في أروقة أرشيف البرتغال المركزي المعروف باسم: Arquivo Nacional da Torre de Tombo عثرنا في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2008 على وثيقتين مهمتين جداً يُكشف عنهما النقاب لأول مرة وهما تشيران إلى نوع متطور من الاتصالات بين البرتغاليين والقبائل العربية في سواحل شبه الجزيرة العربية وبالذات مع الجبور الذين رفضوا، بعد سيطرتهم على البحرين تماماً، دفع الضريبة السنوية لهرمز المتفق عليها مسبقاً بين سلغور شاه والسلطان أجود بن زامل الجبري بعد بدء السيطرة الفعلية للبرتغاليين على هذه المملكة الخليجية الغنية. وبذلك سادت حالة من العداء العسكري والسياسي بين القوتين العربية والبرتغالية في الخليج وبالتحديد تجاه الوضع في البحرين.
وهنا نعرض لإحدى هاتين الوثيقتين اللتين تشيران لفترة من السلام والتبادل التجاري المتبادل بين الجبور في البحرين والأعداء وهم والبرتغاليون في هرمز، وذلك في فترة حكم السلطان مقرن بن زامل الجبري لمملكة الجبور. تلك الوثيقة برزت في عام 1515 عندما كان حاكم عام الهند (Albuquerque Afonso de) في زيارته الأخيرة لهرمز لإعادة ضبط بعض الأمور الإدارية والعسكرية بعد موت الشاه سيف الدين أبا نادر مسموماً عام 1514، ووفاة وزيره خواجة عطار، وسيطرة الوزير الرئيس حميد على الحكم بوجود (توران شاه) الملك الجديد.
وترجمتها كما يلي «أمر من القائد العام الفونسو دي البوكيركي للوكيل المالي لهرمز لإرسال منحة عبارة عن 30 جرة سمك مملح في سائل (وهو غالباً يسمى مهياوه)، و67 أشرفي للمبعوث الذي جاء من قبل ملك البحرين (مقرن الجبري) رداً على هديته (أي الملك)».
وتاريخ هذه الرسالة كما هو واضح في الوثيقة هو 1515/10/31، أي قبل وفاة (Albuquerque) المفاجئة وهو في طريقه للخروج من هرمز في ديسمبر/ كانون الأول 1515 بعد أن أنهى مهمته فيها وثبت توران شاه في الحكم وتخلص من الرئيس حميد بأن قتله غيلة. ودلالة هذه الرسالة توضح نوع مهم من الاتصالات بين قبيلة الجبور وبين البرتغاليين والتي ربما تحولت إلى شبه علاقات دبلوماسية ذات منافع تجارية مشتركة وتبادل زيارات، بعكس ما كان شائعاً في الدراسات الخليجية التي نشرت على مدى السنوات السابقة بأن الجبور بقوا على عدائهم للبرتغاليين حتى غزوهم للبحرين عام 1521. والحقائق التي يمكن استنطاقها من وراء هذه الوثيقة، هو أن الجبور بعد الاعتداءات الهرمزية على دولتهم في القطيف والبحرين أيام وزير هرمز خواجه عطار بين أعوام 1509 - 1511 يبدو أنهم اضطروا لمهادنة البرتغاليين محاولين كسب ودهم ضد الهرامزة، بل ربما وقعوا معهم اتفاقاً تجارياً لتسهيل مرور التجارة البحرية عبر مضيق هرمز الذي وقع تحت السيطرة البرتغالية بعد غزوهم للمنطقة عام 1507. إلا أن موت (Albuquerque) المفاجئ وضعف القيادة البرتغالية الجديدة بعده في الهند وتحريض (توران شاه) للبرتغاليين ضد البحرين؛ جاءت كلها في غير صالح الجبور واتفاقهم مع (Albuquerque) ما أدى لتعرض البحرين للغزو البرتغالي الأول عام 1520. والدليل على ذلك أن الشيخ مقرن الجبري كان في موسم الحج ذاك العام، وإلا لو كان خلاف ما ذكرناه فكيف يعقل لقائد عسكري، مثل مقرن، يعلم بأنه في حرب دائمة مع أعدائه البرتغاليين أن يترك دولته هكذا مكشوفة للأعداء ويذهب للحج بلا مبالاة، والواقع التاريخي يؤكد بأنه فوجئ بذلك الغزو فرجع سريعاً لإنقاذ البحرين وهي جزء مهم جداً في مملكته. ولا نعلم تماماً من قام بترتيب فترة السلام والهدنة بين البرتغاليين والجبور، ولكن يبدو أن المصالح المشتركة لكلا الجانبين لعبت دوراً مهماً في تثبيت تلك الهدنة وغيرها وخصوصاً أن الجبور كانوا يحتاجون للمرور التجاري بحرية عبر مضيق هرمز إلى الهند لتصدير اللؤلؤ البحريني الثمين المشهور بأهميته في تجارة الخليج آنذاك. وكذلك لتصدير الخيول عبر ميناء البحرين ثم مروراً بهرمز وبالتالي إلى الهند، والعودة بالبضائع من ساحل المليبار من كاليكوت وجوا وغيرها إلى الخليج. ولا ننسي بأن السلع التجارية الهندية والقادمة من ملقا، هي السبب في ثراء مملكة الجبور. ومن ناحية أخرى، فإن البرتغاليين أنفسهم كانوا في حاجة ماسة لمثل هذه التجارة أيضاً بسبب الضرائب التي يفرضونها على التصدير والاستيراد عبر مضيق هرمز وهو سبب غنى مملكة هرمز أساساً منذ نشأتها في المنطقة في مطلع القرن الرابع عشر الميلادي.
العدد 3864 - الجمعة 05 أبريل 2013م الموافق 24 جمادى الأولى 1434هـ