في تعليقنا على نصوص قانون العمل الجديد الصادر بالمرسوم بقانون رقم (36) لسنة 2012 كنا قد وقفنا في الحلقات الماضية على بعضٍ من نصوص هذا القانون ورأينا من بينها أحكاماً جفت العمال وتقرَّبت إلى أصحاب الأعمال، فضلاً عن جملة من عيوب الصياغة المتنوعة التي وطأت هذا القانون لقصور أو لسهو أصاب صانعها.
وفي هذه الحلقة سنقف على نصوص أخرى في باب «انقضاء عقد العمل» لنُظهر من خلالها عيوب هذا القانون تكملةً لما كنا قد لمسناه وأظهرناه في الحلقات السابقة، ولنثبت مجدداً أنه أسوأ قانون تشهده البحرين. وذلك فيما يلي:
أولاً: جاء في المادة رقم (98) من القانون المذكور النص الآتي: «يعتبر العقد غير محدد المدة إذا أُبرم لمدة تزيد على خمس سنوات».
هذا النص - بحسب ظاهره - يعني أنه: عندما يبرم العامل مع صاحب العمل عقداً محدد المدة لمدة تزيد على خمس سنوات يصبح هذا العقد غير محدد المدة من تلقاء نفسه ومن لحظة ولادته ولا يعتد بمدته المحددة. وهذا المعنى لا يتفق مع القانون ولا يستسيغه العقل والمنطق، حيث لا يُعقل أن ينقلب العقد المحدد المدة تلقائياً لحظة إبرامه إلى عقد غير محدد المدة لمجرد أن مدته تزيد على خمس سنوات رغم ما لذلك من ضرر كبير على العامل إذا ما أُخذ بهذا المعنى. ونجزم أن المُشرِّع لم يكن يقصد من النص السابق هذا المعنى إنما كان يقصد غير ذلك، إلاّ أن سوء صياغة النص حرفه عن قصده.
فالمُشرِّع كما نعتقد كان يقصد أنه «إذا أُبرم عقد محدد المدة لأكثر من خمس سنوات (كأن يكون ست سنوات مثلاً) لا يُعتد بالمدة الزائدة عن السنوات الخمس» إنما يظل معترفاً به كعقد محدد المدة حتى بعد انقضاء خمس سنوات من مدته. أي بمعنى أن يُنظر إليه بعد انقضاء خمس سنوات من مدته كأنه عقد غير محدد المدة ويأخذ حكم هذا العقد حينذاك. وهذا المعنى - كما نراه - قد أوضحته الفقرة الأخيرة من المادة رقم (106) من قانون العمل القديم لسنة 1976 التي تنص على أنه «إذا كان العقد محدد المدة لأكثر من خمس سنوات جاز للعامل بعد انقضاء الخمس سنوات أن ينهيه دون تعويض». أي أن المُشرع آنذاك كان يُقدر العقد المحدد المدة أياً تكن مدته ولم يجز انقلابه أو تحويله إلى عقد غير محدد المدة لمجرد أن مدته تزيد على خمس سنوات، إنما فقط أجاز للعامل وحده أن ينهيه دون تعويض بعد انقضاء خمس سنوات من مدته متى زادت عن ذلك. بينما نجد النص في قانون العمل الجديد محل البحث خرج عن القاعدة التي نص عليها قانون العمل القديم. ونؤكد ثانية أن هذا الخروج لم يكن هو قصد المُشرع إنما كان ذلك ناتجاً عن سوء صياغة النص فأخرجه عن قصد المُشرِّع.
ثانياً: جاء في الفقرة (أ) من المادة رقم (99) من قانون العمل الجديد لسنة 2012 بأن «يجوز لكل من طرفي العقد (أي عقد العمل) إنهاؤه بعد إخطار الطرف الآخر قبل الإنهاء بثلاثين يوماً على الأقل ...».
هذا النص يكفي للتأكيد على أن صانع النص، أي من أعد مسودته وقام بصياغة نصه النهائي غير مؤهل لهذه المهمة. وسنثبت ذلك فيما يلي:
فمن المقرر - كمبدأ مستقر عليه - أن عقود العمل نوعان: عقود محددة المدة وعقود غير محددة المدة، وأن العقود المحددة المدة تنتهي بانتهاء مدتها ولا يجوز إنهاؤها بالإرادة المنفردة قبل انتهاء مدتها إلاّ إذا طرأ عليها سبب من أسباب الفسخ فيجوز حينئذ فسخها دون إخطار مسبق. بينما يجوز إنهاء العقود غير محددة المدة بالإرادة المنفردة بإخطار مسبق مع شرط عدم التعسف في الإنهاء.
