العدد 3885 - الجمعة 26 أبريل 2013م الموافق 15 جمادى الآخرة 1434هـ

في معرض «المطالعة» بالبارح...فاطمة الحاج تستعيد طقوس القراءة

تصوير احمد ال حيدر
تصوير احمد ال حيدر

تشتغل الفنانة اللبنانية فاطمة الحاج في صيغة تعبيرية على استعادة طقوس القراءة من خلال معرضها الشخصي «المطالعة» عبر سبع وعشرين لوحة فنية بألوان مختلفة بين الباستيل والأكرلك والزيتي، بقفشات سريعة على الكانفس وبألوان دافئة وقاتمة أحياناً، غائمة الملامح غائبة التفاصيل، همّها رسم أجواء القراءة وطقوسها وشيئاً من أحاسيس تلك اللحظات البهية التي رصدتها كقارئة واستعادتها كفنانة وربما أرادتنا أن نعيشها كمتلقين، كل ذلك في معرضها بدار البارح الذي بدأ في 9 أبريل/ نيسان ويستمر حتى نهاية الشهر الجاري.

ولعل للبنانيتها سرّاً وراء احتفائها بالكتاب والقراءة، فلبنان بلد الكتاب ودور النشر ومن غير لبنان يحضر حين يحضر الكتاب ببهائه، فهذه المولودة في وردينة بلبنان 1953 على موعد في يوم ما للمواءمة ما بين الكتاب والفن حيث تخرجت في معهد الفنون الجميلة وواصلت مشوارها الفني التأسيسي في لنينغراد وباريس وتعمدت البروفيسورة في معهد الفنون الجميلة بلبنان، ومنذ معرضها الأول 1985 بدأت أعمالها تتعلق على الجدار وتتخطى طريقها للانتشار والعبور إلى مزادات فنية، وتتوج هذا الألق بالحصول على جوائز عالمية منها جائزة بيكاسو الدولية 1984 وغيرها، ولتصنع حضوراً الذي ربما تختزله في حكاية كل لوحة من لوحاتها.

في أولى اللوحات في معرض «مطالعة» يتلقّاك رجل جالس يفكر وقد سلّم ثقل رأسه إلى قبضة يده وعيونه إلى الأرض في تفكير عميق وبحسب الفنانة هو تمثال المفكر لأوغست رودان وقد أهدته الفنانة وردة نمت بجانبه تعبيراً عن التقدير لهذا التفكير العميق الذي يمنحنا إياه النحات عبر هذا التمثال، ربما بهذه اللحظة التي اقتنصتها الفنانة الحاج حين استعادت أجواء التمثال ورسمته في اللوحة وسط حلكة سوداء إلا من نور وحرارة ألوان الورود أرادت أن تأخذنا إلى تلك اللحظات العميقة من التفكير والتي يمنحنا إياها الكتاب حين يأخذنا إلى عوالم أخرى ونحن لانزال في مكاننا مطرقين مفكرين بعمق كهذا التمثال الذي استحق هذه الوردة من الفنانة ونحن كذلك في صيغة تشجيعية غير مباشرة لهذه اللحظات السانحة الجميلة والأخاذة.

وفي عمل آخر بألوان بهية مشرقة صباحية بين الأبيض ببهائه والأزرق بصراحته والأحمر بنوره يبدو أحدهم ومن دون تفاصيل كمن يجلس باسترخاء تام يتأمل كتابا بين يديه، ربما هذه الصورة تقابل لوحة التمثال وقد أشرقت هاهنا بنور التأمل في الكتاب وغابت العتمة والألوان القاتمة التي كانت خلفية للتمثال.

