العدد 3878 - الجمعة 19 أبريل 2013م الموافق 08 جمادى الآخرة 1434هـ

مساحة حرة - «مــوطـــــنـي»

أحمد بديع
أحمد بديع

عندما يهيم بك الخيال في وطن ملؤه الحزن والأسى، وطن عشعش فيه القهر والتسلط، وطن يحلم فيه الصغير والكبير بغد مشرق؛ يأتي «موطني» ليفتح نافذة فيها بصيص أمل للذين يتوقون إلى وطن تسوده العدالة والمساواة، وطن تهب فيه نسيم الحرية وتفوح فيه عبق التحرر من الظلم والاستبداد.

«موطني» عمل يختزل في طياته مجموعة من الأفكار الإبداعية التي استطاع المخرج أن يقدمها للجمهور المحب والعاشق لفن الأنشودة المصورة (فيديو كليب). «موطني» حلّق في أرجاء الدول العربية التي شهدت ما يسمى بـ «الربيع العربي»، ليأتي بالصورة الناصعة للشعوب التي تتوق للحرية والديمقراطية بصور سلمية، «موطني» جمع في طياته مجموعة من المتضادات التي من النادر أن يحتويها أي عمل فني بهذه المدة القصيرة جداً.

«موطني» من كلمات الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، وأداء المنشد حسين الأكرف، وقد أنشد هذه القصيدة الكثير من المنشدين، إلا أنه وفي هذه المرة جاءت التجربة الإخراجية مغايرة من حيث المفردات الفنية المتضادة، فالمقدمة تبدأ بالأرض العربية التي أرضها سماء، فتجد أن الأرض العربية فيها شموخ وأنفة وعلو وسماء على رغم أنها أرض، لكن بأهلها تسمو وتعلو وتكبر؛ أما الإنشاد فتجد المنشد يبدأ بطبقة القرار (الصوت المنخفض)، ومن ثم ينتقل تدريجياً إلى طبقة الجواب (الصوت المرتفع)، ثم يختمها بالتلاشي أو يسمى Faded، ومن جانب آخر يبدأ العمل بالصولو (الأداء الفردي) ثم ينتقل إلى الكورال (الأداء الجماعي) ثم يعود كصولو، هذا المدرّج الموسيقي يمهد للمستمع الإحساس المرهف للحن الإنشادي الممزوج بالعاطفة الحزينة، والحماسة الثورية، وكأنه يعيش هذه وتلك، ويجعلك تعيش منتظراً إلى الأخير لتشعر بالأريحية والصفاء والنقاء.

أما من حيث الفيديو كليب فقد كان موفقاً جداً في أن يجمع بين جيل الطفولة وجيل الشيخوخة، وما بينهما الشباب، ليجمع بين مختلف المراحل العمرية بحيث يكون ذلك مناسباً بين التمثيل وكلمات القصيدة، هذا المزج بين خبرة الكبار ونقلها للشباب والأطفال فيه اعتراف بكل فئات المجتمع؛ فقد نقل العمل صورة رائعة لكل تلك الفئات، والتي جمعت بين الذكر والأنثى. وقد ظهرت مختارة للهدوء بدل الفوضى، السلم دون العنف، متكاتفة ومتعاونة على فعل الخير ونبذ الشر؛ واللافت أن المخرج وهو يجمع بين كل ذلك استطاع أن يوظف تلك الفئات في صورة شخصيات تجمع في طياتها أصناف المجتمع من الطبيب والأستاذ والرياضي والشاعر والناشط وغيرها، هذا الجمع المتناسق قدمه المخرج على أنه صورة عادلة ورفيعة فيها تقدير وجلال واحترام لكل أفراد المجتمع.

أما على صعيد المكان فقد عشناه متنقلاً بين حواضر بعض الدول العربية، بين الخضرة التي تنم على العطاء والبذل، والماء الذي يبعث على الحياة، بين القديم والحديث، بين أصالة الماضي وحداثة الحاضر، حيث الحضارة الإنسانية التي تشتعل نوراً وتألقاً يضيء الدرب لكل من يريد الحرية والعدالة ويسمو لها؛ الحضارة التي تتأصل فيها روح المحبة والأخوة بين كل الأطياف، حضارة العزة والشموخ لكل أفراد العالم العربي.

إذا استطاع «موطني» أن يختصر كل تلك المعاناة القاسية، والقسوة الشديدة، ليقدم عملاً مشاطراً للحراك الشعبي في الدول العربية من خلال لوحة فنية رصينة وجذابة ورائعة.

العدد 3878 - الجمعة 19 أبريل 2013م الموافق 08 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:56 ص

      موطني

      ما أعطى العمل الفني هذا الزخم هو رصانة وقوة الكلمات ثم الإخراج المسرحي اذا صح التعبير ... مقال توصيفي جميل بالتوفيق

اقرأ ايضاً