يستحق انتخاب البابا فرانسيس، الأرجنتيني الأصل، ليصبح أسقف روما الـ 266 ورئيس الكنيسة الكاثوليكية، تهانينا وتفكيرنا بمستقبل التعايش والحوار بين المسيحيين والمسلمين.
كوني واحداً من الناجين من جرائم الإبادة الجماعية مع نهاية القرن العشرين في البوسنة، لدي اهتمام بسياسة الفاتيكان ورسالة الحَبر الأعظم، التي تتكلم نيابة عن الكنيسة الكاثوليكية. وفي الوقت الذي يمكن أن يكون تأثير الفاتيكان السياسي مقتصراً على الدبلوماسية العامة، إلا أن للتأثير الروحاني أهمية كبرى لملايين المسيحيين حول العالم. نتيجة لذلك، كان للبابا دائماً وقع كبير على السلام والأمن العالميين.
يمكن للبابا فرانسيس أن يجد في سابقيه المباشِرَين دروساً مهمةً يمكن أن توجّه علاقاته المستقبلية مع المسلمين.
كان البابا يوحنا بولس الثاني يجيد التواصل، وداعماً لحوار الديانات. كانت علاقته مع العالم الإسلامي علاقة احترام وواعدة. فقد تكلّم على سبيل المثال ضد حصار سراييفو الذي استمر أربع سنوات، كل يوم أحد من كاتدرائية القديس بطرس في روما. جرى تقبّل رسالة البابا يوحنا بولس «لا حرب بعد اليوم. لا حقد وعدم تسامح بعد اليوم»، جيداً من قبل جميع الناس. وعندما زار سراييفو في أبريل/ نيسان 1997 وصف الرئيس البوسني الراحل أليجا عزت بيغوفتش البابا يوحنا بولس الثاني بأنه «واحد من أكثر الرجال تأثيراً في القرن العشرين».
وفي الوقت الذي كانت فيه العلاقات مع المسلمين متوترة بشكل يُؤسَف له نتيجة لملاحظات البابا بنديكت السادس عشر عن الإسلام والنبي محمد بجامعة ريغنسبرغ العام 2005، إلا أن اعتذاره فيما بعد أعاد إطلاق الحوار.
بدأ الحوار الذي تبع ذلك بمبادرة «الكلمة المشتركة» التي أطلقها 138 من العلماء والأكاديميين المسلمين. أطلق هؤلاء العلماء المسلمون يوم 13 أكتوبر/ تشرين الأول رسالةً مفتوحةً عنوانها «كلمة مشتركة بينكم وبيننا» إلى المسيحيين في كافة أنحاء العالم، دعوهم فيها للسعي لإيجاد أرضية مشتركة مع المسلمين على أساس حبّ إلهٍ واحد وحبّ الجار. تم تمثيل كل دولة كبرى ذات غالبية مسلمة في العالم، وتجاوب القادة المسيحيون في كافة أنحاء العالم إيجابياً مع هذه المبادرة.
أدى ذلك إلى إنشاء المنتدى الكاثوليكي المسلم، الذي عقد اجتماعَي قمة حتى الآن، عُقد أولهما في الفاتيكان العام 2008، حيث قابل البابا بنديكت السادس عشر جميع المشاركين، وعُقد الثاني في الأردن العام 2011. كما جرت تقوية العلاقات من خلال رحلة الحج التي قام بها البابا بنديكت السادس عشر إلى موقع تعميد السيد المسيح في الأردن، وزيارته إلى مسجد الملك حسين خلال الرحلة نفسها العام 2010.
تقول رسالة البابا فرانسيس عن الحوار، التي نشرت العام 2011 في كتابه «حول الجنة والأرض»: يولد الحوار من موقف احترامٍ للشخص الآخر، من قناعةٍ بأن الشخص الآخر لديه شئ جيد يقوله. وهي تفترض أن هناك مساحة في القلب لوجهة نظر ورأي كل إنسان. الانخراط في الحوار ينطوي على تقبّل ودّي، وليس على إدانة. وحتى يتسنّى عقد حوار، من الضروري معرفة كيف نخفف من دفاعاتنا ونفتح أبوابنا ونقدّم إنسانية دافئة».
آمل، بوجود هذه الفكرة في ذهني، أن يكون البابا فرانسيس قد ورث الأفضل من سابقيه: انفتاح البابا يوحنا بولس الثاني ونيته الطيبة تجاه المسلمين، واستعداد البابا بنديكت السادس عشر للاستمرار في الحوار وتقوية العلاقات مع المسلمين في كافة أنحاء العالم.
آمل أن يجدّد البابا فرانسيس المنتدى الكاثوليكي المسلم بطاقةٍ والتزامٍ جديدين، وبروحِ مبادرة الكلمة المشتركة التي ساعد البابا بنديكت السادس عشر على بدئها. من خلال عمل كهذا، فأنا أشعر بالأمل حول مستقبل حفيديّ، بأن يعيشا بسلام في البوسنة دون خوف من العنف الذي يحفزّه الدين.
بوجود علاقات دينية قوية، هناك ثلاثة مجالات من الاهتمام الإنساني المشترك يمكن للبابا فرانسيس أن يعطيها أهميةً في خلافته البابوية، أولها قضية الفقر، التي يجب أن تثير تفاعل ضميرنا الإنساني والديني. ثانياً، قضية التغيّر المناخي نتيجة التلوث العالمي الناتج عن الإهمال والطمع البشري. وثالثاً، قضية التهديدات النووية التي يمكن أن تؤدي إلى التدمير البشري الذاتي.
هذه القضايا عالمية بطبيعتها ومحلية في أسلوب عملها. بغض النظر عن الإيمان، والثقافة والعرق والجنسية والعقيدة. نحن جميعاً في الوضع نفسه، فإما الانهيار العالمي أو الخلاص. لذا فإننا نحتاج إلى بناء فُلكنا بالسلام والحوار والاحترام المتبادل.
آمل أن يفعل البابا فرانسيس كل ما باستطاعته ليعمل مع المسلمين وغيرهم بهدف بناء فُلكٍ يخلّص هذه الإنسانية المشتركة، إنسانيتنا.
فليباركنا الله جميعاً لنكون أصدقاء مع بعضنا بعضاً. نتخذ جميعنا سبلاً مختلفة في الحياة، ولكن بغض النظر عن مقصدنا، فإننا نأخذ قدراً قليلاً من بعضنا إلى كل مكان. الأصدقاء هم طريقة الله تعالى بالاهتمام بنا.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3870 - الخميس 11 أبريل 2013م الموافق 30 جمادى الأولى 1434هـ