وشكّلت قضية أمينة الفيلالي القاصرة التي انتحرت بسبب إجبارها على الزواج من مغتصبها حتى يتسنى له الإفلات من العقاب ويتسنى حفظ ماء وجهها، محطةً أخرى كانت اختباراً مهماً لحكومة بنكيران خصوصاً وزارتي المرأة والعدل اللتين عبرتا عن مواقف صادمة لا تستشعر الوضع المجتمعي الهش الذي تعيشه النساء، ويؤثر سلباً على استقرار الأسرة المغربية في غياب قوانين تحميهن وأخرى مجحفة بحقهن. أعادت هذه القضية وبحدة مطالب الجمعيات النسائية التي قدمتها منذ سنين بضرورة معالجة مجموعة من القوانين التي تكرّس العنف ضد المرأة والضرورة الاستعجالية للقيام بذلك.
وأمام صدمة المجتمع المغربي والدولي الذي استنكر هذا الحادث بعدة أشكال احتجاجية، طالعنا كل من السيد رئيس الحكومة ووزير العدل ووزيرة التضامن والمرأة، بتصريحات نارية تبرر لسلوك العنف، ولم يترددوا في القول بأن أمينة القاصر تزوّجت برضاها ورضا والدها، وأن مسألة زواج القاصرات مرتبطة بعادات وتقاليد... متناسين أنه عندما يتعلق الأمر بقاصر، لا يمكن لنا وتحت أي ظرف، التحدث عن الرضا والقبول، وإلا لماذا أفردت التشريعات قوانين خاصة لهذه الفئة العمرية. ومتى تعلق الأمر بالقاصر وفي الدول التي تحترم حقوق أفرادها، تتدخل الدولة وليس الأسرة، لتوفير الحماية القانونية والاجتماعية والاقتصادية من خلال سن القوانين وتوفير المؤسسات والهياكل الضرورية لذلك.
ثم الأهم من ذلك، تعتبر قضية أمينة الفيلالي محطة أخرى غيبت فيها تشريعاتنا الوطنية والدولية، واتفاقية حماية حقوق الطفل ومناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي صادق عليها المغرب. فتبعاً للدستور، فالقوانين الدولية تسمو على مثيلاتها الوطنية ويجب ملائمتها ومن ثم أصبح ملزماً وليس اختيارياً، تعديل الفصل 475 من القانون الجنائي والفصلين 20 و21 من مدوّنة الأسرة وقوانين أخرى، لأنها تتنافى والدستور أولاً، ثم الاتفاقيات الدولية ثانياً. وبدلاً من محاولة تبرير جريمة إجبار أمينة على الزواج، كان حرياً بحكومتنا الإقرار بأننا أمام مشكل مجتمعي كبير، وأنها لن تذخر جهداً في التصدّي إليه بشتى الوسائل، وأولها الحماية القانونية، وكما يقتضي ذلك الدستور الجديد.
أما خطاب الحكومة بتلويناتها الحزبية في التعامل مع القضية النسائية فلم يختلف كثيراً عن ممارساتها، بل كانا منسجمين بشكل كبير في التعبير عن صورة نمطية يحملونها عن المرأة ودورها في المجتمع. أظهر هذا الخطاب أن وعود صيانة حقوق المرأة والنهوض بأوضاعها كما تضمنته البرامج الانتخابية لا تعدو أن تكون محاولة لإعادة صياغة خطاب فقد مصداقيته لدى المغاربة، وسيكفي الوقوف عند بعض الأمثلة التي تدعو للخجل والاستنكار لأنها تحط من كرامة المرأة والتبخيس من دورها المجتمعي .
فالبداية كانت دائماً مع رئيس الحكومة في أول حوار له مع قناة «الجزيرة» عندما انتقص من امرأة عاملة، والتي تعرف في تعبيرنا الدارج بـ «كلاسة الحمام»، ومروراً بوزير التربية الوطنية المنتمي لحزب الاستقلال وحديثه عن «المدير وصاحبتو»، وهو تعميم يتضمن إساءة جماعية لمجموعة من النساء المغربيات داخل قطاع التعليم، ثم مرة أخرى عندما أهان تلميذة في الصف الابتدائي مخاطباً إياها بأن قريناتها متزوجات، ما تسبب في مغادرتها المدرسة متناسياً أن المغرب يوجد في مراكز متدنية فيما يخص مؤشرات التنمية بسبب الأمية والتي تستشري وبنسبة أكبر في صفوف بناتنا ونسائنا.
