كلما قرأت تقريراً للتنمية البشرية يصدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ العام 1992 يقفز أمامي تساؤل جوهري مهم: أيعقل أن يكون ما يسرد من أرقام ضمن مثل هذه التقارير عن معظم الدول، ومنها البحرين، هو فعلاً ما يحدث على أرض الواقع من تنمية بشرية حقيقية 100 %؟
مثل هذا السؤال حاولت الحصول على إجابات وافية عليه حين تلقيت دعوةً طيبةً لحضور حلقة حوارية حول تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية، نظمتها «الجمعية البحرينية للشفافية» بنادي العروبة، حيث تم استعراض جميع جوانب التقرير من قبل المشاركين المتخصصين. وقد جاء تقرير هذا العام الذي صدر قبل أيام تحت عنوان «نهضة الجنوب: تقدم بشري في عالم متنوع». وكما طرح أحد المشاركين بأنه يتضمن تحذيراً لقوى شمال العالم الأوروبية والأميركية تحديداً، من بروز قوى الجنوب الاقتصادية التي –بحسب توقّعات التقرير- سيتجاوز بحلول العام 2020، مجموع إنتاج ثلاثة بلدان نامية كبيرة منها، البرازيل والصين والهند، مجموع إنتاج ألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وكندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة مجتمعة.
إلا أن ما يهم المواطن العادي قبل المتخصص في بلد مثل البحرين وهو يقرأ بأن بلده احتلت المرتبة 48 من أصل 187 بلداً وإقليماً دولياً، والمرتبة الثالثة عربياً في التنمية البشرية، سينظر كل منا أولاً إلى نفسه وأسرته من ذوي الدخل المتوسط أو المحدود، أو من الذين تحت الصفر، وسيقول: أين هي التنمية التي يتحدّثون عنها وعن أرقامها ومظاهرها عليّ وعلى أفراد عائلتي؟ وما معنى هذه التنمية؟
وهنا لابد أولاً أن نعرف أن مؤشر التنمية البشرية الذي ابتكرته هيئة الأمم المتحدة، يركّز فقط على عناصر ثلاثة هي التعليم والصحة ودخل الفرد. حيث يقاس تقدم الشعوب بمستوى انتشار التعليم وتوفير أفضل الخدمات الصحية فضلاً عن تواجد بنية تحتية متكاملة، لما لذلك من تأثير على رفاهية المواطنين.
ويبدو أن هذه التقارير صماء ونتائجها على الورق لا غير وتأتي بشكل إجمالي وليس بشكل تفصيلي. وهي تعتمد بالدرجة الأولى على تقارير حكومية من كل الدول ولا تعتمد على تقارير من منظمات المجتمع المدني، أو المعارضة الوطنية مثلاً، التي ربما تعاكس أو تناقض ما تدعيه بعض الحكومات فيما تصدره من تقارير رسمية عن انجازاتها في التنمية البشرية. ولا أظن أن هناك حكومة (تطز عينها بيدها) لتصرح عن واقع التنمية البشرية الحقيقي على الأرض بخلاف الورق. ثم لا يغرنكم بعض الأرقام التي يعلنها التقرير في سلم الأولويات لبعض الدول. وإلا ماذا نقول إذا سمعنا ضمن تقرير هذا العام أن اليمن هي الأولي في جزء معين هو من ضمن المقاييس التي يضعها التقرير ليس هنا مجال لسردها.
ثم وسط الفوضى السياسية التي تعم دولاً عربية منذ أكثر من سنتين، مثل ليبيا وتونس، تكون ضمن الدول الثمان في مجموعة التنمية البشرية المرتفعة؟ هل فعلها القذافي مثلاً في ليبيا قبل موته ورفع شأن الإنسان الليبي حضارياً في المجالات المذكورة؟ وهل مجرد وجود رواتب مرتفعة كأرقام فقط هو حقيقة التنمية عند الإنسان العربي وغيره، ولهذا جاءت قطر والإمارات في المرتبة الأولي عالمياً؟ أم أن التنمية الحقيقية هو ما حذّر منه التقرير نفسه بقوله أنه مع تزايد عدد السكان من ذوي التحصيل العلمي في الكثير من بلدان الجنوب وعدم توليد فرص العمل، بالسرعة المطلوبة، فإن ذلك سيهدّد بمزيدٍ من التوتر الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة ومنها العربية. ومن الضروري أن تتخذ الدول العربية على وجه الخصوص، الإجراءات الكفيلة بتلبية الطلب على فرص العمل. وقد كان العجز عن تلبية هذا الطلب المتنامي أحد أسباب اندلاع الانتفاضات والاضطرابات التي تشهدها العديد من الدول العربية وهي تذكير بأن المواطنين، ولا سيما الشباب الذين يتمتعون بمستوى علمي ووضع صحي أفضل من الأجيال الماضية، يضعون على رأس أولوياتهم الحصول على العمل اللائق، والتمكن من إسماع صوتهم في الشئون التي تؤثر على حياتهم، وبالطبع أهمها الشئون السياسية وشئون الحريات العامة وضمان الاحترام في التعامل معهم. من هذه الزاوية يجب قراءة مثل هذه التقارير لمن يؤمنون بها ويصدّقونها.
ثم كيف نتكلم عن تنمية بشرية عربية من المحيط إلى الخليج والدول العربية تسجّل أعلى معدّل للبطالة وأدنى معدل للمشاركة في القوى العاملة، ولا سيما مشاركة النساء، كما يذكر التقرير!
وللعلم فإن البحرين وهي ضمن مجموعة التنمية البشرية المرتفعة كانت مرتبتها 39 العام 2010، و42 العام 2011، واليوم مرتبتها 48، فهل هي متقدمة أم ماذا؟
وختاماً، تؤكد مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على نقطة جوهرية نضعها أمام من يتشدق بأرقام التقرير المفرحة دون الاستفادة من نتائجه، بقولها إن النمو الاقتصادي وحده لا يكفي لتحقيق التقدم في التنمية البشرية، وإن انتهاج سياسات تقشفية خاطئة وانعدام المساواة وضعف المشاركة السياسية هي عوامل من شأنها أن تقوّض التقدّم وتؤجّج الاضطرابات، ما لم تسارع الحكومات إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز التقدم المستدام. هكذا لابد من قراءة مثل هذه التقارير لمن يتبنونها كل عام ومنها البحرين.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3885 - الجمعة 26 أبريل 2013م الموافق 15 جمادى الآخرة 1434هـ
التعليم -الصحة -دخل الفرد
لنفرض ذلك فلو كنت متعلما ولا اجد الوظيفة المناسبة لمستوى تعليمي لظرف تمييزية وطائفية وسياسية ولو وفرت لي مرستشفيات وانت امرضتني بالظلم والتعذيب والعاهات والحجر على حريتي وامرضتني بالدكتاتورية وبقانون مفصل حسب مقاس الحاكم ولو عد دخل الغرد من خلال المجموع الكلي ومنا من يستلم راتب 6 او 7 الاف دينار وانا استلم 240 دينار فهل يعد دخلي مرتفع؟ وربما من راتبه 400 د مستوى تعليمه اعلى ممن يستلم 7الاف دينار للظلم السياسي والتمييزي والطائفي ؟؟؟
تحديات التعليم
هل تعقل ان نختل المراتب المتقدمة في التعليم ومنظومة التعليم تعاني العديد من التحديات وتفتقر الى الكير من الاساسيات