أعلن رئيس لجنة التنسيق والاختيار سعيد بن عطية أبو عالي أسماء الفائزين بجائزة العام 2012، وكان الفائزان هما الأديب المصري المشهور عبد التواب يوسف أحمد الفائز بجائزة الأدب لكتاباته في أدب الأطفال، وأستاذ اللسانيات بجامعة أم القرى بمكة المكرمة محمد حسانين الفائز بجائزة الدراسات الإسلامية، وتصادف أن الفائزين مصريان، أحدهما قادم من مصر والثاني من المملكة العربية السعودية. وعقب القائم بالأعمال الليبي في حديث جانبي معي قائلاً أنتم المصريون أساتذتنا، وأنه تعلّم على أيدي الكثيرين منهم، ولذا فهم يستحقون الفوز بالجوائز عن جدارة.
فقلت له الحمد الله على هذا الفضل الكبير، وتجاذبنا أطراف الحديث عن مصر وليبيا والعالم العربي وأحواله في ظل التغيرات المتتالية التي لم تستقر بعد. ثم قمت بمصافحة الفائزين وتهنئتهما، وكانا بالغي التأثر لهذا التكريم الذي صادف أهله وفي دولة عربية شقيقة من مؤسسة مشهورة ذات مكانةٍ وفاعلة للخير، وواهبة هذا الخير لتشجيع العلم والعلماء من العالم العربي من مشرقه إلى مغربه. وأعرب الفائزان عن شكرهما وتقديرهما لأسرة كانو وللجائزة التي تعبّر عن التقدير لما قام به الأستاذان عبد التواب يوسف ومحمد حسانين من مساهمات علمية قيمة كل في مجاله، وكلاهما فاز بالجائزة عن جدارة وبعد دراسة متأنية للمتقدمين، وهم أكثر من 40 شخصاً لكل جائزة، وأن الجائزة الخاصة بالدراسات الاقتصادية تم حجبها هذا العام لعدم وصول أي من الدراسات المقدمة إلى المستوى المطلوب.
لقد شعرت بسعادة لأن الفائزين شخصيتان مرموقتان من أبناء وطني، أحدهما طير مهاجر مثلي، والثاني موهبة مكتملة تعيش في حضن الوطن. ولو قمنا بعملية حسابية عشوائية يمكن القول أن 50% من المواهب والكفاءات والخبرات المصرية هي طيور مهاجرة ومتألقة، حيثما حلت، وقد عدت للتو من الصين حيث ساهمت في المنتدى الدولي الخامس للمتخصصين في الدراسات الصينية، وكان تكريمي بدعوتي للمرة الثالثة على التوالي للمشاركة في المنتدى، وفي اختياري كمتحدث رئيس في جلسة العمل الأولى ضمن 4 متحدثين تم اختيارهم من مناطق العالم المختلفة، وهم أستاذ من البرازيل، وآخر من بلجيكا، وأنا من مصر، والرابع من الصين، وحظي كل منا بالاهتمام والرعاية طوال فترة المؤتمر. وقلت في نفسي وكرّرت ذلك في حفل جائزة يوسف بن أحمد كانو أن هذا يثبت ثلاثة أمور مهمة: الأولى إن مصر ولادة بالعلماء والخبراء وهم يحظون بالتقدير في مختلف بلاد العالم؛ والثاني إنه لا كرامة لنبي في وطنه ولا تكريم لعالم في بلده، و»مطرب الحي لا يطرب»، لأنهم اعتادوا عليه وسمعوه كثيراً، ومن كثرة سماعهم له نسوه ونسوا عبقريته وإبداعاته. وهذا انطبق على كثير من العلماء المصريين المقيمين في أميركا وبريطانيا وغيرها، تم تكريمهم من العالم الخارجي قبل تكريمهم في أرض الكنانة، مصر المحروسة؛ والثالث إن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وأن المواهب تجد من يهتم بها في لحظة مناسبة، فالأستاذ عبد التواب عبقرية فذة في أدب الأطفال رغم أنه خريج علوم سياسية، والأستاذ محمد حسانين كفاءة عالية في مجال الدراسات الإسلامية ويدرس في جامعة أم القرى. ومن أعماق قلبي شعرت بالفخر والسعادة لفوزهما بهاتين الجائزتين، وما سجلته لجنة الاختيار بحقهما يجعل أي إنسان يفتخر بهما.
