العدد 2486 - السبت 27 يونيو 2009م الموافق 04 رجب 1430هـ

ولاء الموظف... «بريتيش إيرويز» مثالا

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

استجاب 800 من موظفي شركة الخطوط الجوية البريطانية (بريتيش إيرويز) لندائها، ووافقوا على العمل مجانا لمدد قد تصل إلى شهر واحد. يضاف إلى هذا العدد 4 آلاف آخرين قرروا أخذ إجازاتهم دون أجر، وأخيرا، هناك 1400 موظف، وافقوا على العمل بدوام مؤقت. جاءت هذه المبادرة من قبل الموظفين إثر مناشدة أطلقتها الشركة في صفوف 30 ألفا من موظفيها، دعتهم للتبرع «بالعمل أو الإجازة دون أجر لمدة قد تصل إلى شهر واحد للمساهمة في خفض التكاليف».

ما قام به الموظفون في «بريتيش إيرويز»، يعكس بشكل أو بآخر عمق الولاء الذي يدين به هؤلاء لشركتهم، والتي تكمن وراءه مجموعة من العوامل والأسباب والتي من أهمها:

1. توافر القيادة النموذج، فقد سبق الموظفين جميعهم في تلك الخطوة، الرئيس التنفيذي للشركة ويلي والش الذي أعلن أنه «وافق على العمل دون مرتب خلال شهر يوليو/ تموز متبرعا بمرتبه الذي يناهز 61 ألف جنيه استرليني». ومن ثم فالتضحية لم تقتصر على صغار الموظفين، بل انطلقت من قيادات الشركة، وتحديدا من رئيسها التنفيذي. لقد شكل والش القيادة القدوة التي طلبت من موظفيها أن يحذوا حذوها.

2. ترسخ الذهنية الجماعية، إذ تعكس هذه المبادرة المنطلقة من أعلى قمة الهرم في الشركة، والمستندة على قاعدته الصلبة، ذهنية التكافل الاجتماعي المبنية على المسئولية الجماعية الطاردة للذهنية الفردية، المرتكزة على نزعات أنانية، تضع المصلحة الفردية الآنية، القصيرة المدى، بديلا استراتيجيا للسلوك الجماعي، المدافع عن المصلحة المشتركة.

3. الثقة في المؤسسة، فرغم الخسائر الفلكية التي تعاني منها «بريتيش إيرويز»، لكن هناك ثقة في الإدارة والموظفين على حد سواء، بقدرة الشركة على التعافي من تلك الكبوة. من الطبيعي أن تراعي، أية عقلية متفتحة وبعيدة المدى، كالتي يعكسها ما يدور اليوم في هذه الشركة، الظروف الاقتصادية المتردية التي تعم الصناعات العالمية، ومن بينها صناعة الطيران، يحز في نفسها، أن تتهاوى هذه الشركة العملاقة، دون أن يبذل موظفوها قصارى جهودهم لإنقاذها. ومن المعروف أن الشركة قد تكبدت في شهر مايو/ أيار «أفدح خسارة سنوية قدرت بـ401 مليون جنيه استرليني بسبب ارتفاع تكاليف الوقود ومصاريف أخرى». وهي أكبر خسارة سنوية تكبدتها الشركة منذ تخصيصها في العام 1987.

4. الخوف من الأسوأ، فمن الطبيعي أن يختار الموظفون، ومن بينهم الرئيس التنفيذي، أفضل الخيارات المتاحة في المراحل السيئة. واليوم، ووسط الظروف الاقتصادية المتردية، تبرز أمام الموظفين صورة قرار التسريح الذي أعلنته الشركة في العام 2002، وفي أعقاب أحداث سبتمبر/ أيلول 2001، من عزمها على الاستغناء عن خدمات «5800 موظف في العامين المقبلين في إطار خطة تستهدف خفض النفقات السنوية بواقع 650 مليون جنيه إسترليني (931 مليون دولار) وتمكين الشركة من العودة إلى تحقيق أرباح».

وعلامة الاستفهام التي تقف في تحدٍّ أمام موظفي الشركات الوطنية هي: لماذا لا ترى منهم سلوكا، يُعبِّر عن ولائهم، مشابها أو حتى قريبا من ذلك الذي أقدم عليه موظفو «بريتيش إيرويز»؟ والإجابة التي نتوقع أن نسمعها وتبرر سلوك الموظف البحريني المغاير لسلوك موظف «بريتيش إيرويز» تنطلق من الفرضيات التالية:

1. انعدام القيادة النموذج، التي تتقدم الصفوف ليس عند نيل المكافآت في أوقات الفرج، دون مشاركة صغار الموظفين مع ما تنعم به عند توزيع فوائض الأرباح، فكيف تتوقع منهم أن يشاركوها التضحيات، هذا إذا افترضنا جدلا أنها راغبة في التضحية، عند الشدائد، وفي الأيام العجاف. ولذلك، نجد سيادة النزعات الأنانية والفردية، التي غالبا ما تحل مكان تلك الجماعية.

2. ضبابية العلاقة، التي تسود بين الإدارة والموظفين، ومصدر ذلك غياب حركة نقابية ناضجة ومتمرسة قادرة على مخاطبة إدارات الشركات، والحديث هنا عن الشركات ذات المواقع المفصلية في الاقتصاد الوطني، كما هي «بريتيش إيرويز» في الاقتصاد البريطاني، بما يحافظ على حقوق العمال ويصونها، دون أن يكون ذلك على حساب أداء الشركات وازدهارها. ومحصلة ذلك، إما انتهاك سافر لحقوق العمال ونهب لقوة عملهم، أو اضطرابات مفتعلة قائمة على دوافع سياسية أبعد ما تكون عن العمال ومصالحهم.

لربما آن الأوان من أجل زرع ذهنية ولاء كتلك التي عبَّر عنها موظفو «بريتيش إيرويز»، على أننا ينبغي أنْ ندرك، إنْ كنا جادين في زرع مثل هذه الذهنية، أنَّ نهايتها، وليس بدايتها، هي الشركة. أما البداية فمحطة انطلاقها تبدأ في المراحل المبكرة من التعليم، حينها، وقبل أن تشوه أذهان الأطفال أمراض القيم القبلية والطائفية، وعندما تكون عقولهم أوراقا بيضاء ناصعة مهيأة لتقبُّل الإيجابي قبل تلقّي السلبي.

الأمر لا يعني أن الصورة وردية عندهم وسوداء لدينا، فكلنا يذكر أن أحد العوامل التي ساعدت شركة بريتيش إيرويز على العودة إلى تحقيق الأرباح بعد هجمات سبتمبر 2001، كانت التخفيضات الكبيرة في النفقات التي أجرتها والتي شملت الاستغناء عن عدد كبير من موظفيها. لكننا نشير هنا إلى تماسك الشركة عندما يدرك الجميع، ومن بينهم موظفوها أن «السفينة غارقة»، وهي في أمَسِّ الحاجة إلى من ينقذها كي لا يغرق جميع من عليها.

وإلى أن نصل إلى هذا المستوى الراقي ذي العلاقة البناءة بين الشركات والموظفين العاملين فيها، ليس أمامنا سوى سماع تلك الأخبار والإعجاب بما ما يجري عندهم والتحسُّر على ما يدور على ساحاتنا.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2486 - السبت 27 يونيو 2009م الموافق 04 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً