خلال أسبوع، رَصَدنا جزءًا من أوضاع المنطقة. تحدثنا عن إيران ثم عن تركيا وأوضاعهما. وكان الهدف، هو تقييم أوضاع الدول المحورية في هذا الإقليم المضطرب، لكي نفهم إلى أين نحن سائرون، في ظل هذه الصراعات والنفوذ المتقاطع. اليوم نتحدث عن بلدٍ آخر.
إنه العراق. بلدٌ ذو كعبٍ أعلى بين دول كثيرة بجواره وما بعدها حتى. تاريخيًا، كانت إريدو وأوروك إحدى ملامح مستوطنات القرن الرابع قبل الميلاد. حَجَّ إليه السومريون والأكاديون. جغرافياً، هو من عظام رقبة الغرب الآسيوي، ومتجاور مع دولٍ رئيسية.
وعندما تكون الجغرافيا على هكذا حال، تصبح المصالح أكثر أهمية، وأكثر تشابكًا. كما تصبح الأرض، محطة للعبور، والتموضع، والحرب، والسلم، والائتلافات، ما يعني أنه بلدٌ قادرٌ على الحل والعقد، ومؤثرٌ على أهم الملفات والقضايا الإقليمية والعالمية.
في الثروة، هو يمتلك 11 في المئة من نفط العالم. وهو ما يساوي كل احتياطات «الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك وأوروبا الغربية وأستراليا ونيوزيلندا والصين، وكل آسيا غير الشرق أوسطية»، كما أشار إلى ذلك الخبير النفطي العالمي عبدالحي زلوم.
هذا هو العراق. اليوم، أتحدث عنه «خارجيًا» وليس في شأنه الداخلي، الذي تحدثتُ عنه في مرات عديدة. والحقيقة، أن الاحتلال الأميركي للعراق العزيز، في التاسع من ابريل/ نيسان من العام 2003، قد أصاب هذا البلد في مقتل. وجعله منكفئًا على نفسه، بفعل جراحه العميقة.
عمليًا، خَرَجَ العراق من دائرة التأثير الإقليمي، بعد العام 1990، عندما غزت القوات العراقية دولة الكويت. ثم توالت الأزمات والحروب على (وفي) العراق، مضافًا لها الحصار الأميركي الخانق ضده، والذي استمر أزيد من 12 عامًا، تحوَّل البلد بسببه إلى خرِبَة.
لكن، ورغم ضعف العراق، نتيجة لكل تلك الأزمات، فإن مُجرَّد بقاءه (آنذاك) بنبضٍ ضعيف كان يُعتبر وازنًا «إسميًا» في المنطقة، بالنسبة للعديد من الدول. بمعنى أن السياسة العدائية الأميركية له، ومناكفاته مع الأتراك والإيرانيين، وتعاونه مع بعض الحركات الفلسطينية المسلحة، وعدم تمكين الأحزاب الشيعية ولا الكردية كان كفيلاً ببقاء الأمور على حالها ولو بشكلها المهلهل.
بعد الاحتلال الأميركي – البريطاني وحلّ الدولة والجيش فيه، ماتَ العراق سريريًا. ثم وبعد دخول «القاعدة» إليه، واستعار الحرب الطائفية بداخله، تعسَّرت حالته أكثر. كان البلد، يُكابد من أجل شهيق واحد فقط. وكان الصَّد العربي واحدٌ من أهم حرمانه من النهوض.
بعد العام 2008 حين وَضَعَت الحرب الطائفية أوزارها بدأ العراق يستعيد جزءًا من وعيه وعافيته. وبعد العام 2010، حين شاركت المحافظات السُّنية في الانتخابات، بدأ العراق ينشط أكثر فأكثر. ورغم انقلاب المالكي على الميثاقية الجديدة مرة أخرى، فإن البلد زاد نشاطه، ولم يعد كما كان. ولو أن المالكي وحلفاؤه قبلوا بالقِسمة لكانت الأمور أفضل.
بدا أن العراق مرتبط أساسًا بمعادلة طردية في أمرين. الأول: هو أنه كلما زادَ الوضع الداخلي استقرارًا زاد حضوره السياسي الخارجي. الثاني: أنه كلما زادت علاقاته الدبلوماسية نشاطًا، نَتَجَ عنه الأمر ذاته كما هو في الحالة الأولى. لذا، فقد كان التحدي الرئيسي بالنسبة للعراق، هو أن يضبط داخله، ثم يفتح ثقبًا في واقعه مع العالم العربي.
كانت ثلاث دول خليجية، هي الكويت والبحرين والإمارات من أوائل الدول التي فتحت لها سفارات في بغداد، وقامت بأنشطة تجارية وسياسية مع بغداد. ثم بدأ الأخير في مد خيوطه باتجاه شمال افريقيا، حيث تونس والجزائر والمغرب (باستثناء ليبيا القذافي).
الكويت كانت تريد جوارًا آمنًا مع جغرافيا كانت تشكل لها مصدر قلق منذ العام 1990. لذا، فهي سارعت إلى تجسير العلاقة مع العراق قبل الجميع، وذلك لتحقيق تلك الضمانة. بل الأكثر، فقد تحوَّلت إلى شريك تجاري أساسي، ونقطة تموين نشطة معه.
البحرين والإمارات كانتا تطمحان إلى وجود لاعب إقليمي، يستطيع أن يحقق توازنًا استراتيجيًا في المنطقة في ظل اختلال موازين القوى، وفي الوقت نفسه شريك قادر على معالجة بعض من قضاياها.(يُمكن ملاحظة المشاريع الإماراتية في محافظة ذي قار).
أما الجزائر والفترة الأخيرة، بدأت تفكر جديًا في موضع لها في غرب آسيا، حيث تركيا في الشمال، وسورية في الجنوب، وإيران في الشرق. وخصوصًا أن الجزائر تاريخيًا كانت إحدى البلدان التي حظيت بعلاقة متميزة مع العراق، وسوَّت مشاكله الحدودية مع إيران.
مؤخرًا، بدأت علاقات العراق تتوطَّد مع الأردن ومصر. فمع الأولى، كان النفط وأسعاره التفضيلية، والأمن في المناطق الغربية أهم ما ميَّز هذه العلاقة. ومع مصر، فإن العلاقة تعزَّزت عبر موضوع العمالة المصرية، وكذلك التعاون بشأن الملف السوري والعلاقة مع إيران، كون العراق لديه علاقات خاصة وإستراتيجية مع طهران.
فضلاً عن هذا كله، فإن العراق لديه علاقات إستراتيجية مع غرب الأطلسي، ووسط وشمال أوروبا. الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، والدول الاسكندينافية. وهو ما أعطاه قدرة على الولوج إلى الدبلوماسية العالمية عبر هؤلاء.
في المحصلة، فإن العراق اليوم مهيأ لأن يلعب دورًا بعد أن يُحتَضَن عربيًا. وإذا استمرَّت بعض الأنظمة العربية، على النهج الأول في صَدِّ العراق عن محيطه العربي، فإن الحالة التركية قد تتكرَّر أمام مَنْ يحكمون العراق اليوم. فبعد أن سوَّفت أوروبا انضمام الأتراك للاتحاد الأوروبي، بدأوا في تغيير دفة مقودهم السياسي والاقتصادي والثقافي نحو بلدان الشرق الأوسط، والمناطق العربية.
العراق، حين لا يجد احتضانًا عربيًا شاملاً، فإنه سيزيد من توجهاته الأخرى، نحو دول خارج العالم العربي، سيجد مصالحه فيها وعلى أرضها. وخصوصًا بعد تحالف دول عربية أخرى مع الأتراك ضده. هذا الأمر مهم للغاية لأنه متعلق بالأمن القومي العربي.
كما أن ذلك، قد يُنتج علاقات عربية مشطورة، وتسير في اتجاهات متقطعة، كون العلاقات العراقية العربية ذات منازل ومحاطات متباعدة، مع دول دون أخرى. نتمنى أن يُدرك بعض العرب مثل هذا الأمر، وألاَّ يغريهم ضعف العراق، الذي قد يستثمره غيرهم.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3864 - الجمعة 05 أبريل 2013م الموافق 24 جمادى الأولى 1434هـ
صم بكم فهم لايفقهون
شكرا للكاتب على هذه النصيحة ولكن كيف تدعو ا للاطلال وقالت شعراء العرب حين خاطبت اطلالها ، فوقفت اسالها وكيف سؤالنا صما خوالد ما يبن كلامها ، واخر يقول
اعياك رسم الدار لم يتكلم حتى تكلم كالاصم الاعجم ،وقرء هذا الاخر يقول
وقفت بها اصيلا كي اسائلها عيت جوابا وما بالربع من احد
فيا اخي هؤلاء اطلال مضى الزمن عنهم وما عادالنصح يفيد
الثمن الباهظ
العراق أمانة في أعناق العرب فإن هم عادوه وحاربوه فإنهم سيدفعون الثمن غاليا
يا أخ محمد
إلي ماله أول ماله تألي حاولوا رزه بالعراق وما فلح تبيه يفلح في البحرين ما اعتقد