بعيداً عن الخوض في تفاصيل فعالية تقديم الحوافز المادية على مستوى أداء طلبتنا وأبنائنا الأعزاء، التي سبق أن أشرنا اليها في مقال خاص عن برنامج «اكسب من تعلُّمك» الذي يطبق في ولاية دلاس الأميركية لتشجيع الأطفال على القراءة، إذا لم تفكّر أو تبادر مؤسساتنا التعليمية إلى توظيف الوسائل والحوافز المجدية التي من شأنها خلق بيئة محفِّزة للتعلّم، فإن التعويل بشكل غير موضوعي على الدوافع الذاتية للمتعلمين أنفسهم نحو زيادة التحصيل الدراسي أو النجاح أو التفوق لن يكون فعالاً أو لِنقُل ذا أثر ملحوظ، بل العكس من ذلك فقد تتحول مدارسنا إلى بيئة جامدة ومملة إلى حد كبير؛ لغياب القدرة التنافسية بين المتعلمين.
يلجأ كثير من أولياء أمور الطلبة إلى منح أبنائهم مكافآت معينة نظير نجاحهم أو حصولهم على نتائج متقدمة دراسياً، على طريقة مبدأ (الثواب والعقاب) في العبادة، فالناس مقامات عند الله جل وعلا، وبرغم اختصاص الدوافع الذاتية للتقرب إلى الله في العبادة بالأولياء الصالحين وما يطلق عليه بـ (عبادة الأحرار)، فإن سائر الناس يعيشون بين الحالتين (الخوف والطمع) كما يقول الإمام علي (ع): «إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنّتك، ولكنّي وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك».
في الفترة 6 - 7 مارس/ آذار 2013م، أقيم المؤتمر التربوي السادس والعشرون تحت عنوان (التعلّم والتدريس: إبداع مُتنامٍ، انخراط نشط، تنافس صحي) بمركز عيسى الثقافي في الجفير، وكان من أهداف المؤتمر إثراء تجارب المعلمين وتعزيز انخراطهم في ثقافة الإبداع والتنافس في مجال التعلّم والتدريس داخل المجتمع المدرسي، وتوفير بيئة مناسبة للحوار وتبادل وجهات النظر بشأن مفاهيم الإبداع والانخراط والتنافس في الحقل التعليمي، وأخيراً (وهو ما نودُّ التأكيد عليه هنا) هو مواكبة جملة من التجارب والممارسات الناجحة في مجال التعلم والتدريس لصياغة إطار لجيل التعلّم القادم (Next generation of Learning).
وقد حضرت بعضاً من أعمال المؤتمر، وسأستعرض جانباً من الممارسات المدرسية التي لفتت انتباهي على هامش المؤتمر المذكور، ألا وهو مشروع «بنك عسكر» للسلوكيات الحميدة، وهو مشروع تابع لمدرسة عسكر الابتدائية الإعدادية للبنين، وتقوم فكرته على تعزيز السلوكيات الحميدة لدى الطلاب، وذلك بربط التميّز السلوكي والالتزام الخُلقي بجوائز عينية ومعنوية.
من أهداف المشروع: اكتساب الطلاب السلوكيات الحميدة من خلال الممارسة أثناء التعامل في المجتمع المدرسي، وغرس احترام الذات واحترام الآخرين في نفوس الطلاب، واستخدام الطلاب لمرافق المدرسة وممتلكاتها الاستخدام الحسن والجيد.
بدأت مدرسة عسكر بتنفيذ المشروع يوم الثلثاء 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2012م، عندما قامت بتوزيع النقود على المعلمين بحسب نصاب كل معلم، وحددت الشروط التالية: تحسّن في سلوك الطالب، ورفع مستوى التحصيل الدراسي، وتقديم فكرة إبداعية أو مبادرة إيجابية، وأخيراً الحفاظ على النظافة الشخصية.
ثمة ملاحظات اعتبرتها المدرسة مهمة لإنجاح المشروع واستمراريته، منها: توزيع العملات الورقية على المعلمين إنما يكون بحسب نصاب كل معلم، فلا تندرج حصص الانتظار ضمن النصاب، ويجب وضع اسم الطالب وتوقيع المعلم على العملة، بحيث لن تقبل أية عملة بدون ذلك، كما لا يحق لأي معلم إعطاء العملات لطلاب غير طلاب صفه، ويستثنى من ذلك الإشراف وأعضاء اللجان المدرسية.
كما توزّع الجوائز على الطلاب في نهاية الفصل الدراسي الأول ونهاية الفصل الدراسي الثاني، حيث يتم تكريم الفائزين بجائزة الكنز في الطابور الصباحي.
كانت جائزة الكنز للفصل الدراسي الأول عبارة عن دراجة هوائية، أما جائزة الفصل الدراسي الثاني فمن المتوقع أن تكون جهاز (PSP).
إن «البيئة التعليمية المحفّزة على التعلّم» كانت ضمن نقاط القوة الرئيسية لمدرسة عسكر في تقرير وحدة مراجعة أداء المدارس بالهيئة الوطنية للمؤهلات وضمان جودة التعليم والتدريب في أكتوبر 2010م.
وبلا أدنى شك، فإن تحفيز الطالب/ة على الدراسة يعدُّ عاملاً أساسياً في دفع الطلبة لحب المدرسة والانتماء إليها، وهو ما تؤكده العديد من الدراسات الحديثة في الحقل التربوي.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3865 - السبت 06 أبريل 2013م الموافق 25 جمادى الأولى 1434هـ