صوته العميق القوي هو أول ما سيشد انتباهك حال لقائك مغني الباس باريتون الويلزي برين تيرفل. سيلفت انتباهك شعور الألفة التي سيتولد لديك حال لقائه، ربما لفخره الشديد وتكراره اعتزازه بأصوله الريفية وبمزرعة والده التي نشأ فيها وبكل ما ورثه من والديه وما جعله يصبح على ما هو عليه الآن.
صعد تيرفل إلى القمة حين فاز بجائزة «الليدر برايز» العام 1989. ومنذ ذلك الحين، برز على الساحة الفنية وقدم عروضه في جميع دور الأوبرا الكبرى في العالم. عُرف بأعماله التي أدى من خلالها أدوار فيغارو، وفالستاف، وووتان، وأعمالاً أخرى تشمل دير فليغند، وهولاندر، وهانس ساتشس، وميفيستوفيليس، ودون جيوفاني، وليبوريلو، وجوشانان، وسكاربيا، وجياني سكيتشي، ونيك شادو، ودلكامارا، وسويني تود.
اشتهر بروعة أدائه في الحفلات الحية، كما في مشاركته في افتتاح مركز ميلينيوم في ويلز، وكذلك مشاركته في العروض الملكية المتنوعة. أحيا حفلات عدة شهدت إقبالاً لافتاً في المدن الرئيسية حول العالم، وقام بتنظيم مهرجانه الخاص لمدة تسع سنوات في فاينول، شمال ويلز.
فاز بجوائز عديدة تتضمن جائزة غرامي، وبريت الكلاسيكية، وجائزة الغراموفون، وأنجز مجموعة من أعمال الأوبرا من تأليف موزارت، وفاغنر، وشتراوس، وكذلك العديد من الأسطوانات الفردية. قدم أحد أعماله الشهيرة العام 2012، عندما قام بأداء دور «ووتان» في عمل لفاغنر من إنتاج دار الأوبرا الملكية، وأوبرا الميتروبوليتان، الدار المضيفة لمهرجان برين، وهو مهرجان يستمر لمدة أربعة أيام في مركز ساوث بانك في لندن، وكذلك مشاركته في الاحتفالات الأوليمبية للعام 2012.
العام 2003، تم تكريمه بجائزة سي بي إي عن الخدمات التي قدمها للأوبرا، حيث جاء اسمه ضمن المكرمين في الحفل الملكي السنوي لاستقبال العام الجديد، وفي العام 2006 حصل على الوسام الملكي للموسيقى من صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا.
فضاءات «الوسط» التقت برين تيرفل على هامش مشاركته في مهرجان أبوظبي 2013 حيث أحيا أمسية أوبرالية قدم خلالها مقتطفات من عمل فاغنر Tannhauser الذي يعد العمل الأبرالي الحقيقي الأول في تاريخ الأوبرا، إلى جانب أعمال أوبرالية شهيرة أخرى.
تملك صوتاً قويّاً ومؤثرا للغاية، هل ورثت هذا الصوت أم إنك تقوم بتدريبات مكثفة يومية تجعله بهذه القوة؟
- كان لوالدي صوت جميل، وكان يغني في جوقة الكنيسة مع 40 مغنياً آخر. أعتقد أنه لو كان أكمل دراسته الجامعية لكان سيصبح مغنياً محترفاً لكنه لم يكن يحب أن يغني لوحده. كان يتوتر كثيراً ولذلك كان يفضل الغناء مع الجوقة فذلك يشعره براحة أكثر.
هل يعني ذلك أنك ورثت صوته لكنك تملك أشياء أخرى لا يملكها هو.
