العدد 3857 - الجمعة 29 مارس 2013م الموافق 17 جمادى الأولى 1434هـ

أيامُ الإيرانيين الصعبة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما يجري في المنطقة هو أمرٌ خطير. أحداثٌ تتسارع، ودولٌ تنهار، ودولٌ تنهض، ودولٌ تهاجم ودولٌ تدافع، ودولٌ تراقب ودولٌ تموء تحت أرجلِ الغالبين وأصحاب الدولارات. وبين شقوق كل هذه الدول، هناك قوى عالمية تتحكَّم في المشهد. إنها الإمبرياليات التي عَهدَها التاريخ.

في منطق الدول، فإن اللعب على أرض الجوار هو تقدُّم. والتحكم في أرضه هو نفوذ. والتفاوض به هو استملاك. هذه هي حدود ما قبل الاحتلال المادي. أما اللعب والتحكم والتفاوض في ما بعد الجيرة الجغرافية، فهو يعني امتداد نفوذ استراتيجي بعيد المدى.

ضمن هذا التوصيف علينا أن نفكك أحوال الإيرانيين اليوم. علينا أن نبدأ من أول الخيط. الإيرانيون وحين انتصرت ثورتهم «الإسلامية» في العام 1979 كانت الحالة الدينية مهيَّأة للبروز، نتيجة المد الأحمر ومناكفات الإسلاميين له. لذا، فقد تحوَّلت شعارات الثورة إلى خزَّان من الوقود الذاتي، ورافعة فولاذية للنفوذ الإيراني الجديد في المنطقة.

نَظَرَ الإيرانيون إلى العالم جيداً. حينها كان تعامل الدول من قضايا النفوذ رجراجاً، ولا يزال يعتمد حينها على «المباشرة». دَخَلَ السوفيات إلى أفغانستان لحماية «الحكومة» من التطرف. ودخل الأميركيون إلى تشيلي لحماية «الدولة» من الاشتراكية. ودخل الإسرائيليون إلى لبنان لحماية أمنهم. ودخل العراقيون إلى إيران لحماية البوابة الشرقية.

فهِمَ الإيرانيون لعبة السياسة. قرروا الدخول إلى لبنان لحماية الشيعة في الجنوب من الاضطهاد. استبقوا هذه الخطوة، بقبولهم العَرض البعثي القادم من دمشق، التي كانت تريد عوناً يُعوّضها عن خروج مصر «السادات» من الميزان الإقليمي بتوقيعها كامب ديفيد مع «إسرائيل». وقع الجانبان الاتفاق في بداية الثمانينيات، وعيناهما على ما سيلقيانه كلٌّ من الآخر.

ماذا جنى الإيرانيون من ذلك؟ طوَّقوا الحدود الشمالية والغربية لبعث العراق، الذي كانوا يخوضون معه حرباً شعواء، وحيَّدوا جزءًا من قوته. وباتت مطارات دمشق العسكرية، نقاط شحن للسلاح السوفياتي والليبي، وسلاح السوق السوداء المحمول إلى طهران. ثم أصبحت لديهم فرصة للإطلالة على المتوسط (عبر سورية) من جهة الشرق.

وبالنزول جنوباً، حصَلَ الإيرانيون على ممرٍ استراتيجي نحو لبنان. هذا البلد، الذي يلعب الجميع على أرضه. لذا، فهو طريقٌ جيدٌ للتسويات وعقد الصفقات وتصفية الحسابات وكل شيء. دَخَلَت قوات الحرس الثوري إلى لبنان، بالتزامن مع قيام طهران، بتشجيع رجال دين لبنانيين على إنشاء كيان سياسي مسلح.

نشَأ حزب الله، بذات الحجَّة التي كانت عليها فصائل لبنانية وفلسطينية. دولة غائبة، والجميع يدلف إلى هوياته الفرعية للاحتماء بها. الدورز، السُّنة، الشيعة، المسيحيون، الفلسطينيون المشرَّدون في لبنان (فضلاً عن مهمَّة طرد الإسرائيليين من لبنان). وأمام هذه الظروف، بدأت جبهة في الجنوب مع «إسرائيل» تعتمل. إذاً، إنه ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وقضية العرب والمسلمين الأولى.

اكتمل التمركز الإيراني على هذا الخط. استمر الحال عقدين من الزمان. في العام 2001 والعام 2003 بدأ الإيرانيون يُحققون نصراً مضافاً بسقوط نظام حركة طالبان في أفغانستان، والبعث في العراق. وبانهيار الدولتين، أمام حدودها، سارعت إلى استثمار الفرصة فملأت الفراغ فيهما، وأصبح خط النفوذ الإيراني متصلاً في حدود جغرافية هائلة.

والحقيقة، أن هذا الوضع، كان قمَّة النفوذ الإيراني في المنطقة. وعندما تصل الأمور إلى منتهاها، فإن المنطق يقول، أن زحزحة تجري لإنزال مَنْ هو في القمة إلى ما دونها ولو قليلاً. لقد قرر الغرب أن يُطلق النار تحت أرجل الإيرانيين لكي يتقهقروا إلى حيث حدودهم. كانت هذه الإستراتيجية التي توصّلوا إليها لضرب النفوذ الإيراني من المنطقة.

قرّر الغرب استثمار الملف النووي الإيراني، لكي يضغط على طهران كي تفقد جزءًا من سيطرتها على الخارج، لكن هذا الملف استطال وتعقَّد، وبات تعامل الإيرانيين فيه تعاملاً قومياً إلى أقصى حد، وانتصروا فيه فعلاً كملف مستقل.

ثم قرّر الغرب، أن يُلوِّح بالخيار العسكري. لقد كان هذا الخيار صعباً للغاية. فهم سيقاتلون على أرض تتجاوز مساحتها المليون ونصف المليون متر مربع. ثم هم يقاتلون دولةً، خارج المنظومات القومية التقليدية في العالم. عرب/ نغلوساكسونيين/ فرانكفونيين/ لاتينيين. هي دولة فارسية، لا يماثلها إلاَّ شتاتٌ لغوي في أفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى، وبالتالي يصعب الإمساك بها عبر المفاضلة القومية مع دول منافسة لها من ذات السّنْخ.

فضلاً عن كل ذلك، كان هناك العامل التسليحي، الذي بدا أن الإيرانيين يولونه اهتماماً استثنائياً منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1990، والذي جاء متزامناً مع انتهاء حربهم مع العراق. لقد بدأوا في إعادة تمتين قوتهم العسكرية عدداً وعتاداً، وبالتحديد في مجال الصواريخ. وظهرت فاعليتها فيما سُمِحَ بتصديره خلال حربَيْ لبنان وغزة.

ثم قرَّر الغرب، تشديد العقوبات على إيران. ورغم أن هذه العقوبات كانت مفروضةً منذ العام 1981، وترسَّخت أكثر نهاية الثمانينيات، وأكثر في العام 1996، ثم في العام 1999 ثم في العام 2001، ثم في الأعوام 2005 حتى العام 2010، إلاَّ أن العقوبات التي فُرِضَت عليها مؤخراً قد أظهرت أنها الأقسى والأكثر إيلاماً، باستهدافها مجالَي النفط وحركة الأموال.

لكن هذه العقوبات لم تضعِف الإيراني إلى الحد الذي تجعله منهزماً. وكان الخيار الأخير، هو ضرب حدود النفوذ الإيراني خارج جغرافيته الفعلية، وبالتحديد في سورية ولبنان. ولأن النظام في سورية، هو نظام ضعيف في بنيته المدنية والديمقراطية، فقد بات مكشوفاً أمام أي حركة معارضة، قد تخرج من بين رِجليْه. وهو ما حدث بالفعل.

فقد جاء الربيع العربي، ليُعرِّيه. وفي هذا الأوان، كانت العيون الغربية مفتوحة، للتوأمة مع هكذا حال. انشطرت سورية، وباتت حصيراً من الفوضى. تفكّكت الدولة والجغرافيا، وتشظّى شعبها. ولم تعد قادرة على صد ما يأتيها من معارضة شعبية، ودفع غربي إمبريالي عدواني نحو العسكرة. هنا، وأمام هذا الانكشاف والانكسار والتعري، لم تعد سورية قادرة على لعب دورها المحوري كالسابق، بحيث يحجُّ إليها ومنها وحولها الجميع.

نَتَجَ عن هذه المعادلة الجديدة، تراجع النفوذ الإيراني، الذي كان معتمداً بشكل كبير على دمشق. فلم تعد طهران قادرةً على شَدِّ هذا المحور السياسي والجغرافي كالسابق. هذا الأمر جعل من قبضة الإيرانيين لأن ترتخي على منطقة الهلال الخصيب. خصوصاً وأن تأثيرات الأزمة السورية باتت واضحة جداً على حلفائها في لبنان.

