سنراه في باقي النصوص المتعلقة بانقضاء عقد العمل التي تُثقل وتُنقِض ظهور العمال نقضاً، ولنثبت مجدّداً أن هذا القانون هو أسوأ قانون عصري تشهده مملكة البحرين.
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 3889 - الثلثاء 30 أبريل 2013م الموافق 19 جمادى الآخرة 1434هـ
قانون الله
لم يطبق فى البحرين اى شى من قوانين الله والله راح ياخد الحق
التنويه للكاتب
أتمنى على الأعزاء في صحيفة الوسط أن يوصلوا التنويه القانوني للكاتب حتى لا يقع في ليس بديهيات الفهم للتسميات القانونية في التفريق بين مرسوم بقانون وقانون فيما هو يمارس تأصيلا قانونيا مما يهون من قيمة نتاجه
تنويه قانوني
ألفت انتباهك بأن تسميته مرسوما بقانون ليس صحيحا قانونا إذ أن القانون صدر من السلطة التشريعية وفي حال صدوره منها فإن التسمية القانونية له هو قانون رقم ... وليس مرسوم بقانون حيث أن هذه التسمية تطلق في حال صدوره من الملك مباشرة وهو ما كان يحدث في غياب السلطة التشريعية أو في أثناء العطلة التشريعية .
مع اعتذاري على التطفل
رد
عفوا سيدي .. القوانين التشريعية تصدر دائما بمرسوم بقانون . اما ما يصدر عن عاهل البلاد فيصدر بمرسوم
تصويب
القوانين التشريعية تصدر بقانون إلا إذا كان في العطلة التشريعية، فيصدرها الملك كمرسوم بقانون ...لا بأس أن الكاتب أخطأ فكلنا خطاءون.
قانون لقتل حقوق العمال ومصادرتها
اذا كان المواطن مسلوب الحقوق في كل مكان فما بالك بالعمال هم اولى
بسلب حقوقهم