في (7 ديسمبر/ كانون الأول 1941) أغارت البحرية اليابانية على الأسطول الأميركي القابع في المحيط الهادئ في قاعدته البحرية في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي، حيث غيّر هذا الحدث مجرى التاريخ؛ إذ دخلت بعده الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية.
لن أخوض في مجريات الحرب الثانية وأحداثها الجسام، ولكن ما أرمي إليه هو إجراء مقارنة ومقاربة سريعة، بخصوص ما حدث من ظلم وتضييق على الحريات بفئة من المجتمع الأميركي جراء هذه الحادثة، وهم الأميركان ذوو الأصول اليابانية، وبين ما حدث ولازال يحدث لأبناء هذا الوطن الغالي من انتهاكات شتى جراء الحراك الوطني المطالب بالديمقراطية الحقيقية.
فمن تداعيات أحداث بيرل هاربر تم احتجاز الأميركان ذوي الأصول اليابانية، حيث أخذوا من منازلهم وأعمالهم وجامعاتهم ومدارسهم، إلى مخيمات معزولة، وضُيّق على حرياتهم بشكل كبير، بل وتم التنكيل بهم، حيث اعتقدت السلطات الأميركية وقتها بأن هذه الفئة القليلة جداً، قد تكون طابوراً خامساً للجيش الياباني، وحيث إنهم في تلك الفترة يخوضون حرباً عالمية، فقد ارتأوا بأن يعزلوا هذه الفئة حتى يضمنوا عدم زعزعة أمنهم الداخلي.
أما ما حدث في بلدنا الغالي من حراك شعبي عارم، ترجع جذوره إلى ما قبل عشرينات القرن الماضي، وزادت جذوته في (14 فبراير/ شباط 2011)، فهو حراك شعبي شارك ولا يزال تشارك فيه أغلبية المجتمع البحريني، الذي تحرك من أجل الكرامة والعزة، والمطالبة بالعدالة الاجتماعية والمساواة، والحصول على حقوق نصّ عليها الدستور دون أن تُفعّل على أرض الواقع.
هذا الحراك كان يهدف أيضاً إلى مكافحة الفساد والمحسوبية التي تنخر في مفاصل الدولة، ومناهضة المشاريع التدميرية مثل التغيير الديموغرافي والإخلال بالتركيبة السكانية، ومن أجل وقف الاستحواذ على الثروات العامة، والحصول على الحقوق المهدورة معيشيةً وسياسية.
وقد بات معروفاً للجميع، أن سقف مطالب شعب البحرين هي الأقل في جميع حراك ما يُسمى بـ «الربيع العربي»، وتتلخّص في تحقيق الملكية الدستورية الحقيقية، فكيف قوبل الحراك الوطني المطالب بالديمقراطية الحقيقية في بلدنا الحبيب؟
من المفارقات أن هذه المطالب التي تقرّها جميع المواثيق الدولية، وحتى دستور البحرين، قوبلت بكل قسوة وقمع، فعلى سبيل المثال تمّ القتل خارج وداخل السجون، وسجن الآلاف، وفصل آلاف آخرين، وسجن وفصل الأطباء الذين ساهموا في علاج الجرحى، وتم اعتقال رئيس ونائب رئيس وأعضاء إدارة جمعية المعلمين، والعديد من المعلمين، وحدث ذلك لبعض هيئة التدريس بجامعة البحرين من طائفة معينة.
كما هُدمت بيوت الله نكايةً بمكوّن أساسي من المجتمع البحريني، وتمّ فصل بلديين منتخبين لمجرد تعبيرهم عن آرائهم، وجُرّد عشرات المواطنين من جنسياتهم، وجرى التضييق على الحراك الشعبي بشتى الوسائل، وعُدّلت وطوعت الكثير من الأنظمة والقوانين بهدف تطويق والقضاء على المطالب الشعبية.
ولو رجعنا إلى المقارنة والمقاربة، لما حدث للأميركان من أصول يابانية في الحرب العالمية الثانية من منظور إنساني، فإن ما حدث لهم أمرٌ مستهجن وحاط بالكرامة الإنسانية، ولكن تمّ التحقيق فيه لاحقاً بمهنية عالية من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة، وتوصلوا إلى أن ما تم يعد جريمةً ضد الإنسانية في حق تلك الفئة من المجتمع الأميركي، وعليه وبالتحديد في العام 1988، في عهد الرئيس الأربعين للولايات المتحدة رونالد ريغان، الذي حكم من 1981-1989، تم الاعتذار لهذا المكوّن وعُوّضوا عما لحق بهم من أذى وجرائم، سواءً للباقين منهم على قيد الحياة، أو ورثتهم.