وفي لوحة أخرى ترصد الفنانة لمجموعة من الشخوص جلسة هادئة حيث تغيب الملامح إلا من خطوط الجسد وتبدو الوجوه كمن يتطلع إلى الأعلى ربما هي حالة استماع أو مسامرة لحظة الإصغاء إلى حكاية، وثمة دفء يتسرب إليك من الأجواء المرصودة حيث يتسيّد اللوحة ويملؤها اللون البرتقالي والأحمر بتدرجاتهما، حقّاً إنها حكاية في لوحة ولوحة في حكاية. ومن لوحة إلى أخرى تأخذك الفنانة لتفاصيل مختلفة في كل مرة وذلك عبر تجريب ألوان أخرى وأجواء متعددة حيث يحضر هنا اللون الماروني القاتم ليجسد جلسة لجموع آخرين في حالة قراءة، حيث يبدو أحدهم وهو يتصفح هاتفاً يقرأ فيه وآخر يبدو مكبّاً كمن يتطلع بشغف بين يدي كتاب ربما هي لوحة تجسد حالة المقارنة بين طقوس قراءة قديمة وأخرى حديثة، وبينما ينحاز اللون القاتم إلى جهة القارئ المتصفح في الهاتف، ينحاز الورد الجميل بألوانه البهية إلى جهة القارئ المنكب على الكتاب في صيغة تشجيع وتقدير وربما حنين لماض جميل وعلاقة حمية مع الكتاب.

وفي لوحة أخرى امتلأت باللون البرتقالي الدافئ ثمة عدة جلسات بين يدي الكتاب هي أشبه بجلسات الذكر وقراءة القرآن والتلاوة فرادى وجموع هنا ترصد الفنانة بشكل غير مباشر أجواء حلقات الذكر كطقس أصيل من طقوس القراءة حيث يبدو البعض مكبّاً على الكتاب يتلوه وقد وضعه بين يده على كرسي القراءة، ومشهد آخر في أعلى اللوحة يبدو فيه أحدهم مصغياً لمن يتلو وقد رفع رأسه إلى الأعلى في شغف وتطلع إلى العلم... المعرفة وكأنه بين يدي معلمه يستمع إليه وينهل منه.

وفي لوحة أخرى؛ خلت من أي تفاصيل سوى رجل يجلس بين يدي كتاب وسط ظلام قاتم إلا من نور صفحات الكتاب التي تستمد إضاءتها من مصباح قديم، وإلى جانبها لوحة بالفكرة والعناصر نفسها يغيب منها القارئ ولا يظهر سوى الكتاب والمصباح، ثمة تأكيد على اقتران القراءة بالنور تماماً كما مقولة العلم نور في حالة تناص بين اللوحة والنص.

وفي عمل آخر؛ ثمة دائرة تملأ اللوحة أشبه بجمجمة وفي أسفلها امرأة تمضي إلى الأمام وأعلى الدائرة رجلان، ربما تستوقفك لتقرأ ما وراءها وخصوصاً مع امتلاء اللوحة بدرجات اللون البرتقالي والأخضر في الأعلى، وهنا بحسب السياق الذي اصطفت في الأعمال على الجدار تغيب بعض العناصر لتبقى الجمجمة الدالة على التفكير ويحضر النور والإنسان. كذلك في عمل آخر تغيب التفاصيل فيه أيضاً ولا يظهر في اللوحة سوى شمعتين ونور يجسده اللهب الذي يتماهى مع الخلفية تماماً للتأكيد على فكرة النور والبصيرة التي يصنعها الكتاب.

في معرض «مطالعة» للفنانة فاطمة الحاج بدار البارح تصطف اللوحات على الجدار لتنقلنا إلى أجواء القراءة في صيغة تعبيرية حيث تغيب فيها التفاصيل ويحضر الحنين والشوق للحظات ارتباط الإنسان بالكتاب والقراءة منذ الأزمان الأولى في حالة استهواء لطقوس القراءة كتجربة شخصية أو جماعية تعبر بنا إلى أحاسيس عشناها ونود استعادتها والمحافظة عليها وسط زمن تشيّأ بالمادة وأخذ يقولبنا في أشكالها وأنماطها الميتة.

العدد 3885 - الجمعة 26 أبريل 2013م الموافق 15 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً