العدد 3859 - الأحد 31 مارس 2013م الموافق 19 جمادى الأولى 1434هـ

التخلف هو دائماً حصيلة القرارات الخاطئة

هيا بنت راشد آل خليفة comments [at] alwasatnews.com

(كلمة القتها في افتتاح الملتقى العربي - التركي تحت شعار «نداء المنامة»)

الأخوات والإخوة الكرام،

أسعد الله صباحكم بكل خير،

يسعدني أن أرحب بكم جميعاً في البحرين، التي تسعد بوجودكم كما تثمن لكم هدفكم النبيل الذي تجتمعون من أجله، وأرجو أن يكون حضوركم واستقبالكم قد تم بيسر، كما أعتذر مسبقاً عن أي تقصير، فأهلاً بكم.

أيها الإخوة

نحن نجتمع اليوم في اللقاء الثاني التنظيمي لفكرة رائدة هي بناء جسور من الثقة والفهم بين العرب والأتراك، كجزء من السعي الدؤوب بين أهل الدراية والمعرفة، بأن بناء تلك الجسور هي أساس العلاقات الإنسانية الصحية وبناء السلام والأمن الذي يطمح المجتمع العالمي لتحقيقها.

كما أود بهذه المناسبة أن أهنئ الجانب التركي على نجاح العملية السياسية الأخيرة في إحلال الوئام مع مكون مهم من مكونات الشعب التركي في حل قضية أرّقت الأتراك وغيرهم في المنطقة والعالم، وهي الموضوع الكردي، إخوة في الدين والمواطنة، فتوافق مكونات الشعب التركي الذي جاء حله بالحكمة، يطلق طاقة تركيا باتجاه بناء دولة مدنية حديثة مؤثرة في محيطها، ولم يكن ذلك ليتم لولا حكمة القيادة التركية وبعد نظرها في وضع الحلول السلمية والعلمية للتغلب على الصراعات.

أيها الإخوة

ما نحن بصدده اليوم هو عمل كبير، يحتاج إلى جهود منظمة ودؤوبة، ولفترة طويلة حتى يبلغ أجله الذي نرغب، فهو لقاء تطوعي من أجل الفهم المشترك على قاعدة الاحترام وتبادل التجارب وترقية المصالح المشتركة، وهو عمل معني أساساً بالفهم الثقافي، حيث إن المصالح التجارية المشتركة بين تركيا والعالم العربي مزدهرة وفي نمو، ما يجب إكماله وما نتطلع أن يتم في مثل هذه اللقاءات هو الفهم الثقافي المشترك للمصالح الاستراتجية العليا.

عملنا هذا، من جهة أخرى، بدأ بمثله غيرنا، ولكنه لم يتمأسس ونحن بصدد مأسسته، الآن وفي المستقبل، حتى يبنى على قواعد ثابتة، تحمل البنيان الذي نطمح إليه، وهو فهم وتفهم للمشتركات والجوامع بين العرب والأتراك في هذا العصر سريع التحول.

لقد مررنا كعرب وأتراك بمراحل تاريخية سابقة وضمتنا مسيرة طويلة بلغت ستة قرون من الزمان، أي تقريباً نصف التاريخ الإسلامي، وثم دخلنا في جدل عبثي جله إيديولوجي - بعد الحرب العالمية الأولى - وكان أساس هذا الجدل المعلومات الخاطئة التفسيرات المبتسرة لبعض تلك المسيرة، لدى الطرفين العربي والتركي، أبعدتنا تلك التفسيرات عن بعضنا لسبع عقود تقريباً، وكان جلها قد طبعت بطابع (تهويل الخصومة) و(تضخيم الفوارق).

لقد عانينا جميعاً من هول الترتيبات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، من تدخل أجنبي إلى احتلال بعض أرضينا، وأشرعنا سيف التاريخ في صورته المنتقاة على ماضينا المشترك، وعندما قرأنا التاريخ بكلياته، اكتشفنا نحن العرب، كما اكتشف الأتراك، أن ضعف أحدنا هو ضعف للآخر، وأن قوة أحدنا هو قوة للآخر. إلا أن بعضنا وبعض مكونات الثقافة السائدة، لم تصل لها هذه الرسالة، وهذه هي أحد المهام التي يجب أن يضطلع بها هذا الجمع ومن سوف ينضم إليه في المستقبل.

الخطاب العربي المنفعل - بعد الحر بالعالمية الثانية وما تلاها - تحكم في تشكيل وعي جيل كامل من العرب تجاه الأتراك، كما تشكل لدى الترك وعي بضاعته ظرفية تجاه العرب، فتباعدت العقول، وتنافرت القلوب. لقد وقعنا جميعاً في خطأ قراءة التاريخ قراءة مبتسرة ودفنا إيجابيات قرون في سوءات عقود، فكانت ردود الفعل عاطفية بلا إمعان فكر، أو إحاطة بالظروف والعوامل المتداخلة التي دقت آسفين التباعد، وفي بعض الأحيان التناقض.

في عصر القوميات التي صبغ النصف الأخير من القرن التاسع عشر والأول من القرن العشرين، اصطبغت الحركات والجماعات بوعي مفصل على مقاسها الجغرافي/ الإثني، وتناسينا جميعاً إرث تاريخي وتجربة طويلة هي تقريباً ستة قرون من المسيرة المشتركة، وعندما نظرنا إليها نظرنا فقط إلى نصفها الفارغ وتجاهلنا النصف الممتلئ.

وعندما نعود اليوم لنفهم ونتفهم، لا لكي نعيد ما مضى، ولكن لنعرف أن كل منا إثر في الآخر، تعلمنا من بعضنا ونرغب أن نعمق هذا التفاعل الإيجابي، ولعلي هنا أشير إلى أحداث قد صرفت عنها الأنظار، فكتاب الشيخ علي عبدالرازق (الإسلام وأصول الحكم) الصادر عام 1925 اعتمد كلياً على وثيقة تركية صدرت في مرحلة التحول التركي الحديث، وهي وثيقة (الخلافة وسلطة الدولة) يعرف هذه الوثيقة المؤرخون العرب والأتراك، ومازال مثل هذا التأثير والتأثر في المجال الفكري والثقافي سائراً بشكل واضح أو خفي. لقد مهدت أفكار الوثيقة كما كتاب الشيخ علي عبدالرازق إلى تطور نوع من الحكم المدني الحديث في ربوعنا، دون إخلال بالسياقات التراثية، فقد اعتمدت الوثيقة والكتاب بعدها، على البحث في المقاصد والمصالح وأولياتها، وهي الأبواب الكبيرة للتحديث الذي تشتاق إليه شعوبنا على قاعدة المواطنة والمأسسة.

أيها الإخوة

لقد استقر في قناعتي أن التقدم هو حصيلة كل القرارات الصائبة، وأن التخلف هو نتيجة كل القرارات الخاطئة، وفي يقيني أننا نتخذ القرار الصائب في تشكيل وتفعيل هذه المجموعة من الأتراك والعرب، والتي أرجو أن تتوسع تدريجياً في المستقبل، ليشكل نتاج عملها وعي جديد بأهمية الفهم على قاعدة نعلم ونتعلم، ونستعرض تجاربنا الناجحة معاً ونحذر من القرارات الخاطئة معاً، حتى يتحول ما نرغب في تحقيقه إلى وعي جماعي.

علينا أن ننظر إلى أنفسنا ونعيد تقييم تجاربنا، حيث إن التجربة التركية الحديثة تنفي ما استقر عليه البعض خطأ أن (آفة التخلف) قد نسخت في شريطنا الوراثي كمسلمين وعرب، كما أن تجارب العالم تدل دون شك على تعدد مسارات النهضة والرقي والتقدم والتنمية، فليس هناك نموذج فريد وما من وصفة واحدة للنجاح وما من شعب أو شعوب فرضت عليها حتمية التخلف فقط علينا أن نستخدم عقولنا.

ولكن هناك عوامل في المقابل تؤدي إلى فشل النهوض، منها تأجيج الصراعات الإقليمية أو الداخلية التي تستنزف الطاقات، ومنها نقص المناعة الفكرية التي تجعل قسماً من الجمهور ينقاد إلى أفكار تكتنفها الهتافات الصاعقة أو المقولات الخرافية، ما يستنزف الطاقات ويبدد الموارد.

أيها الإخوة

عالم اليوم مليء بالتحديات الجديدة وطافح بالمفاجئات غير المتوقعة ولدينا الكثير مما نتعلم منه من بعضنا، من أجل خلق وعي جديد معتمد على المعرفة وإرادة سياسية شجاعة التزام بما تفرضه المسيرة العالمية من احترام حقوق الإنسان وضوابط الحريات والعيش المشترك وتقاسم ثمار التنمية وحق الإنسان في استخدام معارفه ومواهبه لتحقيق ذاته ومصالحه، كل ذلك يحتاج إلى شرط مسبق هو تحقيق الاستقرار وإشاعة السلام بين الشعوب.

وفقنا الله إلى ما نصبو إليه

والسلام عليكم ورحمة الله

إقرأ أيضا لـ "هيا بنت راشد آل خليفة"

العدد 3859 - الأحد 31 مارس 2013م الموافق 19 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 9:09 ص

      المصلي

      الى الشيخه هيا بنت راشد آل خليفة المحترمة تعقيبا على كلامك بماتفرضه المسيرة العالمية من احترام حقوق الأنسان وضوابط الحريات ( والعيش المشترك) ولنضع هذه الكلمتين الجميلتين في مدلولها العميق حيث اننا لوطبقناها على الواقع المعاش في حياتنا لما خرج الشعب أي شعب مطالبا بحقوقه المسلوبة وعرض نفسه الى الكثير من المهالك ولما اريقت قطرة دم واحدة ولأكلنا من خيرات اوطاننا حاكمين ومحكومين متحابين ومكملين مسيرة البناء لرقي اوطاننا حيث أن العدل هو اساس الحكم

    • زائر 7 | 4:00 ص

      التخلف والمخالفه في عصر المعلومة

      قد تكون النقطة فوق حرف الغين في الغرب تفرق عن لا شيء فوق حرف العين في العرب لكن التحميش والتجميل قد لا تكون من القواعد المتبعة في بلدان العالم الثالث. فنرى أن الغرب والدول الأخرى المتقدمة تقر وتعترف بأفضلية إختيار وإستئجار وتوظيف حسب المصنفات القوي الأمين كما ذكره الله في القرآن. عدم وجود هذا القرار والاقرار في الدول الاسلامية العربية وقد لا تشم رائحة سوى أن الأكرثية تقرأ لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. وهنا سؤال أيهما أفضل العارف أم الفاهم؟

    • زائر 6 | 3:21 ص

      مدّ الجسور الى أقصى بقاع الارض وقطعها في داخل البحرين

      نعم هناك محاولات لمدّ الجسور الى كل العالم
      وهناك محاولات لقطع كل جسور التواصل مع شعب البحرين!
      لأن شعب البحرين طالب بشيء من حقوقه فأصبح لا بد من قطع الوصال معه
      بل اقول اكثر من ذلك يجب تقطيع اوصال الشعب البحرين واجسادهم لانهم
      قالوا نريد حقوقنا

    • زائر 4 | 1:35 ص

      هذا ما اتمنا ان يتحقق في وطني احترام حقوق الإنسان وضوابط الحريات

      من أجل خلق وعي جديد معتمد على المعرفة وإرادة سياسية شجاعة التزام بما تفرضه المسيرة العالمية من احترام حقوق الإنسان وضوابط الحريات والعيش المشترك وتقاسم ثمار التنمية وحق الإنسان في استخدام معارفه ومواهبه لتحقيق ذاته ومصالحه، كل ذلك يحتاج إلى شرط مسبق هو تحقيق الاستقرار وإشاعة السلام بين الشعوب.

    • زائر 3 | 1:20 ص

      مشكورة على المقال

      مقال رائع وفيه من العبرة

    • زائر 2 | 11:41 م

      آفة التخلف

      آفة التخلف هى العقل البشرى الذى يتمسك فقط بما يعرفه و يمنع التطور برده كل حديث و جديد. هذا ينطبق على كل المجتماعات بصورة عامة. الا إن الولايات المتحدة و بعد الحرب العالمية الِأولى تغيرت و تقتبس كل جديد و تطوره و تسوقه. أما عندنا فكل جديد منبوذ. كل مخترع مفلس. كل مكتشف يجب أن يهاجر الى إمريكا ليقدر. فقط شاطرين فى تكبيره و تعظيمه عند وفاته. طالما لا تتغير طريقة التفكير لا نشفى من آفة التخلف. " إن الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (تغيير طريقة التفكير).

اقرأ ايضاً