في فترة الصبا، كان التصوير من الهوايات التي شغفت بها حباً، في منتصف السبعينيات، وكانت هوايةً مُكلِفَةً جداً بالنسبة لطالبٍ في الإعدادية.
كان سعر الفيلم أكثر من دينار، وكان إنتاجه يكلّف ثلاثة دنانير ونصف تقريباً، وكان ذلك مبلغاً ضخماً يحتاج إلى أسابيع لتجمعه من خلال مصروفك اليومي، إن لم يمددك كرم الوالد بنفحة من المال. وكان عليك أن تتحمل أيضاً تكلفة الذهاب بالباص من قريتك (البلاد القديم) إلى العاصمة (المنامة)، لتودعه لدى الاستوديو، وتعود لاستلامه بعد أسبوع، وهي فترةٌ جرى تقليصها لاحقاً إلى ثلاثة أيام.
في تلك الفترة، أنهى بعض الطلبة دراساتهم الجامعية وعادوا ليلتحقوا بالنادي (المنارتين)، ويترأسوا بعض اللجان في التشكيلة الإدارية الجديدة، وهكذا التحقت عضواً باللجنة الفنية الثقافية. وكان مثيراً وملهِماً جداً أن تضع اللجنة على رأس برامجها تنظيم دورةٍ لتحميض الأفلام.
بدأ العمل على اقتطاع ركنٍ من الغرفة بالأخشاب، ليكون غرفةً مظلمةً، وتم تحضير قوارير المواد الكيماوية، ولكن عندما اقترب وقت التنفيذ توقف المشروع وتجمدت اللجنة وضاع الحلم.
بعد ثلاثين عاماً، أتيحت لي الفرصة مرةً أخرى من خلال دورة للتصوير الفوتوغرافي نظمتها جمعية الصم لأعضائها، أعمارهم في ميعة الصبا، وكنت ورئيس الجمعية من بينهم فوق الخمسين، جمعنا الإصرار على التعلّم واكتساب معرفة جديدة. وكانت فرصةً لوصل ما انقطع من حلم صغير، واكتشافِ ما استجد في ميدان التصوير، ومشاهدة هذا الجيل الجديد وما يتمتع به من ذكاء عن قرب.
اليوم التصوير لم يعد بحاجةٍ إلى غرفٍ مظلمةٍ ولا مواد كيماوية لتحميض الأفلام ولا انتظار أيام. الكاميرا شهدت نقلات كبرى، ويمكنك أن تتحكّم في البعد واتساع بؤرة العدسة وامتداد المنظر. وخلال الأعوام الأخيرة تم اختزالها في هاتفك النقال بدرجة وضوح عالية، وأخذت تسهم في تشكيل ثقافتنا العامة من حيث لا ندري، فأصبحت تسجل اللحظات الشخصية والعائلية والمناسبات الاجتماعية. وحين دُشّن موقع «الانستغرام» أخذت تنهال عليه ملايين الصور يومياً من مختلف القارات، لتسهم في التواصل بين الشعوب بلغة الصورة.
اليوم أصبح من الممارسات المقبولة اجتماعياً، أن تلتقط صورةً للوجبات والأطعمة على مائدتك أو في المطعم أو المقهى لتشارك بها من تعرفهم أو لا تعرفهم، على خلاف الثقافة قبل عقدين. لقد أصبحت جزءًا من الثقافة الاستهلاكية المعتادة ومن المباهاة.
في مطلع الثمانينيات، كنّا نقرأ عن طرق المخابرات الدولية للتصوير، باستخدام عدسات صغيرة، بعضها في أقلام أو علب سجائر، وكنّا نتلقى ذلك باندهاشٍ وإكبار. اليوم لو قصصت ذلك على ولدي البالغ اثني عشر عاماً لقهقه ساخراً. لقد أصبحت هذه الكاميرا الصغيرة التي كانت تتباهى بها الـ «سي آي ايه» والـ «كي جي بي»، مزروعةً في هاتف نقّال لا يزيد سعره على عشرة دنانير. وتحوّلت في زمن الربيع العربي إلى أداةٍ لتوثيق الانتهاكات وتسجيل صور الاعتداءات على المتظاهرين أو اقتحامات المنازل أو استخدام الغازات الخانقة ضد مدرسة أو مجموعة من البيوت في أحد الأحياء الشعبية الفقيرة المكتظة بالسكّان.