لقد سألني الأستاذ عبد التواب عمّا إذا كانت وكالة أنباء الشرق الأوسط سوف تنشر خبر حفل التكريم، وسألني عن أشياء أخرى، فقلت له لا أدري، ولكنني أعدك بأن أكتب عن هذا الحفل وعن الجائزة، فأنتما من العملة الذهبية الصعب وجودها وتكرارها في هذا الزمان.
وعدت بذاكرتي إلى جوائز المجلس الأعلى للثقافة التي كانت تعطى لرؤساء مجالس الشعب والشورى ورؤساء تحرير الصحف القومية وغيرهم من كبار المسئولين، وكتبت آنذاك مقالاً تعليقاً على ذلك الأسلوب، منتقداً المنطق لأنه حتى لو كان الشخص يستحق جائزة فإن وجوده في المنصب يعني ثمة شبهةً، واقترحت على المجلس الأعلى للثقافة أن يشكل لجنة خاصة لكي تبحث عمن يستحق في كل مجال من المجالات، وذكرت ذلك لأحد أعضاء لجنة الجوائز في العلوم السياسية، فكان رده أكثر غرابةً بالنسبة لي حيث قال: «نحن نسعى لتقليل عدد أعضاء اللجنة»، وقال كلاماً كثيراً لم أشاركه الرأي، وأعربت عن اختلافي في منطقه وفكره رغم أنه من الأساتذة الممتازين وصديق لي، ولكنه كان يتحدث كسياسي قيادي في لجنة السياسات للحزب الوطني. وهذه هي مأساة بعض المثقفين في العالم العربي.
والأهم اليوم هو التعبير عن الشكر لأسرة كانو وللجائزة وللجنة العلمية ولأعضاء مجلس أمناء الجائزة، ورحمة الله الواسعة على الوجيه يوسف بن أحمد كانو الذي تحمل الجائزة اسمه، وبارك الله في أولاده وأحفاده وعائلته ذات الطابع الخيري في بناء المستشفيات والوحدات الصحية والمدارس وتخصيص وقفية لهذه الجائزة العلمية، ودعم الملتقيات الثقافية، وحقاً قال الرسول الكريم «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له». وأعتقد أن جائزة يوسف بن أحمد كانو ينطبق عليها الأوصاف الثلاثة، وكما قال الشاعر:
لقد مات ناس وما ماتت مكارمهم
وعاش قوم وهم بين الناس أموات.
اللهم أكثر من فاعلي الخير لوجهك الكريم وأجزل لهم خير الجزاء، خصوصاً من يشجّع العلم والعلماء، وهكذا رجال الأعمال الخيرين الذين يقدمون التبرعات لنشر العلم والثقافة، وتهنئة لمصر صاحبة عبقرية المكان، وعبقرية الزمان، وعبقرية الإنسان. مصر العروبة والحضارة والإسلام، حماها الله من كل سوء وأعاد لشعبها الأمن والأمان والاستقرار وجعلها حصناً للعروبة وجعل العروبة حصناً لها. وشكراً لراعي الحفل الشيخ خالد بن عبد الله آل خليفة نائب رئيس الوزراء وكافة الحاضرين، وللصديق مبارك العطوي الشخصية المعطاءة من وقته وجهده وهو مقرّر لجنة أمناء الجائزة وعضو اللجنة، وشكراً لمملكة البحرين على هذه النخبة الطيبة من أبنائها من الطائفتين الكريمتين التي شاركت في حفل التكريم. وهكذا جمع حفل جائزة يوسف بن أحمد كانو أبناء وبنات الطائفتين الكريمتين في مكان واحد، وسادت بينهما روح الأخوّة والمحبّة والتوافق، بل والانسجام، وهو ديدن شعب البحرين الذي عرفته منذ قدومي كزائر لأرض هذا البلد الشقيق ودعائي بأن يحفظ الله مملكة البحرين وشعبها من كل سوء، ويحقق لها النماء والازدهار والسلام والأمن والأمان.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3887 - الأحد 28 أبريل 2013م الموافق 17 جمادى الآخرة 1434هـ