بيد أننا نلحظ من النص السابق محل البحث أن «أجاز لكل من العامل وصاحب العمل إنهاء العقد بإخطار مسبق»، فجاء النص عامّاً دون أن يحدد أي نوع من العقود يقصد بذلك (هل هي العقود المحددة المدة أم العقود غير المحددة المدة).
فإن كان صانع النص يقصد الاثنين معاً فقد خالف المبدأ المستقر عليه سابق الذكر، وأمّا إن كان يقصد فقط «العقد غير المحدد المدة» دون أن يحدده تحديداً صريحاً في النص فإن ذلك يعد خطأ تقنياً كبيراً وقع فيه صانع النص، ونعتبر هذا الخطأ قصوراً عن الإحاطة بأبعاد القاعدة القانونية التي يجب أن تتوافر في القائمين على إعداد مسودة القوانين وصياغتها على نحو ما أشرنا إليه في الحلقات الأولى من هذا الموضوع، فأوقعه هذا القصور في هذا الخطأ.
وأيّاً ما يكن موقعه في الحالتين المذكورتين يمسي قاصراً وغير مؤهل لهذه المهمة.
ثالثاً: تنص الفقرة الثانية من المادة رقم (103) من قانون العمل المذكور «إذا كان إنهاء العقد من قبل العامل جاز لصاحب العمل إعفاء العامل من مهلة الإخطار كلها أو بعضها».
هذا النص ليس معيباً من حيث المبدأ إذا كان المقصود بمهلة الإخطار وهي الثلاثون يوماً المنصوص عليها في المادة (99) من قانون العمل الجديد، وبشرط أن يترتب على هذا الإعفاء حصول العامل على أجر مهلة الإخطار واعتبارها ضمن مدة خدمته.
بيد أن مضمون النص السابق محل البحث يفتقر إلى البيان والوضوح من حيث: (أولاً) أنه جاء عامّاً يحتمل أن يكون المقصود «بمهلة الإخطار» هي المقررة قانوناً، أو المهلة التي يحددها العامل ويُبلِغ صاحب العمل بها ولو كانت أطول من تلك المهلة المقررة قانوناً. ولأنه (ثانياً) لم يوضح ما إذا كان يترتب على إعفاء العامل من مهلة الإخطار حصوله على أجر هذه المهلة واعتبارها ضمن مدة خدمته أم لا.
فلو افترضنا مثلاً أن عاملاً قدم استقالته لصاحب العمل بإخطار مسبق مدته ثلاثة شهور أو لمدة أقل أو أكثر، فإنه بمقتضى النص السابق محل البحث يكون لصاحب العمل الحق في وقفه عن العمل لحظة تقديم استقالته.
وبذلك يكون هذا النص قد منح صاحب العمل الفرصة في تفويت أجر مهلة الإخطار على العامل حيث يفترض أن يعمل خلالها ويكسب مقابلها أجراً، كما يفوت عليه امتداد خدمته لغاية نهاية هذه المهلة التي يترتب عليها زيادة في حقوقه. وهذا يعد سوءة من مساوئ قانون العمل الجديد التي أصابت العمال وحدهم بالضرر.
ولنا لقاء آخر في الحلقة القادمة لنكتشف ما هو أسوأ من السيئ من خلال ما سنراه في باقي النصوص المتعلقة بانقضاء عقد العمل التي تُثقل وتُنقِض ظهور العمال نقضاً، ولنثبت مجدداً أن هذا القانون هو أسوأ قانون عصري تشهده مملكة البحرين.
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 3882 - الثلثاء 23 أبريل 2013م الموافق 12 جمادى الآخرة 1434هـ
لا يكون قرآن
القوانين الوضعية لا تخلو من التناقض وعلى هذا التناقض آوادم يطلعون بيزات من الحكومة وهي خبر خير وهذا أحد الأمثلة
قالها
قالها الممثل عادل امام فى احدى افلامه قانون سكسونيا