والأهم من الاعتذار والتعويض في اعتقادي، هو العمل على تجريم مثل هذا الفعل الشنيع من خلال سن القوانين التي تجرّمه.
كذلك تم اتخاذ خطوات عملية أكثر فعالية من القوانين، وهي توثيق ما حدث حتى يبقى في ذاكرة الأجيال، حيث تم تضمين هذا الحدث المخجل في مناهج المدارس والجامعات الأميركية، وقد اتخذ ذلك أشكالاً مختلفة، فمثلاً في مجال الأدب، يتم تدريس قصة «الأسورة» The Bracelet للكاتبة الأميركية من أصول يابانية، يوشيكو أكهيدو Yoshiko Uchida (1921-1992 في معظم المدارس الأميركية، حيث تحكي هذه القصة بأسلوب قصصي رائع، المعاناة التي عاشها الأميركيون من أصول يابانية إبان الحرب العالمية الثانية.
أما في بلدنا الجريح، فمن حقّنا التساؤل عن الهدف الحقيقي من تشكيل لجنة تقصي الحقائق، التي وثقت بعض الانتهاكات الجسام التي حدثت في الأشهر الأولى من الحراك الشعبي الكبير، المطالب بالديمقراطية منذ مطلع 2011، فهل هدف اللجنة هو بالفعل معرفة حقيقة ما جرى... وليتم بعدها تصحيح الأوضاع؟ أم أنها حركة تكتيكية لكسب الوقت ولتفادي لجان أممية، وتفادي الضغوط الدولية المطالبة بكشف انتهاكات حقوق الإنسان؟
إن الواقع اليومي الذي نعيشه يدحض جميع ما قيل عن تنفيذ لتوصيات لجنة تقصي الحقائق، فهل يا ترى سنشهد لجاناً أخرى على غرار لجنة تقصي الحقائق، توثّق ما تم ويتم من انتهاكات بعد صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011؟
إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"العدد 3885 - الجمعة 26 أبريل 2013م الموافق 15 جمادى الآخرة 1434هـ
ما يحدث في بلدنا شئيا غريب ومفضوح
ان جميع ما يقال من قبل الاعلام الرسمي، يمكن ان تضع حوله الكثير من التسأولات. وذلك ببساطة لانه يسير وفق اجندات مرسومة ومخطط لها ولا تمس الواقع. فالانتهاكات مستمرة، والحل الذي يفترض به ان ينتشل الوطن غائب. أهم حاجة النية في الاصلاح. وهذه غائبة بالكامل. فكيف يكون هناك اصلاح يشعر به المواطن. نحن في بلد العجائب والغرائب!!! شكرا لك على هذا المقال الرائع.
مقاربه موفقه
مما يؤسف له انه اتضح وبكل جلاء ان النيه الحقيقية من جلب لجنة لتقصي الحقائق هو لتزيين موقف السلطة وليس لكشف الحقائق. فالحقائق ساطعة. وان الذي تم من انتهاكات وتعديات يندى لها الجبين بعد كشف الحقائق. اي بعد صدور التقرير، هو اعظم واشد، ورغم الادانات الدولية فان السلطة ما ضية في غيها. ... متى سيدرك هؤلاء الغير اسوياء بان الشعب لن يتراجع عن حقوقه المسلوبه. فهو صمود لانه يناضل من اجل بديهيات كفلتها جميع المواثيق الدولية.
العائد
ربطك بين العار و الانتهاكات التي ارتكبتها الادارة الامريكية في الاربعينيات القرن الماضي و السقطة الاخلاقية الانسانية و السياسية التي ارتكبتها اجهزة السلطة البحرينية شيئ موفق جدا لكن اتسال هل ستكون السلطة البحرينية عندخروجها من هذه الازمة بتعويض المكون و الشعب من الانتهاكات الصارخة التي قامت بها ولا زالت تمارسها ام انها ستعيش على هذه الانتهاكات لانها الوسيلة التي تجعلها متسلطة
مقال جميل
سلمت انامل كتبت هذا المقال