كان من المفترض أن تتنفس الحركة النسائية في المغرب الصعداء بعد التعديل الدستوري لسنة 2011 على أساس أنه استجاب لمجموعة من مطالبها، وعلى رأس المكاسب الجديدة إقرار الفصل 19 من الدستور الجديد بمبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، والتنصيص على إنشاء هيئة مستقلة للمناصفة ومكافحة أشكال التمييز ضد المرأة، والمجلس الاستشاري لحقوق الأسرة والطفل.
وعلى عكس المتوقع، وبما أن ممارسة هاته الحقوق المكتسبة يبقى رهناً بمجموعة من القوانين التنظيمية التي لم تخرج بعد إلى الوجود، عرفت الحركة النسائية بالمغرب سنة 2012 العديد من التحديات ما اقتضى منها الدخول في محطات نضالية جديدة للحرص على تنزيل مقتضيات الدستور الجديد ومواجهة محاولات الالتفاف على ذلك من قبل الحكومة الجديدة التي يرأسها رئيس حزب العدالة والتنمية السيد بنكيران. هاته المحاولات التي تمظهرت من خلال الممارسة والخطاب على السواء.
ممارسات الحكومة وبتشكيلاتها الحزبية المختلفة تجاه تنزيل الدستور فيما يخص قضايا المرأة كانت مخيبة للآمال وفي مناسبات مختلفة. في أول جلسة برلمانية بعد تنصيب الحكومة، استقبلت معظم النائبات البرلمانيات رئيس الحكومة أثناء عرضه للبرنامج الحكومي بوقفة احتجاجية صامتة مع رفع لافتات تعبر عن احتجاجهن الكبير على التمثيل الباهت للمرأة في الحكومة الجديدة في ظل دستور جديد يضمن حضوراً أكبر للنساء، من خلال إقرار مبدأ المناصفة للمشاركة في صنع سياسات عامة تترجم إلى برامج تستجيب لنساء ورجال المجتمع المغربي وليس لنصفه فقط. هذا التمثيل الباهت الذي يتنافى والفصل 19 من الدستور، ويعد تراجعاً كبيراً مقارنة مع تمثيلية المرأة في حكومات ما قبل دستور 2011.
ومرة أخرى، لا يمكن لنا القول «عفا الله عما سلف»، لأن ما سلف تميّز بتواجد عدد أكبر من النساء في الحكومة وصل إلى 7 وزيرات بعد انتخابات 2007 ، ووجود عدد آخر مهم منهن على رأس مراكز القرار في العديد من مؤسسات الدولة. وفي رده على هذا الاحتجاج حاول رئيس الحكومة تبرير ذلك بكون حزبه عيّن السيدة بسيمة الحقاوي الوزيرة الوحيدة في الحكومة، وبذلك يقع اللوم على الأحزاب الأخرى في عدم تنزيل الدستور، وبالتالي عدم الوفاء بالتزاماتها تجاه النساء المغربيات. كما وعد أنه سيتم تدارك ذلك على مستوى التعيينات الحكومية في مجالات أخرى لاحقاً.
فمن جهة، اتفق مع بنكيران في أن كل الأحزاب المشاركة في الحكومة تتقاسم هاته المسئولية لأنها كلها معنية بتنزيل الدستور، ولذلك من الضروري أن تُحاسب على ذلك، وأن تطلب مثلاً البرلمانيات والمجتمع المدني وخصوصاً المنظمات النسائية عقد جلسة عمومية وخاصة لهذا الموضوع داخل قبة البرلمان لتشرح هاته الكيانات الحزبية للشعب المغربي أسباب فشلها وتملصها في تنزيل إحدى مقتضيات الدستور وتفعيل مبدأ المناصفة.
إذا كانت هاته الأحزاب راهنت على هذا الدستور ودعت المغاربة للتصويت عليه بنعم بحكم انه يستجيب لتطلعاتهم ويضمن لهم وبشكل غير مسبوق مجموعة من الحقوق، فما الذي تغير اليوم؟ وخارج سياق الحكومة لاحظنا كيف أن مجموعةً من الأحزاب الكبيرة فشلت حتى في تقديم نسبة محترمة من الترشيحات النسائية على رأس اللوائح العامة 2.25% مقابل 97.75% من المرشحين الرجال، والشئ نفسه بالنسبة للترشيحات النسائية في مؤتمراتها الوطنية.
ولكنه يجب الإشارة إلى أن مسئولية الأحزاب الأخرى لا تنفي أن للسيد بنكيران حصة الأسد في ذلك، لأنه لم يمارس صلاحياته كرئيس حكومة في الالتزام بتنزيل الدستور وكونه وضع ميثاقاً ملزماً للأحزاب المشاركة في الحكومة لم يستحضر فيه مسألة التمثيلية النسائية، وأيضاً لأنه ومن باب المصادفة تحمل حزبه مجموعة من الحقائب الوزارية التي تتطلب تفاعلاً أكبر مع قضايا ومطالب النساء وعلى رأسها وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية والعدل.
ثم إن ممثلة حزب بنكيران بالحكومة وإعطائها حقيبة وزارة التضامن والمرأة وبإمكانيات محدودة وميزانية هزيلة، فإنه لا يعدو أن يكون مجرد تكريس للصورة النمطية للمرأة والعقلية التي تؤمن بدونيتها وتحبسها في ضميرها الجمعي بين جدران المجال الخاص. وبالتالي يبقى الحديث عن النساء وحقوقهن ورقة يتم اللعب بها كلما كان ذلك صالحاً لمعادلة انتخابية أو صفقة سياسية. للأسف حتى تفاعل الوزيرة مع المطالب النسائية في تفعيل الدستور كان مخيّباً للآمال ومحبطاً في عدة مناسبات.
أمام حركة نسائية رائدة على المستوى الإقليمي بنضالها ومكتسباتها ويضرب بها المثل على المستوى الدولي، عوض أن تضع يدها في يد الجمعيات النسائية والاستناد إليها لتقوية دور وزارتها لضمان تفعيل أوسع لحقوق النساء، اختارت الوزيرة أن تنهج سياسة التجاهل والمراوغة، والتقليل من أهمية دورها وقدرتها على المشاركة في صنع القرار من خلال الاقتراحات وطرح البدائل. فتم تغييب صوت التجربة النسائية المغربية في المؤتمر الاقليمي الذي احتضنته وزارة التضامن والمرأة في نوفمبر 2012، ولم تتردد الوزيرة في استعمال أسلوب المراوغة وصل أحيانا إلى تكذيب الأرقام والاحصائيات التي شملتها مجموعة تقارير أعدتها الجمعيات النسائية بل وبعض القطاعات الوزارية. وساندها في ذلك السيد بنكيران في إحدى جلسات المساءلة الشهرية أمام البرلمان عندما وجّه تعليقاً مستفزاً للبرلمانيات عن كون انه إذا كانت 60% من المغربيات تتعرضن للعنف فذلك يعني أن 60% منهن أيضاً ضحايا للعنف.
ولعل أول لقاء أجرته الوزيرة مع قناة «الجزيرة» خير دليل على ذلك، وهو أمر أثار استغراب مقدم البرنامج أيضاً واستوقفها عند ذلك. ولابد من الإشارة إلى غيابها وزميلاتها في الحزب عن السلسلة البشرية رفضاً للعنف بحق النساء التي نظمتها الجمعيات النسائية مدعومة بفعاليات مختلفة من المجتمع المدني وشخصيات سياسية يوم 8 ديسمبر 2012، في الرباط، تحت عذر أنها لم تكن تعلم بها. لكن لا نستغرب مواقف الوزيرة إذا تذكّرنا بأي جانب من التاريخ وقفت سنة 2000 حين ساندت مسيرة الدار البيضاء المناهضة للخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية.
آخر محطات أسلوب المراوغة والتجاهل هو محاولة الوزيرة وضع هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز تحت وصاية وزارتها. وعوض أن تتبنى مقاربة تشاركية وتشاورية يكون فيها صوت المجتمع المدني وخصوصاً المنظمات النسائية حاضراً، تحاول الوزيرة الاستئثار بهذه الخطوة المهمة لنفسها، ما يثير مجموعة من المخاوف عن إمكانية استقلالية الهيئة وفعاليتها عند خروجها للوجود.
(يتبع)
إقرأ أيضا لـ "حنان زلواني إريسي"العدد 3877 - الخميس 18 أبريل 2013م الموافق 07 جمادى الآخرة 1434هـ