- نعم صحيح لقد ورثت الصوت من والدي، لكنني لم أرث توتره وخجله. في المقابل ورثت القوة من والدتي لأصل إلى ما أنا عليه الآن. في فترة المراهقة كنت واثقاً بنفسي حتى لأن أقف على المسرح وأغني. أردت أن أقدم كل أنواع الأداء والغناء. كنت أسمع أغاني الفيس بريسلي كثيراً حين كنت صغيراً. كان ألفيس مغنياً عظيماً وكان ينطق الكلمات بشكل رائع، كما كان مؤدياً واثقاً من نفسه. كنت أشاهده كثيراً فأصبحت مثله. ثم أعجبت بموسيقى البيتلز وكوين وبينك فلويد. كنت متوجهاً بشدة للموسيقى. وحين أصبحت مراهقاً، بدأت أغني وأعجب والداي بصوتي فأقترحا عليّ المشاركة في مسابقات الغناء. بدأت بعد ذلك أفوز في هذه المنافسات. لولا حماس والداي وشجاعتهما لأخذي إلى هذه المنافسات لما أصبحت على ما أنا عليه اليوم. أتيت من ويلز وهي بلد صغير للغاية، ويحتاج الويلزي لشجاعة كبيرة ليغادرها. كنت خائفاً من أن أترك بلدي وعائلتي، والداي، صديقتي، شقيقي، والحيوانات التي أربيها، وأنا أحب كلابي، وقططي، ودجاجاتي، والبقر، وكل الحيوانات الأليفة التي يربيها والدي في حقله. لقد افتقدت كل هذا، حين ذهبت إلى لندن التي أحدثت لدي صدمة ثقافية، لكن الحمد لله أعجبوا بأدائي في لندن فبقيت فيها وتعلمت وظللت هناك.
بدأت الغناء في سن مبكرة، وصعدت إلى القمة سريعاً حين فزتَ بجائزة «الليدر برايز» ولُقِبتَ بمغني مدينة كارديف في المسابقة العالمية العام 1989، كيف ترك ذلك أثره عليك؟
- نعم كانت مع ديمتري فوروستوفسكي، فاز هو بالجائزة وكنت أنا الثاني. كانت مسابقة مدهشة، وكان شرفاً كبيراً أن يتم اختياري وأنا مغن صغير لأمثل بلدي. الأمر تماماً مثل اختيار لاعب كرة قدم أو رغبي لتمثيل بلاده. أظن أن هذا ما صنعني، كان يمكن أن يكسرني. لقد قبلت التحدي وغنيت على رغم كل الضغوط والمصاعب وذلك بسبب الثقة التي اكتسبتها من التحاقي بالجامعة لخمسة أعوام. كان ذلك الفوز مهمّاً للغاية لأنه فتح أمامي الكثير من الأبواب المقفلة، ودر علي الأموال التي استخدمتها بحكمة، فاشتريت ملابس جديدة وأحذية لأرتديها في حفلاتي وحضرت المزيد من دروس الموسيقى والغناء. وأخذت دروساً في اللغات التي أغني بها.
كم عدد اللغات التي تؤدي بها عروضك؟
- أغني بلغتي الأصلية الويلزية، وكذلك بالانجليزية وهي أصعب اللغات بالنسبة لي، لأنها لغة عالمية والناس يفهمونها فإذا لم تغني بأفضل ما يمكن سيكون الأمر صعباً. أغني كذلك بالفرنسية، والإيطالية والألمانية بشكل أكبر. اللغة التي لم أغن بها أبداً هي الروسية، أما اللغة الأقل تفضيلاً بالنسبة لي فهي الفرنسية، والتي أتمنى لو كنت قد تعلمتها في المدرسة. في حفل الغد سأغني بالألمانية والإيطالية والإنجليزية.
هل تعني أنك تجيد هذه اللغات، وإلا فكيف يمكنك الغناء وأداء أدوارك الأوبرالية بلغات لا تتحدثها؟
- لا أتحدث هذه اللغات بطلاقة، لكن لدي دراية جيدة بها، بل إني أغنيها في قوالب شعرية، وفي صيغها القديمة في بعض الأحيان، وهو ما يزيد الأمر صعوبة. علي أن أتعلم ذلك بأفضل ما يمكنني، فإذا كنت أريد أن أغني لفيغارو فعلي أن أتعلم ذلك بأفضل ما يمكنني.
