إيران، تركيا، العراق واليوم سورية. هذا هو الحزام الأصيل للصراع في المنطقة. إيران: الشاه/ الثورة الإسلامية/ النفوذ باتجاه منطقة الهلال الخصيب. تركيا: العلمانية /الأحلاف/ الإسلامية البراغماتية. العراق: صدام/ الاحتلال الأميركي وسقوط بغداد.
أما سورية، فهي حديث اليوم، لإكمال المشهد بعد أن سَبَرنَا (ما أمكَن) أمور الدول الثلاث. كانت سورية أحدى سبع دول قرَّرت إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أن تحتلها: العراق، سورية، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان وأخيرًا إيران، في بحر خمس سنوات فقط.
ليس هذا كلامُ مُهرطِق، بل هو كلام الجنرال ويسلي كلارك، القائد العام السابق للقوات الأميركية في أوروبا. قائد سابق لحلف الناتو. ومُرشَّح رئاسي سابق في الولايات المتحدة الأميركية. قوتهم العسكرية هي مطرقة، والمشاكل مُجرَّد مسامير. هذا ما ذَكَرَه أيضًا.
نبدأ بتفكيك المشهد السوري «خارجيًا» أيضًا من خلال هذه المعادلة. وإذا كنا قد وَصَفنا أحوال الدول من مفاعيلها الذاتية لشكل موضعها على الخريطة، فإن الوضع السوري، اقتضى أن يكون العكس. نبدأ من مفاعيل القوى الخارجية وعكسها على سورية.
اليوم، لم يعد التغيير في سورية، مرتبطاً ارتباطًا مباشرًا بإرادة السوريين فقط. هو بدأ كذلك، ثم جُيِّرَ وسُيِّرَ على سِكَّة إقليمية ودولية أخرى. بالتأكيد، لا يُغيِّر هذا الأمر من شكل النظام السوري، أو يجعله ضحية، أو يستميت المرء في الدفاع عنه، فهذا أمر بعيدٌ عن المنطق والموقف الأخلاقي.
فالمسألة، باتت تتعلق بسورية الوطن. وباتت تتعلق بالبحث عن إرادة السوريين من بين رغوة متشابكة من المصالح الأخرى، التي قَدِمَت مسروجة على وقع حرب، وخَبَبِ الخيول. وربما باتَ جليًا اليوم، فهم الصراع في سورية، عبر ما آل إليه العالم من انقسام بشأنه.
فحين ينقسم العالم على مسألة ما، فهذا يعني أن المصالح هي المقسومة والمشطورة، وليس الأمر متعلقا بشعب يعيش في عينها أو أطرافها. إذ لا قيمة للشعوب مطلقًا عند هذه القوى، التي هَرَسَت شعوب فلسطين واليابان والهنود الحمر وبالتالي لا يمكن تصديقها.
هذه هي أحوال سورية بالضبط. شاءت الأقدار، أن يكون النظام السوري خصمًا مزدوجًا. خصومة مع الغرب، وخصومة مع الديمقراطية. استغل الأول شرعية الثانية، وانخدع قَيِّموا هذه الشرعية بوَدَاعَة الأول. هو بالضبط ما حصل في العراق وليبيا وأفغانستان.
الآن نأتي إلى شكل سورية بعد سقوط نظام الأسد بهذه الطريقة المليئة بالعسكرة، سواء عبر التمرُّدات الداخلية، أو عبر ضربة عسكرية خارجية. أوَّل ما سيحدث هو استيلاء المجموعات المسلحة على الأرض. هناك سويداء وجولان «درزية». وطرطوسٌ «علوية». قامشلي كردية. ريف دمشقي «شيعي». حلب وساحل مسيحي وغيرها... إلخ.
وأمام هذا التقسيم الديمغرافي الطائفي والعرقي، سيقع الاحتراب الحتمي بين هذه المكونات. وهو ما سيعني أن الأفغَنَة والَّلبْنَنَة والعَرْقَنَة والصَّوْمَلَة والبَسْنَنَة، ستتحقق كلها في سورية، مع وجود عشرات الطوائف والأعراق. وعندما تتحقق هذه الصورة من النماذج السيئة، ستصبح الدولة فاشلة. وعندما تصبح فاشلة ستتحوَّل إلى مجرَّد ممر، نحو جوار آخر، أو استهلاك لأرضها موارد وسياسة واجتماعًا وتسويات وصفقات.
عندما عارضنا العسكرة (وعضضنا على التغيير المدني السلمي)، كانت القناعة الراسخة لدينا، هي أن هذا الذي سيحدث. كان التخوف نابعا من هذه المعادلة المجنونة. وإذا كانت الحرب الطائفية/ العرقية في العراق والبوسنة قد استمرَّت لثلاثة أعوام، فإن مثيلتها في سورية قد تمتد إلى أضعاف ذلك. ولن تنهيها التسويات، بقدر ما سينهيها الإنهاك.
أيضًا، سنحتمل التالي في حال سَقَطَ نظام البعث في سورية. أولاً ستُقطع العلاقة مع إيران من الحكم الجديد. وستسوء العلاقة مع العراق. وستتحارب مجموعات من داخل سورية في داخل لبنان، بوجود امتداد أيديولوجي من حمص حتى عرسال والشمال اللبناني.
أيضًا، سيتهدد الأردن من بوابة درعا أمنيًا، وسياسيًا بوجود نظام إخواني في دمشق، الأمر الذي سيعني دفعًا لإخوان الأردن، الذين يعيشون خصومة شبه دائمة معه. أيضًا، سيتهدد العراق عبر حدود البوكمال، وستعتبر المحافظات الغربية ذات الغالبية السُّنية، أن دفعًا جديدًا قد جاءها لمناكفة حكومة بغداد، التي تهيمن عليها الأحزاب الشيعية.
جزء من دول الخليج العربي سترى وجود نظام يُهيمن عليه الإخوان في دمشق تهديدًا لأمنها القومي، كونه يُشكل إتمامًا للحزام الإخواني الذي بدأ من تونس مرورًا بليبيا حتى مصر وشمال تركيا، ثم جنوبًا وشرقًا في سورية. وهو ما سيعني رفدًا للجماعات الإسلامية الموجودة في الخليج، والتي تنتهج بمسلك الإخوان المسلمين سياسيًا وفكريًا.
بالنسبة للرابحين، فإن تركيا ستكون رابحًا أول من التغيير، كون الحاكمين الجدد سيكونون حلفاءها الأقوياء، الذين احتضنتهم طيلة السنوات الماضية، بالضبط مثلما حصل لإيران مع الحاكمين الجدد في بغداد بعد الاحتلال. ثم إنها تهدف إلى الولوج في منطقة الهلال الخصيب، باتجاه الأردن وفلسطين ولبنان، وصولاً إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.
أيضًا، ستتكوَّن لديها فرصة لتطويق العراق من حدوده الغربية، بعد أن حاصرته من جهة الشمال، بالتحالف مع أكراد البارزاني. وعندما يتحصَّل لديها ذلك، فإنها قد تتوازن مع النفوذ الإيراني في العراق، عند حصول نظام فيدرالي عراقي فاعل، تكون فيه محافظة الأنبار ومحيطها من المحافظات، إقليما يتمتع بسلطات محلية واسعة مجاور لسورية.
من الرابحين أيضًا من التغيير في سورية، مصر في ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين. فرغم العلاقة الفاترة التي جَمَعَت الفصيليْن (السوري والمصري) بعد أحداث حماة إلاَّ أن العلاقة توطَّدت بعد سقوط نظام مبارك في مصر. وهو أمرٌ إذا حصل، فإن إخوان مصر، سيحصلون على موطئ قدم لهم في منطقة غرب آسيا، وبجوار إسلاميي تركيا.
أيضًا، ستكون بعضٌ من دول الخليج العربي رابحًا أساسيًا من التغيير في سورية. فهو أولاً سيعني ربحًا لرهانها على التغيير في سورية. وخصوصًا أن مَنْ سيحكمون هناك، هم حلفائهم وقريبون من توجهاتهم، وهو ما يعني حصولهم على امتيازات خاصة في سورية، وبالتحديد في موضوع نقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا.
في المحصلة، فإن مشهد المنطقة سيتغيَّر بحدوث التغيير في سورية. في المصالح والتحالفات، وبالتأكيد لاحقًا المواقف من مشاكل المنطقة الأساسية والتاريخية.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3866 - الأحد 07 أبريل 2013م الموافق 26 جمادى الأولى 1434هـ
حسن حيدر إضافة و رجاء ( 2 )
طلبنا شرح الفقرة لنعرف سر الاهتمام الايراني بهذا البرنامج و سبب كونها تضحي لأجله بالكثير من الرفاه الاقتصادي ، و لنعرف إلى أين سيقودها ، و هل حقا ستجني منه ثمارا تعوض كل مافقدته في سبيله ....... لكن لا مجيب من كاتبنا الحبيب ........ أنـــا حــــــــدي زعــــــــــــــلان !!!!! أتمنى ايصال رجائنا لكاتبنا الكريم بأية طريقة .
حسن حيدر إضافة و رجاء ( 1 )
الإضافة : اللاذقية أيضا أكثرية علوية إذا نظرنا إليها كمحافظة و نسبة العلويين فيها كنسبة محافظة طرطوس من 50% إلى 70% ، ويمكن مراجعة المواقع المتخصصة .................................................. الرجاء : طلبنا من الكاتب الكريم شرحا لهذه العبارة التي كتبها في مقال ( إلى أين نحن سائرون ) قال فيه : (( تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط وتهيئة كوادر علمية. وربما أصبح برنامجها النووي، هو الأبرز من بين كل ذلك. ((( وهو مسلك قد يُغيِّر صورتها تماماً بعد عقد فقط.)))) طلبنا شرح الفقرة
العائد
مقال جميل وتحليل منطقي كما ننتظر منك مقال يسلط الضوء على تداعيات الازمة السورية في حال اخماد الانتفاضة او سقوط النظام على الخليج وخاصتنا الدول الخليجي العربية ننتظر منك تحليل موسع في هذه المنطقة وعلى الانظمة