قال أحد الباحثين «إن حرب المياه قد دقت طبولها منذ أن خلق الفكر اليهودي المعاصر الصهيونية، وبدأت هذه الحرب التي لن تنتهي إلا بانتهاء الصهيونية من عالمنا». هذه القضية المصيرية وتصريحاتها لم تعد جديدة، بل بتنا نسمعها مراراً حتى لم يعد أحد يحفل بها وكأن المشكلة في ألاسكا وليست في عمق الوطن العربي. إلا أن خطورة هذه القضية اليوم تبدو واضحة جداً فيما يحدث عند مشروع سد النهضة الاثيوبي ضد مياه النيل، كما حدث للمياه العربية في جنوب لبنان مع مطامع أصحاب الفكر الصهيوني ومشاريعه في مياه نهر الليطاني والتي ظهرت في أدبيات مؤتمراتهم الصهيونية منذ العام 1919. وكما حدث لمياه نهر الأردن عند واضعي المشروع الاستيطاني في الشرق الأوسط، حيث كان أول الامتيازات الخطيرة التي مُنحت من بريطانيا لليهود هو امتياز استغلال مياه الأردن لاستخراج الكهرباء العام 1926 ومدة الامتياز 70 سنة. وأهم شروطه ألا يُسمح لأية شركة أو فرد باستعمال مياه نهري الأردن واليرموك في أي غرض إلا بالاتفاق مع الشركة (اليهودية) المذكورة، وتسري هذه المادة على شعب الأردن كذلك. حتى أن أحد النواب البريطانيين علق في حينه بأنه أغرب امتياز سمع به في حياته، إذ انه يعطي أصحابه حقوقاً خيالية في شريان حيوي كنهر الأردن ملك لشعب بكامله. وهناك وثيقة سرية نُشرت العام 1972 ذكرت أن بن غوريون كتبها العام 1941 حدد فيها الحدود المطلوبة لدولتهم كما يلي: «إن حدود الدولة اليهودية المزمع إنشاؤها تشمل شرق الأردن وأراضي النقب الفاصلة، كذلك مياه نهر الأردن والليطاني يجب أن تكون مشمولة داخل حدودنا».
واليوم ما يتوقعه الكيان الصهيوني من وراء الأزمة السورية هو الفوز بمياه الشام كلها ليضعنا من جديد أمام حرب المستقبل المنظور بين العرب وهذا الكيان المُعدي. يأتي هذا التخطيط الصهيوني الذي لا يتوقف أبداً وسط التحول السياسي والعسكري العربي لمحاربة دول وحركات المقاومة للكيان الصهيوني بعد أن كانت المشاريع العربية والشعارات السابقة أيام الناصرية هي اللاءات الثلاث في مقاومة هذا الكيان الغاصب.
إن من يقرأ تاريخ المشروع الصهيوني بتمعن يكتشف أن هذا المشروع الاغتصابي الاستيطاني يقوم على فكرة المستوطنات الزراعية في الأساس، لأن واضع المشروع يعلم أن ربط اليهودي بالأرض لهو أفضل الطرق لتثبيته في فلسطين لأطول فترة ممكنة حتى يعتبرها في النهاية موطنه الأول والأخير. وهذا لا يتأتى إلا من خلال الزراعة، وهي تحتاج بالطبع للمياه، وبما أن مُخطط الفكر الاستيطاني الصهيوني لا يؤمن كثيراً بأن «المطر من عند الله»؛ فهو يسعى لتوفير المياه من الأرض الفلسطينية أولاً ومن جيرانها العرب في المرتبة الثانية. ما يعني ضرورة توفير أو وضع اليد على مصادر المياه الكافية لتلبية المشاريع بالمستوطنات الزراعية. ولهذا كانت كل مشاريع ومطالب الحركة الصهيونية منذ نشأتها في مؤتمر بازل بسويسرا (1897) بزعامة تيودور هرتزل، لا تنسى التركيز على جانب المياه في أي حرب أو اتفاق سلام، وسط ضحالة العقلية السياسية العربية عن إدراك ذلك، ناهيك عن مساعدة الكيان الصهيوني في تحقيقها.
فقد طالب هرتزل مطلع القرن الماضي (1903) الحكومة البريطانية، وكخطوة أولى نحو فلسطين، بتوطين اليهود في سيناء بشرط تحويل مياه النيل إلى مستوطنات سيناء المقترحة عبر أنابيب تمر تحت قناة السويس لتصل إلى الأجزاء الشمالية الغربية من المنطقة المختارة. وقد قدر حينه أن المياه المطلوبة من النيل تبلغ 4 ملايين متر مكعب يومياً، ولكن الفكرة لم تتحقق. ولم تخرج حرب يونيو/ حزيران 1967 عن مشروع المياه بدخول غور الأردن وسيناء والجولان تحت مظلة الكيان.
