تُعلِّمُك القراءة، أنكَ لا تعرف إلاّ كَسْراً عشرياً من المعرفة. ويُعلِّمُك الزمن، أنك لا تساوي سوى لحظة من سِنينِهِ الطِوال. وتُعلِّمُك الأخلاق، أنك لازلت جَحُوداً ومُتطاولاً على الآخرين بغير حق. ويُعلِّمُك التعايش، أنك لستَ أفضلَ من أحد. وتُعلِّمُك الآيدلوجيا، كم أن هناك عقولاً نَيِّرةً خَيِّرةً لكنها محبوسة ظلماً، في علمها وحضورها، وفي قدرة تأثيرها.
استحضرت هذا الكلام، بعد أن جِلتُ خلال الأيام الماضية، بين عديدٍ من المفكرين ورجال الدين، مِمَّن شاركوا في ندوة «فقه رؤية العالَم والعيش فيه» التي نظَّمتها وزارة الأوقاف والشئون الدينية بسلطنة عُمان. مفكرون ورجالُ دِينٍ بأوزان الذهب من مختلف أصقاع الأرض، لكنهم ومع شديدِ الأسف، ضائعون (وضائعة معهم حكمتهم) وسط جَعجَعَة التطرف، وغلواء الألسن الناقعة في الشتيمة، والمهووسة بالغلو، والتي تملأ شاشات القنوات الفضائية «المتطفئِنَة».
مفكرون من ليبيا والجزائر وتونس والمغرب ومصر وإيران وتركيا والبوسنة والأردن وعُمان وسورية والسعودية وبنين واليمن. ماذا عساكَ أن ترى في هؤلاء، أو تسمع منهم في هذا الأوان الرديء؟ إنهم يتحدثون بلغة دينية جديدة، ومتسامحة إلى أبعد حد. لغة ليس فيها نَبشٌ ولا حفرٌ ولا تصيّدٌ ولا تسقيطٌ ولا تكفيرٌ ولا تفسيقٌ ولا دعوة للاحتراب، ولا التعدِّي على الآخر، ولا ادِّعاءٌ باحتكار للحق والحقيقة، ولا ادِّعاءٌ بالانتماء للفرقة الناجية.
هذا يُظهِرُ لنا (وببساطةِ تفكير)، كم أن هؤلاء، (وكم هو خطابهم السَّمح) مُغيَّبون عن ريادة الأمة بسبب قمع التطرف لهم، وفي الوقت نفسه، يعطينا رؤية كم أن ديننا باتَ مخطوفاً مِن أناسٍ (لهم خطاب آخر يتسم بالجنون) يكنّون له كامل العداوة والحقد. خاطفون، لا يهمهم إن ماتَ الدِّينُ نَحراً بين أحضانهم! ولِمَ يحملون هَماً أصلاً، ما داموا هم غُرماؤه الألِدَّاء!
هؤلاء الذين يملأون القنوات الفضائية صباح مساء، بالغَثِّ والمشِين من القول، ثم ينسبونه إلى الإسلام، ويطبعون بلا حساب، كتباً بقراطيس وأفكارٍ صفراء، وأقلاماً تقطر حبراً لا يخط إلاَّ السَّم، ويُشجّع على الضغينة، ويُباعد النفوس عن بعضها. أفَهَل يحق لمثل هؤلاء أن يدَّعوا أنهم من هذا الدِّين، فضلاً عن الادعاء، بأنهم قَيِّمون عليه، أو مدافعون عن مبادئه ومشروعاته!
عندما سأل أحد الأكارم، كيف يُمكن لهذا الخطاب أن يأخذ مكانه للتطبيق؟ قلتُ: إن الموضوع ليس متعلقاً بشيء أكثر من الإعلام. لن يحتاج الأمر إلى لِجَان أو جهات تتبنى الحالة وينتهي الموضوع، فالتحدي الحقيقي أمامكم هو كيف تصلون إلى الناس، من خلال الصوت والصورة، ومن ثم التأثير عبر البيان والحجَّة، التي يفتقدها خطاب التطرف.
اليوم، وفي ظل الفَوَرَان الإعلامي والتكنولوجي العالمي، لم يعد الناس العاديون بحاجة إلى وسطاء دائماً؛ فالشاشة أصبحت هي مقود الكم الأكبر من التأثير. ما يجب، هو أن يظهر هؤلاء الرجال الأفاضل وخطابهم التسامحي المعتدل قبل غيرهم. لا يمكن أن يسبقهم المتطرفون إلى آذان الناس. هم يمتلكون معقول القول وأحسنه، لذا فإنهم مستحصِلون على عنصر الدفع الذاتي، وهذا هو أهم الأشياء وأوكدها للانتصار. وعندما يسود مثل هذا الخطاب سيتعرَّى الفكر الآخر، القائم فقط على الدَّعم المادي اللامحدود، والحضور الصُوَرِيّ الدائم.
عندما نقرأ سِيَر الأمم الماضية، سنرى أن بلاءاتها، وخصوماتها، وأرواحها المزهوقة لم تحصل إلاَّ نتيجة استيلاء الشَّواذ على نواصي الكلمة فيها، وشياعها. وعندما تُسنَد كبار الأعمال لصغار الرجال، يصير الهوان حاضراً عند الأمم، ويحلَّ البؤس بين ناسها.
انظروا ماذا فَعَلَ المجتمع المسيحي الأوروبي، أثناء الحروب الدينية (وما قبلها حتى) لكي يضمن حاضره ومستقبله خلال القرون الماضية. لقد قاموا بعمل جرئ. فلم يعد ألفاروا بيلايو وأغسطينو ترينفو (وأضرابهم) يتمتعون بمكانة في المجتمع، بل كان الخيار، وكانت الإرادة، هي في تظهير ما كتبه أمبروسيوس ويوحنا فم الذهب وهيلاريوس وغيرهم من القديسين، حول الإيمان والهرطقة، بطريقة ليس فيها قسوة ولا «سلطة إجرائية».
عندما قرَّرت تلك الأمم، أن تُصوِّب مسارها، وحاضرها ومستقبلها، لم يكن أمامها سوى أن تُبعِد أولئك المتطرفين عن طريقها، ليحلَّ مكانهم من يستطيعون أن يرفدوا المسيرة بما يُمكِّنها من العبور إلى المستقبل سالمة وبأقل الأكلاف. ولو أنهم بقوا على الأفكار المتطرفة، لم تشهد أوروبا لا ثورة فرنسية ولا صناعية ولا حركات تجديد فكري ولا ديني.
إنه لَمِنَ الغصَّة أن ترى في عالمنا المُر اليوم، مَنْ كَتَبَ الأسفار القيِّمة في الفقه، وقضايا الفكر والفلسفة، وهو أستاذ جامعي أشرف على العديد من الرسائل الأكاديمية، وحائزٌ على شهادة الدكتوراه، منذ نصف قرن، كيف يأتيه رُجَيْلٌ على إحدى القنوات الفضائية، أو في خطبة عابرة، وليس له حظٌ من العلم، ليُكفّر تلك الأفكار وما ماثلها، ثم يتحدث عن فواصل حادة وقسرية، بين المسلمين، وبين بني البشر، فيجعل هؤلاء إلى الجنة، وأولئك إلى النار، ثم يُوجّه حربه ضدهم بلا هوادة. إنه قمَّة الإسفاف فعلاً!
اليوم، واجبة هي المسئولية الإسلامية، أن يظهر النيِّرون والخَيِّرون في أمتنا، ويتسيَّدوا على قرارها، وعلى كَلمتها، لكي تُزاح الأوزان الزائدة عن جسمها، والتي لم تجلب لها (ولنا) سوى السُّمنة الضَّارة، فانتشرت في جسدها (وأجسادنا أيضاً) الأمراض والأسقام، حتى هرمت أجيالنا فكرياً ونفسياً، رغم أنها لازالت في مقتبل العمر، وترفل في الشباب. وهنا، أستذكر ما قاله الإمام الشيخ محمد عبده وهو على فراش الموت:
ولسـتُ أُبالِـي أن يُقـالَ مـحمدٌ
أبَـلّ أم اكـتـظــت عـلـيـه المـآثمُ
ولـكـن ديـناً قـد أردتُ صـلاحـه
أحاذر أن تقضي عليه العمائمُ
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3871 - الجمعة 12 أبريل 2013م الموافق 01 جمادى الآخرة 1434هـ
الفكر التكفيري
من يروج الى هذا النوع من الثقافة التكفيرية هي الأنظمة لتشغل شعوبها عن التدبر في أوضاعها وتطالب بحقوقها انظر حولك في كل البلدان العربية ماذا يحدث ؟ حتى الدول التي كانت تحت أنظمة ليبرالية مثل العراق ومصر نرى اليوم اصحاب هذا الفكر الطائفي هم من يديرون البلد واصبحوا فجأة منظرين يبثون سمومهم على العالم ودول الخليج ليست بعيدة عن هذه الثقافة التي ترعاها الحكومات وتؤجج الصراعات الطائفية بين أبناء الوطن
أختلف معك
أختلف معك استاذ محمد
هؤلاء مغيبون لارتباط المتطرفون بمشاريع الصراع الكبرى ولارتباط أغلبهم بدول وأجهزة استخبارات توظف المشروع الطائفي في الصراع ، ولكم في مقررات مؤتمر هرتزليا الصهيوني هذا العام عبرة ودليل.
للاسف من ينشر الفكر الاقصائي
هم الجهلة لانهم يخافون ان ينتزع المثقفين منهم مناصبهم والقابهم التي سلبوهاباسم الدين والدين منهم براء.
الدين لعق على السنتهم واذا مامحصو بالبلاء قل الديانون
أ. محمد
أصبت فمتى ستكسر هذه الأغلال
ولكن ما انتشر الفكر المتطرف و التكفيريون إلا بفعل قنوات هدفها الأساسي نشر هذا الفكر لتحقيق مآربها
الا نتعض
جزاك الله خير ،،،، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى واله وسلم بما معناه "اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا" وقال الغربيون في الستينات " الدين افيون الشعوب" كلم نتكلم عن التمييز وعن حصصنا من الكيكه ومن قصد اوغيره ننشر الثقافه الجديده للدين المبني على اقصاء الاخر
غلط
""أنكَ لا تعرف إلاّ كَسْراً عشرياً من المعرفة"" يجب تغيير هذه العبارة الى " انك لا تعرف الا كسرا بليونيا من المعرفة" . عندما يعلم الفرد بأنه لا يعلم فقد غدى عالما بجهله. لكن من يقرأ كتابا واحدا يتصور نفسه فيلسوفا و يفر آرائه على البشر.
الظلاميون
هذه مشكلة الفكر الظلامي الذي لا يريد إلا أن يعيش في الظلام رغم أن الأنوار في الخارج تملأ الدنيا
مد الفكر الارهابي الاقصائي يجتاح بلاد المسلمين
كنت في مصر في الثمانينات واذا حان موعد الصلاةة دخلت اي مسجد و صليت ولم اجد ادنى مضايقة ولم يكن ينظر لي المواطن المصري انني اشترك معه في العروبة والاسلام و كانوا لا يمانعون من تزويج بناتهم لشيعي ولكن ماذا حل بمصر الآن بعد مد الفكر السلفي الاقصائي ؟