كل المحرق بشوارعها وأسواقها ومتاجرها وقديمها بكل ما يحمل من عبق وفرح، كنا نكتشف كل يوم في تجوالنا منطقة جديدة أو دكاناً جديداً أو شقاوة جديدة تحدث من واقع الاكتشاف والاستكشاف، وكان سوق المحرق كبيراً جدّاً في عيوننا وخيالاتنا. لكنني كنت أذهب الى دكان عمي (زوج أختي الكبيرة وأطلق عليه عمي لكبر سنه ومقامه فهو ابن عم أبي) بمعدل يومي لنتفرج على ما يبيعه وحركة البيع الممتعة. وبطبيعته النشطة كان يبتكر كل يوم مادة جديدة من مواد البناء مثل الطابوق المزين ونقوش الجدران المصنوعة من الجبس وأشياء آخرى لا تحضرني تفاصيلها. ولشقاوتنا فقد استغللنا لصق جدار عمارة عمي التي يسمح لنا بالدخول إليها واللعب داخلها طبعاً من دون تكسير أو أي لعب غير مقبول. وابتدعنا لعباً تخريبيّاً ليس له أي مبرر غير الشقاوة المخربة، فكنا نصعد سور العمارة (لا أعرف لمَ كانت تسمى عمارة مع العلم انها مخزن كبير للأخشاب ومواد البناء تقريباً) ونكسر لمبات سينما المحرق. كما كنا نقطع الأسلاك أحيانا ونهرب مع حبنا الكبير للسينما ومشاهدة الأفلام فيها وخاصة فيلم عنتر وعبلة (الذي كان يعرض لفترات طويلة). وقد وصلت سذاجة بعض الحضور إلى الذهاب للسينما لمشاهدة الفيلم نفسه أكثر من ثلاث وأربع مرات في الأسبوع بغرض أن عنتر كان يقتل عدداً أكبر من أعدائه كل ليلة، وأحياناً كنا نصدقهم حتي كبرنا وعرفنا أن عنتر لا يقتل إلا ما حدده له المخرج.
قرب العمارة كانت محطة البترول الرئيسية في المحرق أو عنوان ونقطة لقاء أكثر الناس، وعندما يستفسر صاحب الموعد عن أي محطة يجاب «إنها المحطة اللي عند ستيشن البستات» أي محطة الباصات الشهيرة جدّاً جدّاً في تاريخ البحرين (بعد باصات سالم خطر وهي الباصات التي تأخذ عمال شركة النفط من قرب الحديقة المائية الى عوالي وحقول النفط، ولم تعرف أصل التسمية سوى أن السائق اسمه سالم. وباصات المحطة، وكلها أميركية الصنع وأكثر نوعية انتشاراً هي (فورد)، كانت مملوكة لأشخاص وهم عادة ما يسوقونها ويكون لديهم عامل أو مساعد ينظف السيارة ويتسلم الأجرة من الركاب، ويسمى كلندر والكلمة في الأرجح فارسية. وكانت آنتين وهي نصف الربع روبية، وكانت تسمى الوره (الأجرة). ولما كان الباص ينطلق يقف هذا المساعد على عتبة الباب، وكان ينادي المنامة المنامة ما بقي إلا راكب أو راكبين، مع العلم أن الباصات كانت تسير بالترتيب دون زحمة أو منافسة. ولم تكن ملكية الباص تعني الثراء بقدر ما كانت موضع فخر لهذه الملكية ويطلق على صاحبها راعي الباص أو صاحب الباص، وعادة ما يكون غالبيتهم ملمين بميكانيكا السيارات وبمقدرتهم على عمل بعض التصليحات البسيطة في حال حدوثها. مركز شرطة المحرق كان أشهر مكان في المنطقة ولايزال في مكانه ولكن بتجهيزات ومبانٍ حديثة، وكان المركز قديما صغيراً وبه عدة غرف صغيرة، ولصيقاً به مبنى أو حجرة من دون باب وكانت عبارة عن حجرة وبها فتحة كمرحاض وأعمدتها منصوبة في البحر على صخور الشارع. ولطالما تساءلت عن الحكمة في الغرفة ولم أعرف حتى اليوم وإن لم افقد حماسي في معرفة الكثير مما مر بحياتنا ولم نعرف له سبباً أو تعريفاً أو مغزى، وهي معضلة نواقص الأبحاث التراثية والمرتبطة بصعوبات التدوين.
إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل السعد"العدد 3864 - الجمعة 05 أبريل 2013م الموافق 24 جمادى الأولى 1434هـ
الله يرحمك يابوي
أيام زمان
أخي الكريم صباح الخير أولا. كم تشدني كتاباتك التي تدكرني بالمحرق أيام زمان وأهلها الطيبين. واسمح لي ثانيا أن أقول لك ان "الوره" هي "الدور" كما نسميه بالعاميه, أما الأجرة فكانت تسمى الكروه. أما باص سالم خطر سمي بهدا الاسم ليس لإسم شخص كما دكرت, انما لأن الباص أثناء الإنحناء تلف مقدمته أما مكان جلوس الركاب بما أنه "مقلوص" فيلف بعد المقدمة وبدلك يسلم الركاب من الخطر. (محرقي/حايكي). اسمحوا لي الدال التي عليها نقطة لا تعمل لدي وشكرا