أربعة قصور بساحاتها وحدائقها أصبحت ملكاً للشعب. ذلك ليس حبكة روائية، بل إنه واقع في العراق؛ إذ أصبحت منطقة القصور الرئاسية في البصرة ملكاً للشعب العراقي، فصار أحد تلك القصور مقراً لقناة البصرة الفضائية، فيما خُصِّصَ قصرٌ آخر لمتحف متعدد الأغراض احتضن خلال زيارتنا للمنطقة معرضاً حول المشاريع العمرانية في البصرة، بينما صارت ساحته الخلفية منطقة لمطاعم الوجبات الخفيفة والمشروبات الباردة، خصوصاً أنها تطل على شط العرب ذي المنظر الساحر.
جميع الساحات بحدائق المنطقة تصدح بأصوات الشعب رجالاً ونساءً وأطفالاً، إضافة إلى مكبرات الصوت التي يتعالى منها صدى الأنغام العراقية التي طالما أطربت من يسمعها. أصواتٌ متعددةٌ ملأت الساحة، بعد أن ساد الصمت هذه المنطقة لسنوات طوال، فقد بناها الرئيس السابق صدام حسين ولم يسكنها أبداً، بحسب روايات الأصدقاء العراقيين الذين كانوا بصحبتنا في الجولة بالمنطقة في تلك الليلة. وهكذا نجد أن أموال الشعب التي طالما نُهِبَت وكانت محرّمةًً على الشعب، تؤول إليه في البصرة، من خلال عودة هذه المنطقة الواسعة جداً إليه مجدداً، فصار الشعب هو من يتحكم ببوابتها الخارجية بعد أن كان مجرد الوقوف بجانبها قد يكون سبباً في الوفاة.
وبالنظر لما حدث في المنطقة، نجد كيف أن الشعب العراقي هناك كان سعيداً بانتهاء حقبة الدكتاتورية القمعية، فقد تم تحطيم جميع تماثيل الضباط الذين شاركوا في الحروب والذين نُحِتَت لهم التماثيل في منصات مفتوحة بُنِيَتْ على طول ساحل شط العرب باتجاه العشار، بعد سقوط صدام، ولم يبقَ في تلك المنطقة تمثال غير تمثال الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب وهو يحمل الكتب في جيبه ويومئ بيده اليمنى إلى الأرض، الأرض التي أنجبت كل هؤلاء الشعراء وكل أولئك العراقيين الذين طالما حلموا باستنشاق الحرية.
البصرة اليوم تعود لتتعافى من جديد من إصابتها كغيرها من مناطق العراق والعالم العربي، بداء تحشيد الحواس جميعها لتمجيد الدكتاتورية، فبدأ مثقفوها وأدباؤها وشعراؤها برفض الاملاءات والتوصيات التي تفرض عليهم من «فوق»؛ إذ تخلص الشعراء من إحساسهم بضرورة تمجيد السلاطين وكتابة ما يضمن لهم بقاءهم في ظل أنظمة تقمع كل من لا يُعظمها، واتجهوا لكتابة ما يشعرون به وما يشعر به شعبهم من هموم ومشاغل. وها هو مهرجان المربد الشعري العريق الذي كانت بدايته في العام 1971 يعلي صوت رفضه لذلك الواقع من خلال إسقاط جميع المهرجانات التي كانت في فترة حكم صدام حسين، واحتساب المهرجانات التي كانت قبل فترة حكمه وبعدها فقط، ولهذا فإن المهرجان اليوم يحتفل بنسخته العاشرة فقط في حين كان من المفترض أن يحتفل بتاريخ ثلاثة عقود وأكثر!
ما حدث اليوم في العراق من عودة المهجرين من المعارضين لنظام صدام إلى أرضهم، يدعو إلى التفاؤل، خصوصاً حين يعود أحد الشعراء الذين طالما كان العراق محرّماً عليه في فترة سابقة لأنه رفض تعظيم الرئيس، وأصرّ على ضرورة وجود مسافة بينه وبين بلاط السلاطين؛ وحين يعود فنان لم يلوث حنجرته بالنفاق، ولم يقبل أن يشد وتر عوده أو آلته الموسيقية ليغني تحت عرش رئيس؛ وحين يعود فنان تشكيلي لم يغمس ريشته في وحل ملامح الطغاة... ليشاركوا جميعاً في مهرجان ثقافي عريق من غير أن تكون هنالك قيود مفروضة عليهم.
هذه هي البصرة اليوم، وهؤلاء هم مثقفو العراق الذين لا نقوى إلا أن نرفع لهم قبعاتنا إعجاباً بقدرتهم على رمي جميع الأثواب التي لا تناسب تاريخهم العريق، وترحيبهم باستقلاليتهم التامة.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3883 - الأربعاء 24 أبريل 2013م الموافق 13 جمادى الآخرة 1434هـ
محرقي بحريني
أن شاء الله يا أخت سوسن نرى في القريب العاجل أصنام بشار وأصنام والده المقبور حافظ تحطم في أرض الشام وترمى في القمامة بعد أن حول هذا النظام سوريا وكأنها قريش من أوثانهم وبأذن الله نرى سوريا بعد سقوط الطاغية بشار كالعراق ومصر أصنامها من حضارتها وشعرائها ومفكريها .
شكرا جزيلا لك استاذة سوسن على مقالك الجميل
بل نرفع أيدينا للسماء ونتضرع لله العزيز الجبار ان يكسر شوكة التكفيريين لينعم الجميع بالأمن والأمان.
العراق
الله يرقنا زياره العراق تسلمين يااستاذة
الظلم ظلمات
الدنيا دوارة ومن يظلم مثقال ذرة لن يهمله الخالق نعم يا سوسن مثقال ذرة
ليش
ليش الحكام مايتعضون الم يرو كم حاكم سقط والشعب دائما على حق وانه الله لايحب الظالمين ليش مايا خدون عبره
شكرا : احرار نبقى احرار
القرآن كذلك ضرب لنا كثير من الامثلة ولكن البعض اختار طريق غير مستقيم وطريق الذل والعبودية للدكتاتور فحتى الدكتاتور يقول رب ارجعون لعلي اعمل صالح فالدنيا اغرتهم ولم يعتبرو من امثال طاغية العراق وتونس ومصر وليبيا والبقية في الطريق باذن الله
مافي لايك
خاطري اسوي مئة لايك على هيئة الفيس بووك
رائع يا اخت سوسن
شكرا لك مقال جميل
لا ..كبيرة للدكتاتورية
صباحك حرية .....بداية مقال رائع بروعة كاتبته , نعم لا للدكتاتورية والف لا ...تلك القصور تعود الى الشعب مصدر السلطات ...تمثال الشاعر بدر شاكر السياب شامخا وتماثيل الطغاة ازيلت .ابن جيكور كان ينشد الحرية والعدالة والحب ..اما اولئك الطغاة فكانوا ينشدون قتل الشعب وتجهيله ...فذهب الطغاة الى مزبلة التاريخ وبقى الشاعر السياب خالدا لانه نشد الحرية والكرامة .