هل يعني ذلك أنك تتدرب بشكل كبير ومكثف لتتمكن من اتقان المقاطع التي تغنيها؟
- كثيراً. يجب علي أن أعمل بشكل مجهد، وإلا فلن تكون هناك جدوى؛ لأن أفتح أبواب مسارح الأوبرا في ميلان، أو باريس، أو نيويورك أو كوفنت غاردن في لندن أو حتى الذهاب هناك إذا لم أكن مستعدّاً لأن أقوم بالجزء الشاق من العمل. أتدرب لساعات طويلة وبالطبع ما يزيد الأمر أكثر تحدياً هو وجود ثلاثة أطفال صغار يشاغبوني ويطلبون مني أخذهم للعب كرة القدم.
كيف يمكن لك أن تتواصل مع جمهورك فيما لا تتقن لغة عروضك التي ترتجلها على المسرح، ألم يحدث أن نسيت بعض العبارات أو السطور؟
- أخضع لتدريبات مكثفة لما يفوق ستة أشهر في بعض الأحيان. الحمد لله لا تحصل هذه الأخطاء على المسرح، لكن إذا حصلت يمكنني أن أرتجل الغناء بأية لغة أخرى. حدث ذلك مرة حين نسيت السطر الخاص بي ولا أتمنى أن يحدث مرة أخرى، كان شعوراً سيئاً. وفي بعض الأحيان يوجد في المسرح ملقن يذكر بالعبارات وهذا يساعد كثيراً لكن في أحيان لا يوجد ملقن وعلي أن أتصرف.
كيف ستتمكن من التواصل مع جمهور أبوظبي وتقدم أداءك الأوبرالي بأفضل ما يمكن مع حقيقة أن الأوبرا هو فن لا علاقة له بثقافة المنطقة؟
- أعتقد أنه أمر يجب أن يسمعه الجميع. والمهرجان هنا يتجاوز الحدود، وقد تحدثت مع صديق لي يعمل مع مؤسسة IMG Artists التي تتولى تنظيم المهرجان وأخبرني بأن القائمين على المهرجان واسعي الأفق. أعتقد أنه من المهم أن أغني هنا فمن يعرف متى تصل الأوبرا إلى الصين أو اليابان. لكن انظر إلى متابعي الأوبرا ستجد أن الجمهور الصيني هو الأكثر تحمساً للعروض الأوبرالية، تجدهم في كل العروض في كل مكان، في فيينا، ايطاليا، ميلانو، نيويورك. في المقابل أعتقد أن ما فعله بيتر غيلب من أوبرا الميتروبوليتان حين أدخل الأوبرا إلى السينما، أعتقد أنه فتح الأبواب أمام الناس وقرب الأوبرا. كانت تلك فكرة رائعة أن تكون قادرا على الجلوس في السينما تتناول الفشار فيما تشاهد فاغنر. من يعرف ما الذي سيحدث خلال عشر السنوات المقبلة، ربما يأتي مغني الأوبرا هنا إلى أبوظبي ليقدموا عروضهم أمام آلاف من الجماهير التي تأتي من لبنان والبحرين وأبوظبي.
هل يستوجب الغناء لجمهور مختلف؛ اختيار عروض معينة ربما يكون الجمهور أكثر قدرة على التواصل معها؟
- لا، الأمر ليس مختلفاً من جمهور إلى آخر. ما أحب أن أغنيه في العادة سأغنيه مساء الغد، وأنا محظوظ؛ لأني سأغني مع السوبرانو الجميلة من سينت بيترسبيرغ فيكتوريا ياستريبوفا. التقيت بها اليوم وأعتقدت أنني وقعت في الحب ليس فقط في جمالها وإنما في صوتها أيضاً. لدي أيضا الأوركسترا التشيكية الفلهارمونية الرائعة التي توجد هنا في أبوظبي لأسبوع كامل وهي بقيادة جيري بيلولافيك، وهو بمثابة أيقونة في انجلترا.
العدد 3871 - الجمعة 12 أبريل 2013م الموافق 01 جمادى الآخرة 1434هـ