لا شك أننا نسعد جداً بالحديث عن سيادة القانون، ولا شك أن أحد أعمدة سيادة القانون هي الرقابة على الجهاز الشرطي إن طُبّق بشكل صحيح. ولا جدال في أن الحديث عن وظيفة المفتش العام أو المراقب على أعمال الشرطة، من الوظائف المهمة جداً، واللصيقة وجوداً وعدماً، بحقوق الإنسان وسيادة القانون، حيث تعتبر شكلاً مهماً من أشكال الرقابة للضمان الفعال لتطبيق القانون، والسياج الواقي من الاعتداء على حقوق الأفراد والمساس بحرياتهم الشخصية وتقييدها، إذ تؤدي إلى اطمئنان المتهمين والمشتبه فيهم إلى أن يد مأموري الضبط القضائي (رجال الشرطة)، ليست مطلقةً، أي أن هناك من يرصد تجاوزاتهم أو أي انحراف صادر منهم.
إن غالبية رجال الشرطة واقعاً لا يزالون يتصفون بالتسلط والهيمنة والمساس بحقوق وحريات الأفراد في غالبية دول العالم، خصوصاً العربية منها، ومن ثم تكمن الحاجة إلى أن تكون سلطاتهم على النحو المبين في القانون، وإلا انتهى الأمر إلى فوضى لا ضابط لها. ودور المفتش العام في هذا الإطار يكمن في ملاحقة رجال الشرطة المخلين والمتجاوزين للقانون ولمواثيق حقوق الإنسان، ومن ثم إثارة مسئوليتهم الجنائية والمدنية والتأديبية، أي أن دوره يتجسّد في إطلاق المثل القائل «العصا لمن عصا»، بمعنى أن المفتش العام يسعى إلى تطبيق القانون ورصد التجاوزات الحقوقية والقانونية بقدر كبير من الحيدة والاستقلال فيحاسب المخطئ أياً كان.
والأمثلة على تجاوزات رجال الشرطة بشكل عام كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
الجانب الأول: ما يكون عند ملاحقة المشتبه فيهم في الجرائم، كالقبض بطريقة غير مشروعة أو الاستيقاف بدون مبرر قانوني، كمن يقبض عليه بجريمة تجمهر مثلاً، فيتعرّض للضرب أثناء الملاحقة وقبل القبض عليه، وإن كانت قد وضعته الظروف مصادفةً على مقربة من مسرح الجريمة. كما قد يستعمل لتفريق المتجمهرين الغازات المسيلة للدموع، ما قد يؤذي المتجمهرين وغير المتجمهرين من أهل المنطقة، ناهيكم عن الاهانة التي قد يتعرض لها من بعض رجال الشرطة في بعض الأحوال، واستعمال القوة المفرطة. وهنا قد يصعب أو يستحيل على المتهم إثبات تلك الأفعال، وبالمقابل يحتج رجل الشرطة بحق استعمال القوة وأنه لم يتجاوزها، لذا لابد أن يعمل المفتش العام بآلية وضوابط معينة على رقابة رجال الشرطة في هذه المرحلة للحدّ من تسلطهم وقيامهم بما يخالف المواثيق الحقوقية والأعراف الدولية بهذا الشأن. كما يجب أن يسعى بآلية وضوابط توفّّر الجانب الأمني لمن يكون طرفاً من أطراف الشكوى.
أما الجانب الثاني الذي لا يقل أهميةً عن الجانب الأول فهو ما يكون عند سؤال المشتبه فيهم في الشرطة وحملهم على اعترافات غير صحيحة نتيجة لإرغامهم معنوياً أو مادياً باستعمال القوة، فمثلاً في بعض الجرائم التي يتعدد فيها المتهمون كالقضايا الأمنية على وجه التحديد، يكون رجال الشرطة مسئولين عن تقديم أسماء لمتهمين مقبوض عليهم بزمن معين خصوصاً إذا ما كانت هناك أضرار عامة في الطرق، عندها لا يكون من بعض رجال الشرطة ولتفادي المساءلة التأديبية بمواجهتهم، إلا أن يقوم بإجبار أو باستخدام وسائل متشددة لإرغام المتهمين على الاعتراف أو القبض العشوائي، ومن ثم الإجبار على توقيع محاضر، فيقحم البعض رغم عدم صلته بالجريمة. طبعاً تلك الأمور مما يتوارد لمسامعنا من المؤسسات الحقوقية نقلاً عن المتهمين أنفسهم، هنا أيضاً نجد أن جهاز المفتش العام بحاجة إلى رقابة سابقة على رجال الشرطة ومصادرهم السرية من خلال لجان حيادية تقوم بعمل تقارير أولية من بين تشكيلتها محامون وحقوقيون لتفادي بأي حال من الأحوال هذه الأمور أو ما قد يماثلها.