ولا ننسى ما قاله وزير العدل عندما خاطب مجموعة من النساء الموظفات في وزارته أثناء مشاركتهن في وقفة احتجاجية قائلاً: «سيروا طيبوا لعشا لرجالتكم». وأخيراً وأتمنى أن تكون آخراً، قول رئيس الحكومة في استجواب له مع القناة الخامسة الفرنسية بأنه «لا يمكن له جر النساء من شعورهن» لتمثيلهن في الحكومة والأحزاب. ولابد أن أشير، ليس هناك أي تحرك حد الآن على مستوى المقررات الدراسية والاعلام، حيث لازالت كلها تكرس الصورة النمطية للمرأة وتبيح مخاطبتها بدونية.
لقد ساهمت المرأة المغربية في المدن والقرى بتفانٍ في بناء الوطن، وحقوقها الاقتصادية والمدنية والسياسية جزء لا يتجزأ من الحق في المواطنة الكاملة التي تضمن الكرامة والحرية والعدالة. هذا الحق الذي صدحت به الجماهير التي جابت شوارع المغرب خلال الاحتجاجات السلمية التي قادتها حركة 20 فبراير منذ 2011 موازاة مع ثورات الربيع العربي. وهي حقوق أصبحت لا تقبل التسويف والتأجيل تحت أي عذر مع وجود دستور يقرها، والتزام المغرب بمواثيق دولية تضمنها.
اليوم تطالب النساء الحكومة والبرلمان بتشريع مجموعة من القوانين على وجه الاستعجال، تضمن حقوق النساء وفتح المجال لمشاركتهن المدنية والسياسية الكاملة، وتسهم في تغيير مجموعة من السلوكيات المجتمعية المجحفة بحقها. فتغيير العقليات لا يتأتى من خلال قبول وضع قائم يسئ للمرأة، بل من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات على مستوى السياسات العامة وسن القوانين.
الحكومة والمعارضة والبرلمان مطالبون بتحمل مسئوليتهم التاريخية من خلال ممارسة الصلاحيات التي يمنحها لهم الدستور الجديد من خلال الفصول 10 و89 و78 التي لا تعطي فقط الحق للحكومة في اقتراح قوانين بجدول أعمال المؤسسة التشريعية، وأيضاً لأعضاء البرلمان والمعارضة الحق في ذلك. ويمنح الدستور المجتمع المدني والمنظمات النسائية مجالاً أوسع للمدافعة والضغط والمشاركة كقوة اقتراحية في رسم السياسات العامة. فيجب الإسراع بإخراج القانون التنظيمي الذي يحدّد شروط وكيفية تقديم هاته الملتمسات ليمارس المواطنون والمواطنات هذا الحق.
إقرأ أيضا لـ "حنان زلواني إريسي"العدد 3878 - الجمعة 19 أبريل 2013م الموافق 08 جمادى الآخرة 1434هـ
ليس الخلل من جانب الالتزام الديني
بل الخلل ياتي بممارسات المسلمين التي تنسب للاسلام وما هي الا عادات وتقاليد ،وكما ان عجز الحكومات في بلداننا عن توفير العيش الكريم لشعوبهم هو الذي جعل المراة والرجل تتحملان الاسى والضيم
شكرا لك
تحية لك ياسيدتي علي مقالاتك المفيده وتحية مخلصه من رجل من البحرين الي اخواتنا في المغرب الجميل الدي ينبض بكل ماهو اصيل ويدكرنا بتراثنا الأندلسي . شاهدت انا وزوجتي ماتعانيه المرأة المغربيه من صعوبات حياتيه يوميه وهي تكافح بجانب اخيها الرجل لترتقي بمستقبل اولادها وبلدها . انتم ايها المغاربه تستحقون كل الخير وشكرا .