منذ سني طفولتي أَلِفَتْ يداي تصفح كل الأوراق التي تقع عليها... كنت طفلة لا أفقه من الكتاب إلا صوره... ولا أفقه من الحياة إلا وجه أبي المنهمك على كتبه... كبرتُ وكبر حب القراءة معي واستوطنتني عشقاً... أعطيتها وقتي وأعطتني الدنيا... علمتني القراءة الشيء الكثير... وفتحت مداركي على أمور متنوعة، أحسست بقيمة نفسي أكثر وأنا أكتسب كل حين شيئاً جديداً... كنت أستمتع، وأتعلم، وأراقب، وأطبق في بعض الأحيان، فما وجدت إلا خيراً، ومازلت إلى اليوم طالبة أمام كل كتاب جديد.
لا شيء يعبر عمّا في خاطري تجاه القراءة أبلغ من كلمات العقاد حين قال: لا أحب الكتب لأنني زاهد في الحياة، ولكنني أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني... ومهما يأكل الإنسان فإنه لن يأكل بأكثر من معدة واحدة، ومهما يلبس فإنه لن يلبس على غير جسد واحد، ومهما ينتقل في البلاد فإنه لن يستطيع أن يحل في مكانين. ولكنه بزاد الفكر والشعور والخيال يستطيع أن يجمع الحيوات في عمر واحد، ويستطيع أن يضاعف فكره وشعوره وخياله، كما يتضاعف الشعور بالحب المتبادل، وتتضاعف الصورة بين مرآتين .
وأن أقرأ فليس بالمعنى البحت أن أختلي بكتاب، فالقراءة علمتني ما هو أكبر... فأن أراقب أي حدث من حولي بصمت ووعي وعقل متفتح هو قراءة بالعين والعقل... أن أشاهد البرامج المفيدة أو أتابع أو أشارك في النقاشات المثمرة والتي تجبر الدم على التدفق أكثر في محيط العقل هي قراءة من نوع آخر... أن أستفيد من تجاربي السيئة والحسنة وأصقل بها تفكيري هي قراءة أيضاً.
أن أهتم بهواية معينة... وأملأ وقتي بشيء مفيد... هو قراءة بأسلوب آخر... وتأملوا أجدادنا فعلاً... حيث كان نصيبهم من التعلم نزراً يسيراً... ومعظمهم لم يكن يستطيع فك الخط... ربما تراه مزارعاً بسيطاً يقضي معظم يومه في مزرعته... لكنك إن جلست معه جرت الحكمة على لسانه، وتدفقت من بين يديه... ذلك أن له عقلاً قارئاً... نشيطاً... متأملاً... فلا مجال عنده للكسل والتراخي... قرأ الحياة بصعوباتها وشظف عيشها فعلمته وأحسنت تعليمه.
ومن المؤسف حقاً أن نرى شريحة كبيرة منا قد ابتعدت عن القراءة، وباتت تحمل ثقافة استهلاكية رخوة، تستمدها من مصادر هشة كالتلفاز أو غيره من المصادر التي لا يحسن الكثيرون الاستفادة منها، وهي تعد في مصاف التكنولوجيا الحديثة، فهي لا تغذي العقل أو تنميه بل تحصره في زاوية ضيقة سطحية، والتي أضحت تركز على الجوانب الترفيهية في المقام الأول، وباتت للأسف الشغل الشاغل لكثير منا... مبتعدين بذلك عن المنبع الحقيقي للتثقف والتزود بالمعرفة من المنابع الأصيلة... وبذلك يحرمون أنفسهم من فرصة الارتقاء والنماء العقلي الثقافي المطلوب، والذي بدوره ينعكس على مختلف جوانب الحياة، من أسلوب عيش وفكر وردات أفعال ومبادئ ... فلا نريد أن نكون كما قال اليهودي موشي ديان: العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفقهون.
فلنقرأ بقلوبنا... بعقولنا... بجميع جوارحنا... لنرتقِ بأنفسنا... ولنتعلم في كل حين... ومن كل شيء، فنحن نمتلك عقولاً لو شئنا لصنعنا بها المعجزات... وتستحضرني هنا مقولة الرئيس الأميركي جيفرسون الذي يقول فيها: «إن الذين يقرأون فقط هم الأحرار؛ ذلك لأن القراءة تطرد الجهل والخرافة، وهما من ألدّ أعداء الحرية»... وما أحوجنا للحرية هذه الأيام، فلنكن أحراراً بكل السبل».
العدد 3878 - الجمعة 19 أبريل 2013م الموافق 08 جمادى الآخرة 1434هـ
شكرا لكم جميعا
كانت الكتابة ولا زالت عالمي الذي أحيا بهِ وعليه .. شعراً ونثراً .. لن يتوقف قلمي حتى يتوقفَ نَفَسي .. فهو طريقي للتعبير عن أفكاري التي أؤمن بها .. وهو عصايَ السحرية أنثرُ بها ما يحرِّك النفوس للإيجابية وحب الحياة .. شكرا على تشجيعكم جميعا .. شكرا لجريدة الوسط .. كوثر جاسم جعفر
لنتعلم من النحلة
كيف تتنقل بين زهور مختلفة لكنها مفيدة وقيمة لتخرج منها العسل وليس كل شيءيقراه الانسان مفيد لعقله فلنكن مختارين لما نقراه
كوثر شكرا
مقال جميل ولهذا سميت ب كوثر
كلام جميل
أتمنى للكاتبة المبدعة ان تصل رسالة مفادها: فورك بثقة القراء ومن رشحك للفوز يعني أكثر من مجرد الحصول على جائزة؛ المغزى ان تواصلي الكتابة؛ أنها دعوةٌ لكي لمواصلة الإبداع؛ أنها مسؤولية جميلة ألقاها عليك المجتمع او جذبتها نحوك الصدف؛ أيا كان؛ أتمنى ان تقبلي الدعوة بمواصلة الكتابة. تحياتي علي الحلواچي
أعجبني المقال
واقع ، فهل من مستجيب ؟ شكرا لكاتبة المقال ومبروك المركز الاول
تستحق الاول حقيقاً
مقال رائع ،،نقرأ لكي نعيش حيوات كثيرة
شكرا كوثر
كلام جميل ومعبر وأنا أقرأه أحس بأني أنا من أكتبه حقيقة القراءة والتأمل زاد الفكر والإستمرار في القراءة ينمي العقل لكن للأسف الكثير منا يجهلها.. بالقراءة والتأمل والتفكير الإيجابي تصقل الشخصية.