العدد 3862 - الأربعاء 03 أبريل 2013م الموافق 22 جمادى الأولى 1434هـ

أيها الحبُّ: أنتَ عُمْرٌ إضافيٌّ

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

الكلام عن الحب، الكتابة عن الحب، كلام... كتابة بشأن قيمة تكاد تكون غائبة. أقول: تكاد. ثمة حبٌّ ولو في الحدود الضيقة من اتساع الحياة؛ لكنه لا يكاد يكفي قبيلة بشرية؛ عدا الحديث عن مليارات سبعة ونيّف متكدّسين على الأرض التي تكاد تضيق بهم في جغرافية وتتسع في جغرافية أخرى.

في الضِيق تبرز أخلاق «الزحمة»: التوتر والانقباض وسوء الخُلُق، متبوعاً بأمراض لا أخلاقية من بينها زنا المحارم في البيئات المزدحمة والمفككة. ذلك كان جزءًا من دراسة أجراها باحث بريطاني عبر انتخابه لنماذج عشوائية في أكبر مدينة (عاصمة) مزدحمة في العالم، وجد مثل تلك الأمراض حاضرة وشائعة، من دون إنكار حضورها في بيئات أخرى ليس بالضرورة أن تعاني من ذلك التكدّس وازدحام اللحم البشري؛ خلا ازدحامها بآلاته وأشيائه ومعطى تواصله في تلك البيئات.

كأنه الحاضر الغائب (الحب) في معناه الذي يُوجِدُ توازناً في هذه الحياة، ويجعلها تستحق أن تُعاش وتعمُر بذلك التجانس الذي بات مفقوداً إلا قليلاً. الحب الذي يجعل القلوب تكاد تكون واحدة في ذهابها إلى تلك الحياة وتعاطيها مع بشر وكائنات وحتى أشياء تلك الحياة والإنسان. هو عمرُنا الإضافي، ذلك الذي نتخلّى عنه ونقامر به في المفاصل الصعبة التي نستسلم لها ولا نحرّك ساكناً لمواجهة ما يدبّر فيها ومن خلالها.

حين نفتقد تلك القيمة الكبرى في محيطاتنا ومجتمعاتنا الخاصة والضيّقة يصبح من الصعب أن نضحك على العالم بأننا رسُل حب لهم غير رسميين. ليس من باب قاعدة «فاقد الشيء لا يعطيه» مللنا تكرار تلك القاعدة، ولكن من باب أنه تخلّى عنه بوعي منه أو من دون وعي. فاقد الشيء قد يكون لا يملكه أساساً أو لا يستطيع أن يدنو من امتلاكه أحياناً. نتحدث هنا عمّن امتلكه وراسخ فيه ثم وجد أنه لا ينتمي إليه، وأحياناً يراه مُكْلِفاً. أن يحب بمعنى أن يؤمن أنه ليس وحده. ألاّ يمعن في التورّط بما يقتل ذلك الحب: الأنانية وحب الذات بشكل مرَضي مرعب، لا يرى ما عداه ولا يؤمن بحقه في قسطٍ من تلك الحياة بكل مواردها ومقوماتها وما يجعلها حياة بمعنى الكلمة لا مجازاً وظاهراً من الأمر، تنفّساً ومشياً في الأسواق وإنجاباً وتقوّتاً. ذلك أمر تشاركنا فيه بعض مخلوقات الله من البهائم، على رغم أن بعض تلك البهائم مترسّخة فيها قيمة الحب على الأقل مع نوعها.

بين اثنين، الحب عمر إضافي لكليهما. في العائلة، في المكتب، في الشارع، في دور العبادة، في أوقات الإنسان حتى وهو مختلٍ بنفسه. لن يكون وحده بحاسّة الحب اليقظة التي يمكن أن تملأ حيّزه ونفسه وروحه. في الاجتماع البشري. في البلد الواحد الذي يريد أن يكون موحّداً ومحصّناً من مخططات تفتيته والعبث بتعايشه الذي وعت مكوّناته عليه فكان بالنسبة إليها بمثابة الهواء الذي تتنفس والضوء الذي تتزوّد منه والعبقرية التي تراكمها. ولا أعتقد اليوم أن المنجز البشري الذي يذهب في خط صالح الإنسان هو نتاج ضغينة وكراهية. هو نتاج حب على طريقته في صور معادلات ولوغاريتمات ونظريات فيزيائية وكيميائية وحيوية تمكّن الحب وترفده بما يجعله يتراكم وييسّر له الضرب في أطناب الحياة وجهاتها.

ثم إنه بالعودة إلى تكريم الإنسان من قبل خالقه بدأ بالحب، وأراد له أن يفعّل ذلك التكريم بجعل الحب منطلقه في كل حركة وتحرّك في الحياة التي يحياها؛ كي تكون حياة في معناها الحقيقي والعميق. لا يمكن أن يشمل ذلك التكريم أولئك الذين لا يُحسنون في الحياة سوى تأزيمها واحتوائها واحتلالها وحصرها على أنفسهم في حرمان ومصادرة مقيتة لحق ما عداهم.

حتى الإعمار البشري لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يحقق وأن يكون شيئاً مذكوراً بعيداً من الحب، تورطاً في النقيض.

خزائن الله في أرضه أن تتعمق قيمة ذلك التكريم البشر، ولن يحدث لذلك القيمة أن تتسيّد وتجد طريقها تفعيلاً وتكريساً في الحياة بذلك الهوَس المرضي، بالشعور بـ «الزحمة» ولو في أرض خلاء إلا مع المختلف معه؛ إلا مع الذي لا يلتقي معه أو هو لا يريد وقرّر ألاّ يلتقي معه. يريده احتراباً سواء عبر ضخ مكنة الفتاوى المزيّتة بالمنافع والمصالح ووهم التميّز والتمايز؛ أو عبر آلة جهنمية يطّلع بها الراسخون في المخططات، مخططات التفتيت والبتْر.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3862 - الأربعاء 03 أبريل 2013م الموافق 22 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً