العدد 3878 - الجمعة 19 أبريل 2013م الموافق 08 جمادى الآخرة 1434هـ

مساحة حرة - ألهمونا... فهل نخذلهم؟

فائزة عبدالأمير جاسم
فائزة عبدالأمير جاسم

تطالعنا في حياتنا نماذج عديدة من البشر واجهوا أصعب مواقف الحياة وأعتاها، فمنهم من خسر عزيزاً على قلبه، والبعض أصيب بعاهة صيرته عاجزاً، وآخرون تبخرت أحلامهم الوردية وباتت صعبة المنال، وغيرهم الكثير، هؤلاء عندما نشاهدهم يوماً ما، يمنحوننا درساً في الصبر والجلد من أجل البقاء ومواجهه الكروب والقدرة على العيش بكرامة.

هؤلاء قد يضعفون أحياناً، يبكون، يتألمون، يتذمرون، وربما يخترق قلوبهم اليأس، ولكنهم يستيقظون من جديد وينفضون عن أرواحهم غبار الخوف ودرن التألم والتخاذل، يمسون قدوة لآخرين ضيعوا الطريق، يمنحون محبتهم وعونهم غير المشروط لكل محتاج، لا حدود لعطائهم، فيلهموننا مرة أخرى، ونشاهدهم في كل مكان، وجوه تأبى أن تتراجع، صامدة، تعيش بالمحبة وتتنفس السلام الداخلي، وترنو لتحقيق الرغبات المشروعة، وهكذا يلهموننا دوماً، ونرشف من أرواحهم إصراراً يلهمنا التشبث بجمال الحياة ومكنوناتها.

وتمضي أيام حياتنا الملونة بحلوها ومرها، وتتعدد النماذج الملهمة وتتشكل وأروع أمثلتها عندما نتأمل طفل في أيامه الأولى، صدقاً ندرك معنى الحياة وعمقها، ويلهمنا هذا الشعور الخالص الطاهر عبق الأمل والتفاؤل. نعم هم علمونا صغيراً أم كبيراً منهم، بأن الحياة لا تتوقف بالتحدي والإصرار، وبعد تحمل الصعاب نتابع حياتنا وقد تكون أصعب بكثير لكن هي حياة نستطيع أن نجعلها أجمل وأثمن باعتناقنا ثقافة الإلهام والمحبة والسلام، هي ثقافة مميزه ونادرة، طالما حلمنا بالعيش بداخلها والتعلق بأستارها النقية... هي ثقافة نعيشها كل يوم ومع كل نفس، ومنحونا إياها أناس قدوة، نماذج غاية في الروعة والالتزام الديني والخلقي والنفسي، علمونا ما هي المحبة غير المشروطة، وأسرار السلام الداخلي للنفس المرهقة، لتنعكس على شخوصنا ومشاعرنا وسلوكياتنا، وما كان منا إلا أن نتبعها منهجاً في حياتنا لنجد الكثير من العقبات والسدود، ولم يفاجئنا أن الكثيرين لا يؤمنون بالمحبة أصلاً، ولا العطاء من أجل الآخرين، بل يجدون ذلك ضعفاً وانكساراً، ومنذ اعتنقناها وجدناها أغنى طريق يسلكه الإنسان فيجذب إليه أنقى الأرواح الإنسانية، هي تطبيق لمبادئ راقية تتبادلها مع الآخر فيبادلونك بالمثل ويشعرون بالامتنان والثقة، ويقيناً أن من لا يستطيع فهم ثقافة المحبة يشذ عن قاعدة البشر ويغرد خارج السرب، وواجب عليه أن يفلتر مشاعره من ملامح سوداء مسخت قلبه فلبدته بغيوم الخشونة وقسوة النفس والأنانية والحقد والحسد، وكل الصفات البائسة التي تجعله إنساناً مشوهاً من الداخل والخارج.

ثقافة المحبة تحتاج لمكان تعيش فيه ونعيش معها، المكان هو «مدينة المحبة»، مدينة طالما حلمنا بها فوجدناها ماثلة أمام أعيننا، ألهمونا فيها أناساً أحببناهم ولجأنا إليهم، لم يخذلونا أبداً. لم نحلم بمدينة فاضلة كمدينة «أفلاطون»، لأننا أيقنا أن مدينتنا لا ينقصها شيء فهي مشيدة بلبنات المحبة والعطاء التي تجعلها أرقى وأعظم مدينة في الكون ونستطيع العيش فيها معاً بسعادة، مدينة لا تشوبها وتلوثها أمراض النفس الكريهة ولو حدث ذلك لتحولت جدرانها إلى أطلال خربة تغزوها الفئران والعقارب وصرخات الموت.

إذا دعونا نعيش في مدينتنا معاً، مدينه الإلهام والمحبة والسلام، مدينة لكل الناس الرائعين الراقية قلوبهم، هي ولدت من رحم أفكارنا الخيرة، وربيناها داخل أرواحنا الطيبة، وغذيناها بأخلاقنا الفاضلة المتواضعة، سنعيش بين جنانها وخضارها، سعداء راضين، ولن نخذلها أو نغتالها، سنكون سفراءها والناطقين بجمالها مادمنا على قيد الحياة.

العدد 3878 - الجمعة 19 أبريل 2013م الموافق 08 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً