العدد 3857 - الجمعة 29 مارس 2013م الموافق 17 جمادى الأولى 1434هـ

وهج تحتفي بيوم الشعر العالمي وتكسر المألوف

تصوير أحمد ال حيدر
تصوير أحمد ال حيدر

تحاول فعالية وهج في يوم الشعر العالمي أن تكسر المألوف في تلقي الشعر، فيا ترى إلى أي مدى استطاعت العبور نحو أفق آخر؟ ما الجديد في إبداعات الشعراء حين اختاروا نصوصهم؟ وكيف قدموها عبر الشرط الذي اجترحوه لأنفسم في كسر المألوف والخروج على النمطية في الإلقاء والإنشاد؟ وكيف كان تعاطي جمهور الشعر مع المنحى الذي اعتمده كل شاعر لقصيدته في التواصل مع المتلقي؟ وما صورة هذا المتلقي الذي ترصده قصيدة من هذا النوع؟ وماذا وراء فعالية وهج من قراءات وتآويل قادمة.

هكذا ارتأت مجموعة وهج في يوم الشعر العالمي أن تقدم فعاليتها للاحتفاء ببهجة الشعر على غير المعتاد، فذهب كل مبدع للبحث عن شكل غير مألوف يستطيع من خلاله التواصل مع متلقي الشعر، وتناوب الشعراء في احتفاليتهم على الشارع المقابل لصالة الرواق للفنون، خارجين إلى الأفق المفتوح طارقين اللامألوف في تقديم إبداعاتهم حيث ذابت الأحرف وسط الماء، وتعلقت على حبل الغسيل، أو تسطّرت على الجدران أو حضرت كخربشات في الثياب، أو تعلّقت على أوراق الشجر، أو تدثرت بالرمل والتراب، أو تماهت مع اللوحات الفنية.

وفي هذه الفسحة الإبداعية تستضيف «فضاءات الوسط» أربعة من شعراء فعالية وهج لتقرأ ما وراء التجربة في احتفائهم بيوم الشعر العالمي، وقد اختار الشاعر أحمد الستراوي أن تقدمه ابنته بنص هو «سأخبركم عن أبي»والتي أطلق عليها أحدهم طفلة الشعر فيما تمنت شاعرة أخرى الفتاة ألا تتوقف عن القراءة.

في حين اختار الشاعر مهدي سلمان نصوصاً من مجموعته «أخطاء بسيطة» تتعلق بالحب، والوطن والثورة مؤكداً رؤيته في استحضار المتلقي في النص وهو ما علمتنا إياه الثورة بحسب تعبيره.

بينما قدم الشاعر علي زهير نصّاً قصيراً متماهياً مع مساحة الاحتفالية، مؤكداً أن أجمل القصائد هي تلك التي لم يكتبها بعد.

أما الشاعر أحمد رضي فقد ألقى قصيدتين مستظلا بلوحة للشاعر الفرنسي أرتو رامبو وصاحب إلقاءه ترجمة من قبل الشاعرة زهراء الشهابي قدمتها عفو الخاطر، وأشار رضي إلى أن مشاركته في وهج جاءت انسجاماً مع رؤيته للشعر الذي يدخل في الحياة العامة وفي العلاقات بين الأشياء في العالم من أجل منحها دلالات متجددة ومن أجل فهمٍ متجدد لهذا اللغز المسمى حياة بكل دهشتها ومفاجآتها وكآبتها أيضاً.

وعن إلى أي مدى استطاعت فعالية وهج أن تكسر المألوف في تلقي الشعر والعبور إلى أفق آخر، أشار الشاعر أحمد الستراوي إلى أن هاجس الإبداع ليس له حد في مخيلة الشعراء. وهم ينطلقون من الخوف من أن يقبع الشعر في الغرف بعيداً عن هذا الفضاء؛ لذلك انطلقت فعالية وهج كنوع من خروج النص من تحت السقف. واستطاعت هذه الفعالية بأدواتها البسيطة أن تخلق مناخاً أرحب من الإلقاء، فالصورة بكل أشكالها كانت حاضرة بقوة وهج.

أما الشاعر مهدي سلمان فقد رأى أنه لا يمكن القطع بمآلات تجربة مثل هذي منذ الخطوة الأولى، وأضاف الرهان أن تستمر هذه الفعالية، ليس سنويّاً بل دوريّاً، أن تتحول إلى أسلوب في التعاطي مع الشعر، الأمر ليس احتفالاً فقط، إنه نمط آخر من التعامل مع الشعر، تحويله من كائن رسمي، إلى كائن حي يعيش بين الناس، ويتعامل معهم، نحن في البحرين وبحكم أننا في جزيرة صغيرة، لا نحب التكرار، الذي يشي بالتقليد، ويرفضه المبدع بطبيعته، لذلك، فإن تثبيت تجربة ما صعب جدّاً، ويحتاج إلى إيمان من أشخاص شتّى، وإلى حفز للابتكار المتعدد في التجربة الواحدة.

أما الشاعر علي زهير فقد بين أن الفعالية استطاعت، إلى حدٍّ ما، أن تتخطى النمطية السائدة في إقامة الأنشطة المتعلقة بالشعر، إذ من المعتاد أن تقام الفعاليات الثقافية في الأماكن المغلقة الضيقة، لكن أن يكون ذلك في الهواء الطلق وفي الميادين العامة فذلك يعد كسراً للجمود والروتين السائدين، ونتمنى أن يتاح لها حرية أكبر في المكان والنصوص والتجارب والمزيد من التقدم والنجاح.

أما الشاعر أحمد رضي فقد أكد أننا تعودنا أن نتلقى الشعر قراءةً أو إلقاءً مع كثير من التكلف والرسميات متأثرين بالموروث الذي نشأ فيه فن الإلقاء والذي تحول مع نشوء الدولة الإسلامية إلى بلاطات الخلفاء، بينما هنالك الكثير من الساحات العامة في بعض الدول الأوروبية والتي تجد فيها الرسم والشعر والموسيقى بشكلٍ يومي وعفوي، بل ويصادفك الشعر في أماكن لا تتوقعها ـ بطاقات المتروـ شوارع بأسماء كتاب وشعراء، تماثيل، جداريات، هذهِ الحالة الجمالية لا تحتاج إلى كثير من الإعدادات، تحتاج فقط إلى رؤية جديدة وجرأة لطرحها في مجتمعاتنا التي مازالت متصلبة في أفكارها وروحها وجسدها، على رغم أنني أؤمن أنها في قرارة ذاتها عكس ذلك تماماً.

المحور الثاني

وحول السؤال عن جدة إبداعات الشعراء، رأى الستراوي أن كل شيء ومن دون استثناء كان لافتاً في وهج. وبما أن اللغة كائن حي متطور. كذلك جاءت الإبداعات متطورة لنتلقى النص خارج الصوت والرتم الذي اعتدنا عليه. صرنا نحن أصحاب النصوص التي نراها معلقة على الجدار أو على الأرض أو بأي شكل من الأشكال. كان لموقع الفعالية أثر جميل لم يقتصر الحضور على النخبة بل كان المارُّون أيضا جمهوراً. وفي لفتة جميلة هي أن المشاركين كرموا الحضور وهذا تقدير من الشعراء. فالجمهور عمود فقري لنجاح الفعالية.

أما الشاعر مهدي سلمان فقد رأى أنه ربما لا جديد تماماً فيما قدّم، ليس هذا عيباً بالتأكيد، لكن أن يأخذ شاعرٌ ما البادرة ليجدد في أسلوبه هو وفي تعاطيه، هو بحدّ ذاته أمر جديد ويستحق الاحتفاء، وليس مهمّاً بعد ذلك إن كان ما قدّمه قدّم سابقاً بطريقة أو بأخرى، يلفت نظري فقط أننا جرّبنا الخروج، ولم نخشَ، ولم نحذر، ولم نضع أنفسنا في علب (البريستيج) والصور المتخيلة لشكل الشاعر في أذهان الناس، لقد حاولت الفعالية قلب الموازين، أليس هذا هو دور الشعر؟ يبقى أن نأخذ هذا الحدث إلى جوانب أخرى، أن نذهب أبعد فيه، نفلسفه، نعمّقه، نزيد من قدرته على الفعل، وألا نعطيه الفرصة ليصبح عادة هو الآخر، وليدخل في نطاق المكرور والتلقائي غير المجدي، أي أمر جديد يحتاج إلى أن يُفلسف ليستطيع أن يتواصل بطرق مختلفة، وما لم يُفلسف فإنه يذهب في دائرة التقليدي حين يكرّر.

أما الشاعر علي زهير فقد اختلف كثيرا حين رأى أنه ليس هناك أي نص شعري ملفت ويثير الدهشة والجدل، وهذا يعود ربما إلى كثرة المشاركين وضيق مساحة حصة كل شاعر من الوقت، ويعود أيضاً ربما إلى النمطية في الأسلوب واللغة والصور وسواها، لكن هذا لا يعني أن التجارب الشعرية لم يكن لديها ما يلفت ويدهش، ربما الزمن كفيل بإبرازها، فلننتظر.

وقد ذهب رضي إلى أن فعاليات وهج «جاءت أفضل مما توقعت من حيث معرفتي بتكاسل غالبية الشعراء لدينا، وخصوصاً أن المشاركة كانت مفتوحة للجميع وتحتاج إلى مبادرة فقط دون لجنة تنظيمية، وإن كانت لي بعض الملاحظات الفنية على بعض الأعمال فليسامحني الأصدقاء؛ لأنني أدرك أنها جاءت بمبادرة فردية عملاً وصرفاً ودون مقابل، فمثلاً... كانت أعمال الشاعر أحمد العجمي بالكتابة على الملابس المعلقة على حبل الغسيل تحتاج إلى تنويع في الملابس، فالكتابة على الشيء تجعل من هذا الشيء يمنح دلالة جديدة للقصيدة المكتوبة، فماذا لو كُـتبت القصائد على أفرول العمال الأزرق أو على برقع رداء المطبخ إلخ إلخ. أما عن عمل عبدالعزيز الموسوي الذي يجسد روايته الأولى «القبار الأعرج» فكانت تجسيمية وأقرب للتعليمية أو الترويجية كما أن موقعها لم يكن مناسباً للعرض من حيث الإضاءة أو زاوية الرؤية، ولهذا كنت أرى أننا نحتاج إلى تواجد عدد أكبر من الفنانيين التشكيليين لنستفيد من رؤيتهم الفنية، وبالنسبة إلى الإلقاء الغنائي، فاجأني الشاعر كريم رضي بإلقاء قصيدته «عندما يذهب الشعراء إلى النوم» على طريقة الموال مصاحباً نغمات العود والكمان مع العازفين حسن الحداد وعلي العليوات.

المحور الثالث

وعن مآلات فعالية وهج؛ رأى سلمان أن التجربة في المرات المقبلة لابد أن تأخذ التجربة ذاتها مناحي أخرى مختلفة، لكن ضمن السياق والفهم العام للتجربة، أي الفهم الذي يجعل الشعر وسيلة للحياة أيضاً، نتأمل من خلالها، ولكن أيضاً نستمتع بها، وهو الأمر الذي لطول ما حُبِس الشعر في الصالات المغلقة فقده، أتمنى أن يبدأ الشعراء في البحرين التفكير بهذه الطريقة، ولكن في المقابل أتمنى أن يكون ثمة متسع في قوانين الدولة لإقامة مثل هذه الفعاليات، فإقامة أمسية في الشارع تحتاج إلى ترخيص، وقد تضرب هذه الأمسية بالغازات السامة، لذلك يجب أن نأخذ هذا الأمر في الاعتبار أيضاً. وأضاف سلمان أتمنى أن نكون قادرين على هذا، وأن يكون لشعرائنا القدرة على فلسفة الأمر كلٌّ بطريقته، لنتمكن من (رؤية) شعر مختلف، وأساليب منوعة ومغايرة في عرض وقراءة ووعي الشعر. فيما ختم رضي الحديث بأمنيته أن تكون «وهج» ليست مجرد فعالية تستمر ثلاثة أيام وتنتهي، بل أن تكون جزءًاً من تجربتنا الوجودية واليومية، أتمنى أن يكون لدينا مثل من الساحات في بلداننا العربية ما يلتقي فيها الفردي بالجمعي، ليكون الشعر أو الجمال هو الغاية والعنوان وأن يكون جزءاً من حياتنا اليومية، عندما نحبُّ أو نمارس نشاطاً اجتماعيّاً عامّاً لنبتكر من أجل ذلك وسائل تعبير جديدة، أن يخطَّ العاشق مثلاً رسائله في الأشجار والأحجار، في ذيل القطط أوعلى زجاج السيارات المغبرة.

العدد 3857 - الجمعة 29 مارس 2013م الموافق 17 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً