العدد 3863 - الخميس 04 أبريل 2013م الموافق 23 جمادى الأولى 1434هـ

حذاء الطنبوري!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الطنبوري تاجر بغدادي اشتهر ببخله الشديد، وأُلّفت حوله عشرات القصص والحكايات، وأنتج عنه الأردنيون مسلسلاً جميلاً كنا نشاهده أيام الطفولة في السبعينيات.

الطنبوري اشتهر بحذائه القديم، حيث كان يرقّعه برقعة من الجلد أو قطعة من القماش، كلما انقطع وتهرأ جزء منه، حتى أصبحت الرقع أكثر من جلد النعال، وغدا مضرباً للأمثال. وحين اقتنع بأنه آن الأوان للتخلص منه، كان يظهر من يعيده إليه من مكب القمامة! وهو ما دعا نقابة الحذّائين في سوق بغداد لتعيينه رئيساً فخرياً للدفاع عن دكاكين النعل والأحذية.

كان رحمه الله رجلاً تقليدياً لا يحب الحركات ولا الحراكات، وكان كل همّه جمع الدوانيق والدريهمات، فهي مطلبه الوحيد في الحياة الدنيا، فالدنيا من غير (خردة وبيزات) لا تساوي شيئاً كما كان يقول. وحين كانت تنشب مشكلة بين الرصافة والكرخ في بغداد، يردّد إننا نحتاج إلى حوار للتوافق على طريقةٍ متوافَقٍ عليها للوصول إلى حل، حتى لو استمرت جلساته مئة عام.

وكانت له نظرة سياسية واقعية ثاقبة، فالخروج من عنق القارورة يحتاج إلى خمسة أشهر، والخروج من المشكلة يحتاج إلى خمسة أعوام، والخروج من الأزمة وتجاوز الثقوب فيحتاج إلى خمسين عاماً، أما الوصول إلى حلّ نهائي دائم وعادل وشامل بين الرصافة والكرخ فيحتاج إلى مئة عام! ولكن يمكن تقليص هذه الفترة إلى 99 عاماً إذا توفّرت الجدية والنيّة الصافية بين المتحاورين!

وكانت له بعض النظريات السياسية المتقدمة في إدارة الحوارات، من واقع تجربته الميدانية في حل الأزمات، فهو يؤمن أن الذين شاركوا في حوارات الكرخ يمتلكون خبرة متميزة وحنكة وجسارةً وقوةً وصلابةً في الحوار مثل صلابة الجدار. كما كان يعتبر أول الشروط المطلوبة لنجاح الحوار وجود الوالي كطرفٍ في الحوار، لكنه يرفض تمثيله في الحوار بأيّ شكل من الأشكال، لأن ذلك مخالفٌ للشريعة الإسلامية الغرّاء! ومن الناحية التقنية البحتة، يؤمن بطريقة الغموض المقصود، ويوصي المتحاورين بعدم الكشف عن أية تنازلات إلا بعد الجلوس على طاولة الحوار ليرى ما سيقدّمه الطرف الآخر من تنازلات.

وكان الطنبوري يرحمه الله، يؤمن بنظرية الهرم المقلوب في حل المشكلات، بحيث يتم البدء بالقضايا التي لا يختلف عليها اثنان ولا يتصارع عليها عاقلان، مثل توفير مواقع للسابلة عند الخانات والبيمارستانات، ثم يتدرّج إلى توفير العلف والحشائش للدواب والقمح والشعير لبني الإنسان، فذلك يساعد على إزالة الاحتقانات وقطع المسافات، حتى لو كانت بمئات الفراسخ، ليصلوا أخيراً إلى المشاركة في بيت مال المسلمين.

وكان الطنبوري بليغاً فصيحاً، ومتحدّثاً حاذقاً، وقد اعترف الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين» أنه أول من اشتق عبارات مثل «حذاؤك حصانك»، و«في العجلة بصلة»، و«إذا رمت النجاة فلا تخلط الآليات بالأجندات»، و«لا تضع العصا في الدولاب». كما كان يكره كلمات مثل «قانون» و«عدالة» و«مساواة»، لأن الناس خُلِقوا مختلفين، في الشكل واللون واللهجة والمنطقة السكنية والقبيلة والفلوس، وبالتالي لابد من المفاضلة والتمييز والتفرقة بين الناس، فهل يستوي شخص يمتلك عشرة ملايين دينار مع شخص مرقّع لا يمتلك درهمين في جيبه؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3863 - الخميس 04 أبريل 2013م الموافق 23 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 32 | 2:01 م

      الاصعب

      الصعوبه في مئة السنه فقط فصبرا جميلا!!!

    • زائر 31 | 10:28 ص

      ها

      طول هالمدة وأنا أفكرها كلمة هندية ..ّ

    • زائر 30 | 8:05 ص

      سيدنا مرة ثانية اكتب عن جحا (هذا الرجل الذي لا يغير كلامه لأن الرجل عند كلمته)

      سألوا جحا يوما: كم عمرك؟ فقال عمري أربعون عاما وبعد مضي عشرة أعوام سئل أيضا عن عمره فقال عمري أربعون عاما فقالوا له: إننا سألناك منذ عشر سنين فقلت إنه أربعون والآن تقول أيضا إنه أربعون فقال: أنا رجل لا أغير كلامي ولا أرجع عنه وهذا شأن الرجال الأحرار... ولو سألتموني بعد عشرين سنة فيكون جوابي أيضا هكذا لا يتغير.

    • زائر 29 | 6:46 ص

      استاذ قاسم

      موضوع ذو مغزى ، والبيب بالاشارة يفهم ، لقد ضربت على الوتر الحساس يا قاسم ، شكرا مرة اخرى على الموضوع

    • abalmansoor | 5:05 ص

      إسقاطات

      ههههههههه من شدة إعجابي بهذه الإسقاطات يا سيد بغيت اسوي ريتويت وبعدين أذكرت ان أنا في الجريدة مؤ تويتر

    • زائر 27 | 3:49 ص

      طنبرتها

      طنبرتها يا سيد وقعدت

    • زائر 24 | 3:15 ص

      الطنبوري وش قصته

    • زائر 22 | 3:09 ص

      على قولة حجي عباس رحمه الله والعاقل يفهم

    • زائر 21 | 2:38 ص

      بصراحة اعجبت بالطنبوري هذا ايما اعجاب ،

      وخصوصا هذه المفاهيم مثل «حذاؤك حصانك»، و«في العجلة بصلة»، و«إذا رمت النجاة فلا تخلط الآليات بالأجندات»، و«لا تضع العصا في الدولاب». كما كان يكره كلمات مثل «قانون» و«عدالة» و«مساواة»، التي يجب أن تكتب بما الذهب وتعلق على بوابة الصرح الديمقراطي المجلس الوطني بجناحيه البرلمان والشورى ،
      وارجو تطبيق سياستة على واقعنا فورا فهو الفانوس السحري لمشاكلنا وشكرا لكم على هذا الاكتشاف الطنبوري المميز فأنتم دائما وابدا مميزين يا كتاب الوسط والوسطية

    • زائر 20 | 2:36 ص

      مسألة لا مشكله وعامل الناس مثل ما تحب

      قد لا يكون في التأني السلامه ولا في العجلة الندامه، كما قد تكون العجله فيها مشكله فهي من الشيطان. هنا الشيطان قد تصدر منه وسوسه وهلوسه للساسه لنقول أن المفاضله والتمييز ليس بمسأله تشبه ولا تشابه فرق تسد. فلا سيادة للقانون ولا عداله ولا تهرب المساواه عن القانون، وإنما عن الضرائب والرسوم الجمركيه... فهل في العدل ضيق أم في الهروب عن العدالة عزاء لمن هرب عن الحق والتجأ الى النفاق بالمجامله ونسي أن الدين في المعاملة؟

    • زائر 19 | 2:31 ص

      طنبورها

      خلاصة الكلام عن خوار الزمان ان الخوار طنبور وما يطنبر فهو طنبور حتي صار خوار الطنابير وفي الختام طنبورها.

    • زائر 18 | 2:26 ص

      بصراحة اعجبت بالطنبوري هذا ايما اعجاب ،

      وكان الطنبوري بليغاً فصيحاً، ومتحدّثاً حاذقاً، وقد اعترف الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين» أنه أول من اشتق عبارات مثل «حذاؤك حصانك»، و«في العجلة بصلة»، و«إذا رمت النجاة فلا تخلط الآليات بالأجندات»، و«لا تضع العصا في الدولاب». كما كان يكره كلمات مثل «قانون» و«عدالة» و«مساواة»، لأن الناس خُلِقوا مختلفين،
      وارجو تطبيق سياستة على واقعنا فورا فهو الفانوس السحري لمشاكلنا وشكرا لكم على هذا الاكتشاف الطنبوري المميز فأنتم دائما وابدا مميزين يا كتاب الوسط والوسطية .

    • زائر 17 | 2:01 ص

      ههههه

      حلوه

    • زائر 16 | 1:45 ص

      هو الطمبوري

      حتى تم تعيين الطمبوري ...

    • زائر 15 | 1:24 ص

      طنبوري

      وطنبوري البحرين يتحكمون فيه بالرموت حتى يصل الى ما يريده المتحكم في الريموت الطنبوري البحريني يحب المال الحرام ويكسب المال الحرام على ظهور الفقراء من الشعب وهو مستعد ان يبيع كرامته الى الظالم بشرط ان يضمن مكانه كمطبل وخادم الى الظلم طبوري يريد ان يعطل ...

    • زائر 14 | 12:57 ص

      عجيييييب

      خف على الريموت ترى هو متوهك ، الفلوس حلوة والفضيحة مرة ، كفاية عليه كل ما يبغي يكحلها عماها، الله يعطيك العافية ، خلك ورآهم وبرد أفادنا فيهم.

    • زائر 13 | 12:55 ص

      ابو القاسم الطنبوري

      وحذاؤه الشهير المرقع لو اتخذ قدوة فلن نرى افضل الماركات من الاحذية الجلدية واصبحنا كلنا طنبوريون

    • زائر 12 | 12:51 ص

      حذاء الطنبوري

      بارك الله فيك سيد ذكرتنه بهلقصة ، من ذكريات الابتدائي

    • زائر 11 | 12:51 ص

      سلِمْتَ و سَلِمْ قَلَمُك الشريف

      هههههه ويلي عليك يا استاذ قاسم صدق اليوم موضوعك بلاوي من حلاوته و بلاوي لانك ذكرت الواقع المريييير جدا الله يواليك العافيه يا نبض الوسط

    • زائر 10 | 12:44 ص

      عيل طمبورهــــــا ...!!

      الطنبوري اشتهر ببخله الشديد، يكره كلمات مثل «قانون» و«عدالة» و«مساواة»، لأن الناس خُلِقوا مختلفين، في الشكل واللون واللهجة والمنطقة السكنية والقبيلة والفلوس، وبالتالي لابد من المفاضلة والتمييز والتفرقة بين الناس، فهل يستوي شخص يمتلك عشرة ملايين دينار مع شخص مرقّع لا يمتلك درهمين في جيبه؟

    • زائر 9 | 12:16 ص

      هذا الطمبوري ...

      وياسيد ماقلت لينة في أي قرن عاش أو عايش.

    • زائر 8 | 11:48 م

      ذاك ما أرادوه

      اشغالكم بما لا طائل منه وفيه ونأوا بانفسهم وهم يتفرجون يديرون المعركة بين
      من أرادوا
      كما علمتهم الأم بعد ان فشلت في المواجه المباشرة انتدبت من يمثلها ويحارب
      عنها والشواهد افغانستان والعراق وبعدهما تغير الاسلوب والمنهج انتدبوا من
      يحارب بالنيابة عنهم فانبرى المجاهدون يدرون أو لا يدرون بانهم يحاربون بالنيابة
      تحت عناوين واسماء مختلفة لكنها ذات هدف واحد ومصدر واحد اعدادا وتمويلا
      ولعل لدينا نموذج مصغر والمطلوب توجيه السهام للهدف الاساسي ولا يشغلنا
      وذاك ما أرادوه لنا

    • زائر 7 | 11:03 م

      في القلب شجن كبير ..

      ماذا أقول وفي قلبي من الألم ..... ما قد يفجر بركاناً من الحمم .. تسلم أناملك أخ قاسم حسين وننتظر المزيد من فيضك

    • زائر 6 | 10:46 م

      لسان طنبوها

      صار عندنا طبورها في البحرين ، ومن من كثر ما يرقع بيثقل عليه وما بيقدر يمشي ، والله طمبورها قصه حلوه خصوصا انه يخاف من القانون والعدااله والمساواه وبعد يخاف من حملت الشهادات لان يعرف هذا السلاح مايستعمل من قبل الارهابين الفاشلين المفلسين

    • زائر 5 | 10:44 م

      ههههههه

      ظلمت الطنبوري يا سيد ...

    • زائر 4 | 10:04 م

      احسنت سيدنا

      الطنبوري زوج طنبورها تزوجوا جابو طنابير وأخيراً طنبورها يطلع فيها والطنبوري يبي يرقعها ههههههههه

    • زائر 3 | 9:52 م

      هههه تسلم يدك بو هاشم

      مقال رائع واتمنى لك مزيدا من التوفيق بس بصراحه افحمته هالفلته... هههه يسوي روحه فاهم كل شي بعد .ههههه

    • زائر 2 | 9:52 م

      رحمك الله ياطنبوري

      كان الطنبوري يرقع حذائه .. و كطنابرت زماننا يرقعون عورات وطن ...

    • زائر 1 | 9:52 م

      تسلم

      ليس من الممكن التوافق بين الطرفين اي الرصافة والكرخ
      لان الحوار ليس قائم بين الأطراف المعنية

اقرأ ايضاً