تعود مدينة سولو، المدينة الإندونيسية وسط إقليم جاوا، والمعروفة بالعنف ضد الأهداف الدينية، مثل تفجير 2011 لإحدى الكنائس، وأعمال العنف في أواخر التسعينيات ضد الأهداف الدينية للسكان من أصول عرقية صينية، تعود إلى الأضواء مرة أخرى. ولكن في هذه المرة، يعود الفضل إلى رئيس بلدياتها المحبوب السابق، جوكو ويدودو. سمي ويدودو، وهو اليوم عمدة مدينة جاكرتا، ثالث أفضل رئيس بلدية في العالم من قبل مشروع رؤساء البلدية العالمي في بداية العام 2013، وامتُدِح لنجاحه في «تحويل المدينة المليئة بالجريمة إلى مركز إقليمي للفنون والثقافة».
وليس ويدودو الوحيد الذي يساهم في تحويل سمعة سولو من مدينة نزاع إلى مدينة سلام، فهناك مقيم بارز في المدينة هو رئيس كنيسة محلية الأب باولوس هارتونو. ويعمل هارتونو حالياً مع قادة دينيين آخرين لإنشاء معهد سولو للسلام، وقد عمل لأكثر من عقد من الزمان مع مجموعات مسيحية ومسلمة مختلفة في جهود إنسانية، وقام بكسر حواجز نحو التواصل عبر الديانات وطوّر نموذجاً لبناء السلام يعمل على تحويل النزاعات إلى تفاعلات إيجابية.
في العام 2003 شارك هارتونو بتأسيس منتدى السلام عبر الديانات والجماعات، واعتبر هذا المنتدى مهماً لأن النزاعات الدينية والإثنية انتشرت في السنوات التي تلت عملية الإصلاح الإندونيسية العام 1998. كذلك قامت جماعة مسلمة شبه عسكرية تدعى حزب الله، ولا علاقة لها بحزب الله في لبنان، بمحاولات لإغلاق الكنائس وإجلاء الأجانب.
بذل هارتونو كافة الجهود لتغيير وجهات نظر الناس من خلال إبراز النواحي المشتركة بين الديانات، مثل قيم السلام والرحمة والحب الأساسي، التي تتشارك فيها المسيحية والإسلام، وشكّل هذا الجهد بالنسبة له ممارسة للرحمة كما يعلّم الدين المسيحي.
وكرئيس لمحطة إذاعة إيمانويل بمدينة سولو بداية العام 2005، قابل هارتونو بشكل متكرر زعيم الحزب المذكور ياني روسمانتو، وعبّر أثناء الاجتماعات عن رغبته بزيارة مركز قيادة الحزب، إلا أن روسمانتو لم يستجب له مطلقاً.
اكتسبت محاولات هارتونو إنشاء شبكة لحوار الديانات وفرصاً للمصالحة مع الحزب، قوة اندفاع بعد موجة المد البحري في أتشيه أواخر 2004. وتدير كنيسة طائفة المينونايت المسيحية مشاريع ترتكز على الديانات وعلى الأعمال الإنسانية واللاعنف من خلال بناء السلام محلياً، وكان هارتونو وقتها مسئولاً عن إدارة الكارثة، ودعا روسمانتو للمشاركة في الجهود الإنسانية في أتشيه. وقد تجاوب الزعيم هذه المرة إيجابياً وانضم إلى البعثة.
بعد أسبوعين من الاتصالات المكثفة في أتشيه، بدأ الزعيمان علاقتهما المنسجمة. في إحدى المناسبات طلب هارتونو من روسمانتو إلقاء كلمة، وبعد أن قال روسمانتو بضع كلمات، لم يتمكن الزعيم من الحديث وبدأ بالبكاء، فقد أثر فيه الالتزام الصادق للمسيحيين بمساعدة ضحايا موجة المد البحري ومعظمهم من المسلمين. وتعرّض تحامله السابق ضد المسيحيين بشكل جاد للتحدي نتيجة لما رآه.
أعيد إشعال هذه الشراكة عندما ضرب زلزال مدمّر يوغياكارتا العام 2006، حيث قام أفراد من حزب الله بحراسة الشاحنات التي تنقل المساعدات للضحايا من الكنيسة لضمان وصول المساعدات بسلامة.
أوجد الرجلان، هارتونو وروسمانتو، بعد ذلك شراكة بين محطتي الإذاعة التابعة لهما وهما إيمانويل وحيز، العام 2009، وبثا برنامجاً مشتركاً عنوانه «صوت السلام» لمدة خمسة شهور، وانضم إليهم محمد ديان نافع من أكبر منظمة إسلامية من التيار الرئيس في إندونيسيا وهي «نهضة العلماء»، كمتحدث. هَدَفَ هذا البرنامج إلى تنوير المستمعين حول معنى التعددية والسلام والتنوع والراديكالية، وقد استقبله سكان سولو بشكل جيد.
كسر هارتونو بنجاحٍ الجمود في التواصل بين المسلمين المتطرفين والمسيحيين في سولو، وأثبت أنه من خلال الرحمة والإنسانية المشتركة، يمكن تحقيق علاقة سلمية ترتكز على التفاهم المتبادل بين مجموعتين مختلفتين.
حضر العديد من الناس إلى سولو، التي يحكمها اليوم محافظ كاثوليكي، للتعلم عن جهود الديانات هذه، والتي بدأت تغيّر مدركات المدينة من العنف إلى السلام.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3864 - الجمعة 05 أبريل 2013م الموافق 24 جمادى الأولى 1434هـ