لا تتأكد إيجابياتنا في الحياة ما لم تكون الإرادة هدينا والأفعال المرعية غايتنا، وتقوم فلسفة المرعيات على حقيقة مهمة وهي أننا نصبح حسب ما نفكر فيه وما نفعله، فالإنسان من صنع أفكاره، فإن تصرفنا بمودة، فسنكون أكثر حباً وإن راعينا ضبط النفس فسنكون أكثر رضا، وإن تصرفنا بروح التسليم للقدر فسنكون أكثر مرونة وتحملاً لأوزار الحياة.
وانطلاقاً من فكرة اليوغا أن الخير هو الأصل في طبيعة الإنسان، فإن ممارسة الأفعال الخيرة ترسخ من طبيعة البشر الحقة، وعليه فعند قيامنا بتحقيق الأفعال الخيرة كالنظافة أو الطهارة وضبط النفس والرضا والصحبة الصالحة والتسليم فإننا نسعى إلى تخليص النفس من خداع الانفصالية والتفرد أو الصورة الكاذبة والتى في المقابل تكسب المرء احتراماً لذاته وذوات الآخرين.
النظافة
وهى تعني طهارة الجسم والعقل حيث كلاهما مرتبط بالآخر ومكمل له فالجسم السقيم يسهم في تراجع أداء العقل على النحو الأمثل بينما يمنحنا الجسم السليم عقلاً صافياً هادئاً بعيداً عن المنغصات (العقل السليم فى الجسم السليم) والنظافة بشقيها الخارجي والداخلي مكملان لبعضهما البعض، فالنظافة الداخلية تستدعي أن نتبع نظاماً غذائياً محدداً ومتوازناً على أن نكثر في طعامنا من الأكل الطازج سهل الهضم من الخضراوات والفاكهة على أنه يتوجب علينا الابتعاد عن العادات الضارة مثل التدخين وشرب الكحوليات وتعاطي المخدرات لأنها تسيء إلى نظافتنا الدخلية وتؤثر سلبا على صحتنا، كما تتضمن النظافة الداخلية طهارة الفكر، فلا نتعجل فى الحكم على الآخرين وإدانتهم أو الانخداع بمظاهر الأفعال.
الرضا
وهي فلسفة هادفة تقتضي تقبل الحياة بحلوها ومرها ولن نتقدم على الطريق الروح ما لم نتقبل ما تتطلبه أوضاع حياتنا من تحديات بالقبول والتسليم، على أن ذلك لا يعني أن نترك الحبل على الغارب بل يجب أن يكون التخطيط السديد منهج حياتنا وعلينا أن نستعرض الإنجازات التي ننوي تحقيقها والمعوقات المحتملة لها كل يوم وأن ننظم أسلوب تفكيرنا في إيجاد الحلول المناسبة لما يعترضنا من مشاكل وإيجاد السبل المناسبة لحلها فذلك يسهل علينا الكثير من الأمور ويجعلنا في وضع نفسي أفضل لمواجهتها عند الحاجة. تماماً كقول الحديث الشريف (اعقلها وتوكل).
ضبط النفس وتهذيب الذات
يستفيد ممارسو اليوغا من زيادة النمو النفسي والتحكم في الإرادة عند الحاجة وهي من الأمور المهمة واللازمة لسلامة العقل وراحته كما تحقق اليوغا القدرة على الوئام العقلي وتحقيق الهدوء والسكينة فنكون في منأى من التشتت والأفكار السوداوية وهي تحتاج إلى عزيمة قوية للقيام بأنشطة إيجابية بناءة بدلاً من التراخي الذى يورث الكسل والإغراق في الرفاهية يقول الإمام على (ع) ( اخشوشنوا فإن الترف يزيل النعم) بمعنى أن الإغراق في الترف يذهب لذة الحياة فمن لم يتعرض لحرارة الشمس لن يعرف نعمة النسمة الباردة، ومن لم يلسعه برد الشتاء لن يعرف نعمة الدفء، وإذا كان علينا أن نتمتع بالعادي المقبول من مباهج الحياة فلابد أن نكون محتفظين بسلطاننا عليها وألاّ نترك لها العنان حتى لا تجنح بنا إلى فضاء العبثية. وكلما تقدم اليوغي على الطريق الروحاني مال ذوقه إلى البساطة فيهنأ في كل ساعة من حياته على أنه يجب أن نضع نصب أعيننا أن لنا في الحياة دروساً يجب أن نتعلمها فلا نعتكف الحياة الروحانية ونهرب من الحياة العامة، كما علينا أن نتذكر أن الله قد خلق عباده لحكمة لذا يجب علينا أن نقطع مراحل حياتنا بالرفق والحكمة بعيداً عن الطمع أو الطموح المدمر وألاّ ننساق بدون هدى إلى الإغراق في الترف حتى لا نفقد متعة الحياة الحقيقية.