اليوم الإيرانيون أمام تحدٍ كبير. فسورية هي خارج معادلة النفوذ. وأصدقاؤها في لبنان على غير ما كانوا عليه من قوة. ودول عربية تدفع باتجاه مصالحة فتحاوية – حمساوية. والأتراك يتصالحون مع الأكراد، ويمدُّون نفوذهم باتجاه المنطقة العربية عبر المذهبية الدينية. وأصدقاء الإيرانيين في العراق، لا يستطيعون أن يكونوا حلفاء إلاَّ بعد أن يدفعوا حصتهم من التحالف الاستراتيجي مع الأميركان الذين جاءوا بهم إلى السلطة.

من هنا، تأتي صعوبة الموقف الإيراني اليوم، ويأتي أيضاً دفاعهم المستميت عن سورية، إلى الحد الذي دَفَعَ برئيس مكافحة الحرب الناعمة في إيران، مهدي طائب لأن يقول «إننا لو خسرنا سورية، فلا يمكن أن نحتفظ بطهران، ولكن لو خسرنا إقليم خوزستان فسنستعيده ما دمنا نحتفظ بسورية». هذه هي ظروف المنطقة وظروف الإيرانيين بالتحديد في الوقت الراهن، وللحديث بقية قادمة، ستكون من نصيب الأتراك لفهم ما هم عليه من حال.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3857 - الجمعة 29 مارس 2013م الموافق 17 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 27 | 3:30 م

      ويصعدون الى الفضاء

      قد لاافهم في السياسة ولكن افهم بان الغرب باكمله بما فيهم اسرائيل حالهم لايسر على الاقل من الناحية الاقتصادية و هي مربط الفرس الاتحاد الاوربي قاب قوسين او ادنى من التفكك والتشردم والحال اكثر ينطبق على امريكا اما ما تقوله يا اخ محمد عن الاكراد والاتراك فهذه لم تدم اكثر من 24 ساعة اما سوريه فلا تخص ايران فقط فحين تطول الازمة السورية فاول المتخوفين هم اسرائيل ومن يظلل عليها واللبيب بالاشارة يفهم و ايضا ما لاافهمه في السياسة هذه المعجزة الايرانية طوال 35 عام رغم الحصار الجائر ويصعدون الى الفضاء

    • زائر 25 | 2:29 م

      حسن حيدر

      أنا معجب بمقالاتك يا استاذ ، لكن هل لك أن تشرح لنا هذه الفقرة أو تكتب مقالا عنها - اقتباس من مقال ( الى اين نحن سائرون ؟ ) - : ( تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط وتهيئة كوادر علمية. وربما أصبح برنامجها النووي، هو الأبرز من بين كل ذلك. ((( وهو مسلك قد يُغيِّر صورتها تماماً بعد عقد فقط.))) .... هل تشرح وتحلل لنا هذه العبارة وبالأخص الجملة الاخيرة ؟ أرجوك ... أرجوووووووووك ......... حراااام أن تخيب معجبيك .

    • زائر 29 زائر 25 | 4:38 م

      أتصور أن القصد هو

      الذي يبدو أن الكاتب قصد أن إيران ستتطور بعد عقد من الزمن بفعل برنامجها النووي لكن هذا التطور لا يعني أن نفوذها في الإقليم سيزداد. سنغافورة مثال على ذلك هي متطورة كايابان ولكن بلا نفوذ

    • زائر 24 | 2:08 م

      الله يعينك

      باين عليك متخصص في الشأن الإيراني
      بس وضعك غير طبيعي في هذه الجريدة
      لان القراء ما يعجبهم غير مدح الجمهورية الاسلامية الايرانية
      الله يعينك على ردودهم

    • زائر 23 | 1:29 م

      مشاخيل

      أستاذنا الجليل : هل سمعت بالمثل القائل ( رمتني بدائها ونسلت ) اترك إيران وشأنها واكتب عما يجري في بلادك من انتهاكات بحق الابرياء من قتل وتعذيب وتجويع ورشهم بالغازات السامة ليليلا دون توقف ودون رادع ولمجرد طالبوا بالعدالة والمساواة .

    • زائر 20 | 8:09 ص

      هههههه

      و إنت خايف على إيران؟؟؟؟ السؤال بس أو فقط ليش ؟ ليش هذا الخوف على إيران؟ ههههههه . الله لا يقوم لها قائمة دولة ما راعت حق الجوار و لا عطت شعبها حقوق الفرس ما محصلين دجاج ياكلون.