لقد تغيّر الزمان.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3884 - الخميس 25 أبريل 2013م الموافق 14 جمادى الآخرة 1434هـ
sunnybahrain
السلام عليكم ،،لن اتطرق الى اي اضافه ،،فالسيد قاسم كفى ووفى ،،سيدنا تذكرت تنتهي الافلام من التحميض ،،للاسف معضم الاحيان نصف الصور لم تعجبنا وبعضها يقال له { صوره محروگه} ،،ولكن بتكنلوجيا هذه الايام ،،تختار ما تريد ،،وdelete ,,مالا تريده ،،شكرا ثانيه
ودك
حتى بعض المخبرين فى القرى فقدة وظيفته ،بسبب الكاميرة
التوثيق مثال لما سوف نواجهه يوم الحساب(ووجدوا ما عملوا حاضرا)
قال الله تعالى (ووجدوا ما عملوا حاضرا) اي ان حقيقة الأعمال سوف تتجسد لاصحابها يوم القيامة. وهنا يخيّم الوجوم على المجرمين والمعذبين والجلادين
الذين سوف يجدون جرائمهم ماثلة امامهم وكل ما اقترفوه من قتل وسفك للدماء
ليس بنهم وبينها حجاب ولا منقذ ولا منجي لهم.
هذه الامثلة والتطور انما تعطي لبعض الناس لمحات كي يتعظوا ويتراجعوا عن غيهم ولكن هيها من طبع على قبله ان يعي ذلك
بين الثمانينات والتسعينات وبين 2011 فروقات عديدة.. لقد تغيّر الزمان.. فعجبي لمن باقي بالعقلية القديمة..!!
أصبحت الكاميرا الصغيرة التي كانت تتباهى بها الـ «سي آي ايه» والـ «كي جي بي»، مزروعةً في هاتف نقّال لا يزيد سعره على عشرة دنانير. وتحوّلت في زمن الربيع العربي إلى أداةٍ لتوثيق الانتهاكات وتسجيل صور الاعتداءات على المتظاهرين أو اقتحامات المنازل أو استخدام الغازات الخانقة ضد مدرسة أو مجموعة من البيوت في أحد الأحياء الشعبية الفقيرة المكتظة بالسكّان.
لقد تغيّر الزمان.
نعم يا سيد تم توثيق كل شي ولكن!!!!!!!
التوثيق لم ينفع في هذا البلد لأن مؤسسات الدولة لا ترى الا بعين واحدة .... يرون رمي زجاجة منتوف او حرق اطارات او تسكير الشوارع بأنه ارهاب وعنف بينما رمي الغازات على اسطح المنازل واستخدام الشوزن ومداهمات المنازل من دون ابراز اذن التفتيش كله قانوني ولا يجوز للجمعيات اتهام السلطة باستخدامها صم رجبا ترى عجبا .
تغير الزمن ولم تتغير العقلية
لم تتغير عقلية ونقول الزمن تغير وتحتاج العقلية لوقت لتستوعب التغيير وهي وقت نتمنى ان لاتطول واقول يالهاشمي في اخر مسيرة للمعارضة شاركت فيها فرحت بوجود العشرات العشرات من الاطفال وهم يحملون الكاميرات الحديثة جدا وكان الله في عون الحكومة.
ولكن هناك جماجم لم تتغير
لقد تغيّر الزمان.
ولكن هناك جماجم لم تتغير، لذلك نرى سلوكها لم يتغير ولن يتغير حتى يقضي الله أمر كان مفعولا
شكراً سيد قاسم على المقال
جمعه مباركه
عجبني التحول العجيب في اخر المقال ههههههههههه بارك الله فيك لك طولت العمر ان شاء الله.
الكاميرا و الوشاة
حين يتحول ما يقترض يكون تربوي الى مصور لييع ما تصطاده كاميرته على جهات امنية طلبا لمكافأة مالية او منصب . حدث مؤخرا