الثالث: ما يكون عند تواجد المتهمين بالسجون: عندما تمتد سلطات رجل الشرطة الذي قام بالقبض على المتهم أو قام بإرغامه على رصد اعترافات مغلوطة بأوراق الاستدلال، فيعيق من حقوقه في السجن كالمتعلقة بالمأكل والصحة والزيارة وما إلى ذلك، أو يفرض سيطرته على أقواله بالنيابة العامة والمحكمة.
وما يجدر ذكره في هذا الصدد هو صعوبة إثبات تلك التجاوزات والدليل على قيامها، فمن الصعب أن يثبت المشتبه فيه أو المتهم قيام رجل الشرطة بضربه أو الاعتداء عليه أو قيامه بإرغامه على الإدلاء باعترافات غير صحيحة أو منعه من بعض حقوقه في المحبس كالمأكل والمشرب ودخول الحمام، إلا إذا تمت مراقبة رجال الشرطة بشكل وقائي وبجهاز محايد.
وباستقراء نصوص المرسوم رقم 28 لسنة 2012 المتعلق بمكتب المفتش العام بجهاز الأمن الوطني بمملكة البحرين، لا جدال في أنها خطوة ممتازة وبداية نظرية نتمنى أن تتجسّد في الواقع العملي الذي يحتاج تواجدها درءًا للمخالفات الحاصلة إذا تم تفعيلها، ولي عليها بعض التحفظات كونها عامةً نسبياً، ولم تتضمن إجراءات رقابية واحترازية وترتيب جزاءات تأديبية، إلا أنني أشيد بتواجده لدرء أي انتهاك وإن كان صغيراً لحقوق الإنسان، وخصوصاً المشتبه فيهم والمتهمين والسجناء من قبل رجال الشرطة، أما ما آمل أن يؤخذ بعين الاعتبار هو الآتي ذكره:
* الترتيب لإعداد دورات تثقيفية لرجال الشرطة بهدف توضيح كيفية التعامل مع المشتبه فيهم ابتداءً من القبض عليهم ووصولاً لحماية حقوقهم الإنسانية داخل مراكز الشرطة وفي السجون.
* بيان دور المفتش العام الرقابي على وجه الدقة للقيام بالإجراءات الوقائية والاحترازية والعلاجية، وآليتها على وجه الدقة، لحماية المشتبه فيهم والمتهمين من أي انتهاك لحقوقهم الإنسانية.
* بيان الإجراءات وآلية تلقي الشكاوي من الأفراد وكل ما يتعلق بسير الشكاوي وآلية الطعن في القرارات الصادرة وحجية محاضرها.
* وضع آلية رقابة دقيقة وفعالة للاحتفاظ بأدلة ومستمسكات ضد من يخالف أو يتجاوز من رجال الشرطة أية تعاليم متعلقة بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان من خلال جهات رصد محايدة.
* آلية تطبيق واضحة لتلقي الشكاوى من قبل المتضررين وبيان حدودها وما يضمن النظر في ضمان سلامة القائمين بها، وضمان حيدة متلقيها واستقلال عملهم والرقابة على عملهم في إطار ذلك.
* الوقوف على نقاط الضعف الموجودة حالياً بالجهاز الشرطي والعمل على تحسين الأداء وعلاج المخالفات المرتكبة بغرض عدم تكرارها.
وأخيراً... نتمنى أن تكون هذه الوظيفة بدايةً حقيقيةً فاعلة، ولا تجافي أرض التطبيق لصون حقوق الإنسان، ولا تكون مجرد كبسولة أو حقنة بحقوق الإنسان سرعان ما يذهب أثرها بعد فترة.
إقرأ أيضا لـ "نفيسة دعبل"العدد 3882 - الثلثاء 23 أبريل 2013م الموافق 12 جمادى الآخرة 1434هـ
بارك فيك سيدتي الفاضل/ أ. نفيسة
ونعم التحليل القانوني بالفعل أثبتت المرأة البحرينية كفاءتها القانونية. الشكر موصول لك سيدتي على هذه الإطلالة القانونية من الطراز الأول.
هادوله
هادوله الشرطة همج ولا يفهمون شى همها علفها
كلام أكثر من رائع
لكن من يسع؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
يعطيج العافية
موضوع جدا مهم وحساس يعطيج العافية وعساج ع القوة .
تحية طيبة وبعد
ارجو من المحامية المحترمة الكتابة في الجريدة على الاقل مقالين في الاسبوع لما لهذة المواضيع القانوية الاثر الكبير في تثقيف وتوعية المواطنين لما لهم وعليهم في القانون، وشكرأ
اتفق معك اخي الكريم
اتفق معك اخي الكريم واتمنى من الاستاذة مواصلة الكتابة