    • زائر 21 زائر 20 | 8:37 ص

      للزائر

      شكلك تقرأ الموضوع بالمقلوب

    • زائر 22 زائر 20 | 9:20 ص

      واحد

      شلون ما راعت حق الجوار؟ يعني مثلاً هجمت على جارتها العراق؟ أو غزت الكويت في أغسطس 1990 و قتلت الكويتيين وانتهكت أعراضهم و سرقت ممتلكلتهم و أشعلت آبارهم؟

    • زائر 17 | 7:42 ص

      مجرد كلام

      كل هذا كلام استاذ محمد من نسج الخياال

    • زائر 16 | 7:40 ص

      على الاسلام السلام بعد ايران

      ليست مزايده ولكن هي الحقيقه!

    • زائر 14 | 6:02 ص

      فلاس إيران اقتصاديا يتاتي عن إطالة الصراع في سوريا والامر جدا خطير..يتبع

      وحيث ان العقوبات الاقتصادية ليست جديدة على إيران، بل هي مستمرة منذ سنوات، والاقتصاد الايراني لم يشهد مثل هذه الظروف والأوضاع الصعبة التي يعيشها منذ أسابيع، وهو ما يعزز من فرضية أن تكلفة الحرب في سوريا لعبت دوراً في الانهيار الاقتصادي الأخير.

    • زائر 13 | 6:00 ص

      فلاس إيران اقتصاديا يتاتي عن إطالة الصراع في سوريا والامر جدا خطير

      لا توحي بأن الأزمة في طريقها إلى الحل، بل توحي كل السناريوهات، وإلى جانبها جملة من المؤشرات الأخرى، إلى أن الثورة السورية تتحول تدريجيًّا إلى حرب استنزاف، قد تطول نسبيًّا، بين قوى الثورة السورية المختلفة، من جهة، ونظام الحكم وقوات الجيش الموالية والميليشيات التابعة له، من جهة أخرى. ويقول المراقبين ان يكون الدعم الإيراني للنظام السوري وتكلفة هذا الدعم أحد الأسباب الرئيسية للتدهور الاقتصادي الذي شهدته إيران مؤخراً،
      يتبع..

    • زائر 12 | 5:28 ص

      الايام القادمة ستثبت وهن الدول العربية ، اين العراق ،اين السوان ،اين ليبيا ،اين مصر ، اين سوريا ،والدور القادم السعودية

      مرت ايران بأصعب من هذا الوقت ، ايام الحرب المفروضة من دول الجوار والاقليم والعالم ، ثمان سنين حرب وحصار لبلد للتو خارج من ثورة بجانب تصفية القيادات وعلى رأسها رئيس الوزراء وحكومته ( رجائي ) ، ومع كل ذلك تجاوزت ايران واصبحت قوة يحسب لها . .... الدول التي ستبقى هي المتماسكة في الداخل (الشعب + الحكم) .

    • زائر 11 | 4:18 ص

      الاتراك فكوا الهدنة ودكوا الاكراد في شمال العراق امس

      والاتراك اعادوا علاقتهم مع الصهاينة، والاكراد والصهيوامركيه لاعبه دور في الشمال . هذا ليس جديد من ايام صدام .

    • زائر 10 | 4:06 ص

      والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد

      هذه مقولة ابي الاحرار -- سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين ( ع ) رغم الايام الصعبة والعصيبة التي عاشها الامام الحسين (ع) في طف كربلاء ولكنه لم يخنع ولم يتنازل عن المبادئ السامية التي يمثلها (ع) إلى ان قتل ومثل به شر مثلة وانتهب ثقله ( ومازال صوته يدوي --- هيهات منا الذلة ) وإيران وقيادتها سائرون على نفس الخط ( والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد )

    • زائر 15 زائر 10 | 6:15 ص

      والحسن صالح

      والإمام الحسن بن علي (ع) صالح وهادن . والحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا

    • زائر 9 | 4:03 ص

      المهم انهم انتصروا

      (((قرّر الغرب استثمار الملف النووي الإيراني، لكي يضغط على طهران كي تفقد جزءًا من سيطرتها على الخارج، لكن هذا الملف استطال وتعقَّد، وبات تعامل الإيرانيين فيه تعاملاً قومياً إلى أقصى حد، وانتصروا فيه فعلاً كملف مستقل))))

    • زائر 4 | 12:23 ص

      آفاق مشرقة

      الوضع في الحقيقة صعب
      لكن آفاق مشرقة أمام الإيرانيين.. "... يسلمونها لصاحبكم".

    • زائر 3 | 11:57 م

      ماهو الأسوء ؟

      ماهو الأسوء لإيران ؟
      الحرب الشاملة المدمرة أم انتصار المشروع الأمريكي في في سورية ولبنان والعراق؟

اقرأ ايضاً