وللأسف عندما وقع السادات معاهدة السلام مع الكيان في فبراير/ شباط 1979 كان يعتقد بخياله المحدود أنه لن تكون هناك ثمة حروب جديدة بين مصر والكيان إذا ما أمد الصهاينة في فلسطين بمياه النيل وكأنه المالك الوحيد لها. وفعلاً كان السادات ينوي تحويل مياه النيل لريّ صحراء النقب في فلسطين كنوع من الإغراء للكيان بالموافقة على السلام لولا أن رصاصات أحد عسكرييه أردته في حادثة المنصة المشهورة.
وتمضي السنوات والمسئولون العرب في سبات شتوي لا ينتهي أمام مشاريع المياه الصهيونية في قلب الوطن العربي، ومنها ما بات يهدد مصر والسودان حديثاً، ألا وهو سد النهضة أو سد الألفية الكبير (بالأمهرية: هداسي جاديب). هذا السد إثيوبي، وهو قيد البناء الآن، يقع على النيل الأزرق بالقرب من الحدود الإثيوبية - السودانية. وتبلغ كلفته 5 مليارات دولار، وعند اكتمال إنشائه سيصبح أكبر سد كهرومائي في القارة الافريقية. وهو واحد من ثلاثة سدود تُشيد لغرض توليد الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا. وبما أن إثيوبيا عاجزة عن التمويل فهي لم توفّر سوى 200 مليون دولار فقط للمشروع، فمن أين سيأتي التمويل؟ هل سيكون من الكيان الصهيوني أو الولايات المتحدة، مع أنه لا يبدو أن هناك فرقاً يُذكر.
وقد بدأ القلق يتفاعل في مصر على لسان الخبراء بشأن تأثيره على تدفق مياه النيل وحصة مصر منها، وخصوصاً أن إثيوبيا بدأت عمليات تغيير مجرى نهر النيل الأزرق تمهيداً لاستكمال إنشاء سد النهضة. ومن هنا أشار أحد المسئولين المصريين إلى أن إثيوبيا لا تعترف بحصة مصر من مياه النيل، مؤكداً أن تعهداتها بشأن عدم الإضرار بالأمن المائي لمصر مجرد كلام.
ولسنا ندري هل يعلم المسئولون العرب أم لا أن قيام إثيوبيا بإنشاء أربعة سدود على نهر النيل سيتسبب في عجز مائي في إيراد نهر النيل لمصر والسودان، يقدّر بنحو 18 مليار متر مكعب، وسوف تقل الكهرباء المولدة من السد العالي وخزان أسوان، بنسبة تتراوح بين 25 و30 في المئة. وقد أكد مسئولون مصريون، الذين لا يُسمع لهم أي تحذير حتى الآن، أن الوضع المائي لمصر صعب. وأن العجز المائي الناتج عن السدود الإثيوبية سيؤدي إلى تحول نحو مليوني فدان من الأراضي الزراعية إلى أرض بور لا نفع منها، بالإضافة لمشاكل مياه الشرب والصناعة نتيجة لانخفاض منسوب المياه في النيل. ستكون المشكلة بالنسبة لمصر والسودان أنهم لن يستطيعوا أن يشربوا دون ترخيص من دول الحوض الافريقية وبالذات إثيوبيا.
إن حرب الكيان الصهيوني ضد العرب، ومصر والسودان تحديداً لم يغمض لها جفن قط، وستأتي هذه المرة ضربتها من الظهر الافريقي، ومن اثيوبيا المتحالفة مع الكيان الصهيوني. أما القضية الأخطر في هذا السياق، فهي أن بعض الدول العربية تقف وراء مشاريع الزراعة والمياه في إثيوبيا بملايينها المدفوعة سلفاً. بل حتى بعض رجال الأعمال العرب والمصريين يروّجون لبيع مياه مصر للصهاينة دون خجل.
أليس هذا هو زمن الهوان العربي وسط التوحش الصهيوني بمساعدة الرأسمالية الدولية؟
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3881 - الإثنين 22 أبريل 2013م الموافق 11 جمادى الآخرة 1434هـ
نصرة فلسطين بالقلم
القضية الفلسطينية الجرح النازف المنسي ، و هذا الجرح آخذ في الاتساع ، و لا من يحاول إيقافه ، بل على العكس فالحكومات تقدم التنازلات على أطباق من ذهب. بورك قلمك
صحوه متأخرة
مع الاسف ان معضم الدول و الحكومات العربيه ما راح توتعي الا اذا طاح الفاس بالراس
يقول احد الاخوة المعلقين الموضوع خطير!!!!
ليش تونا نعرف ان الموضوع خطير وان الكيان الصهيوني لها اهداف بعيدة المدى؟
المشكلة في الحكومات العربية بل في الشعوب العربية التي تسكت على الحكومات التي تساند الكيان الصهيوني في تنفيذ مخططاته.
سكوت الشعوب على الحكومات هو الذي يجرأها على المجاهرة بالتحالف مع
الكيان الصهيوني ضد ايران وسوريا وحزب الله لان هؤلاء هم الممانعة الوحيدة لهذه المشاريع لذلك قامت الحرب ولن تقعد عنهم
أوه
الموضوع جدا خطير وعلى العرب أدراكه