الصحبة الصالحة
ما من شك أن الكتاب الجيد والصديق الحسن هما خير رفيق للإنسان إذا أحسنا الاختيار وذلك ليس بالأمر السهل في أغلب الأحوال لأنه يحتاج إلى الصدق والشجاعة في مواجهة القرار وقد يكون الصديق مريحاً ولكن قد يكون مضيعة للوقت ومفسدة للحياة، بل من الممكن أن يكون مسيئاً ومضراً.
التسليم بالقضاء
لا تتحقق القدرة على التسليم بالقضاء ما لم نعتبر أن كل ما يمر بنا خيراً أو شراً هو رحمة من رب العالمين (الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه) وأن الخير والشر فرصتان متساويتان للنمو والنضوج، فلا نندم على قرار اتخدناه دون غيره فقد نكون مقبلين والمنفعة خلفنا أو مدبرين والمنفعة أمامنا ولن ندرك الحكمة فيما ترمي إليه المقادير سواء بالمنفعة أو الضرر.
واجب العمل
لا يوجد خرق للقانون الأعظم في الحياة مثل التخلي عن واجبنا الأساسي نحو رب العالمين وهو العمل والسعي في الحياة لكل من وهبهم الباري (جل وعلى) نعمة الحياة على أنه يتوجب علينا أن نؤدي أعمالنا على أحسن وجه وبإتقان تام دون التعلق بنتائج الأعمال (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) ولنتذكر دائماً أن عملنا في هذه النية هو ابتغاء لمرضاة الله (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) وأن الذين أنجزوا روائع هذا العالم وابتكاراته هم أناس نذروا أنفسهم وحصروا فكرهم في عملهم وهو ما يعرف بموهبة العمل للعمل.
إن المحظوظين هم الذين وجدوا السعادة في أبسط أنواع العيش بعد أن تخلصوا من براثن الدنيا وخداعها ونجوا من مطامعها وجشعها. إنها سعادة لا يصيبها من تعلق بأذيال الدنيا حتى عند نجاحه وتحقق أمانيه أما من جعلوا التكالب على الصيت والشهرة وسيلة لتحقيق سعادتهم فقد دفعوا ضريبة فاحشة من الأعباء والمنغصات التي أرهقت كاهلهم وكبلتهم بالأمراض والمضايقات التي أفسدت فرحتهم ونغصت سعادتهم.
ولكن في المقابل يجب أن نتجنب السلبية في اعتزال العالم، وألاّ نبكي حزناً وأسى على ما في الأرض من مفاسد وغيرها دون أن نشارك في حلها.
إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"العدد 3877 - الخميس 18 أبريل 2013م الموافق 07 جمادى الآخرة 1434هـ
كلامك من رائع وعجبنى جداكلامك ( وعلينا أن نستعرض الإنجازات التي ننوي تحقيقها والمعوقات المحتملة لها كل يوم وأن ننظم أسلوب تفكيرنا في إيجاد الحلول المناسبة لما يعترضنا من مشاكل وإيجاد السبل المناسبة لحلها فذلك يسهل علينا الكثير من الأمور ويجعلنا في وضع نفسي أفضل لمواجهتها عند الحاجة. تماماً كقول الحديث الشريف (اعقلها وتوكل).)
دمت بخير سيد عدنان