عندما قرّر المقيم البريطاني في الخليج لويس بيلي العام 1864 تغيير طبيعة نظام الإدارة البريطانية للمنطقة بتوظيف مساعد ملتزم برعاية المصالح الإنجليزية مع الحكّام المحليين ومسئول عن منطقة الساحل الشمالي العربي من الخليج؛ تخلّى عن نظام الوكالة القديم المتّبع آنذاك. ولذا ترك الحاج إبراهيم بن رجب كأول وكيل بريطاني بحريني تلك الوظيفة وتفرّغ لمزاولة عمله التجاري المربح جداً مع أن علاقته بالمقيم لم تتغير.
ومع أن الإدارة البريطانية في الهند لم تطبّق النظام المقترح كما رسمه بيلي تماماً بسبب تطوّر أحداث المنطقة الخليجية المقلقة بشكل سريع؛ إلا أننا نجد الحاج إبراهيم قد عاد فجأة العام 1869 إلى مومبي. كان ذلك حين نصحه البريطانيون بالانتقال من البحرين بسبب الوضع المضطرب بها وخيّروه بشأن أي مكان يريد التوجه إليه، بشرط أن يكون تحت الحماية البريطانية، فاختار بن رجب أن يعود إلى مومبي لعلاقته الحميمة السابقة بها، وقدرته على التحرّك تجارياً واجتماعياً في تلك المدينة، وهناك قضى السنوات المتبقية من حياته.
ولأن الإنسان البحريني متعلق بالأرض دائماً، فقد قام الحاج إبراهيم خلال سنوات مكوثه في مومبي نحو 1870 بمشروع استصلاح الأراضي في منطقة المستنقعات في ضواحي مومبي، بحيث جعل منها واحةً زراعيةً غنّاء، ما أدّى لتسميتها ساحة إبراهيم فيما بعد.
ولمتابعة أوضاع عائلة محسن بن رجب والبحرين في تلك الفترة، هناك الكثير مما يمكن معرفته من الوثائق البريطانية التي كانت تصدر من المقيمية في بوشهر، والتي انتقلت إلى البحرين في النصف الثاني من القرن العشرين. تلك الوثائق التي صدرت في فترة توليها من قبل المقيم لويس بيلي، وبشكل خاص في مدوّنته المعنونة بـ «حاجي إبراهيم البحريني» العام 1869، ورسائله «إلى إبراهيم بن محسن بن رجب» خلال أشهر سبتمبر، نوفمبر، وديسمبر من العام 1871، وغيرها من الوثائق.
ولم يعنِ ارتحال، وليس نفي، الحاج إبراهيم بن رجب عن البحرين العام 1869 أن عائلته قد توقّف تواصلها مع البحرين أو مع بريطانيا، بل إن أخاه الحاج محمد بن محسن بن رجب حصل على الجنسية البريطانية في الهند، كما حصل على حماية خاصة لابنه عبدالله في ظل ظروف تلك المرحلة الحرجة من تاريخ المنطقة الخليجية. وكأن الأب كان يستشعر ما سيحدث في تالي الأيام وهو يرى الخطوب مدلهمةً حولهم، فقد استفاد الابن عبدالله من تلك الحماية البريطانية الخاصة بتعويض جيد حين تعرّضت تجارة بن رجب للنهب، وبضائعهم للتدمير والسرقات من «مجهولين» أكثر من مرة، وكانت المقيمية، كما يذكر بيلي في الوثائق البريطانية، تقف معهم في كل مرة يتعرضون لمثل ذلك النهب والسرقة.
كما حصل عبدالله بن محمد بن محسن بن رجب على وكالة حصرية له العام 1873 في الخليج من إحدى الشركات. ذلك أن شركة (Gray Paul & Co) وهي شركة تجارية مملوكة لبريطانيا وتعمل في عموم الخليج آنذاك وقبل أن تفتح لها فرعاً دائماً في المنطقة وفي البحرين تحديداً العام 1883 تحت اسم آخر عُرفت به هنا فيما بعد، وهو «جري مكنزي»؛ اختارت عبدالله بن محمد بن رجب ليكون وكيلها المحلي ويتولى أعمالها التي أخذتها هي الأخرى بالوكالة عن شركة بريطانية كبرى، وهي الشركة البريطانية الهندية للملاحة البخارية المعروفة اختصارا بـ (BI). وجاءت هذه الثقة البريطانية في عبدالله بسبب قوة العلاقة السابقة بين العائلة والمقيم وحكام البحرين.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل لاحقاً وفي العام 1875 تحديداً، عيّنته هيئة «الخدمة البريدية الهندية البريطانية» في منصب المدير الثاني لشرق شبه الجزيرة العربية، وبقي في هذا المنصب حتى العام 1884 حيث انتهت مدة انتدابه له. لكن ثقة شركة (BI) به لم تنتهِ، فقد بقي وكيلها الحصري في البحرين حتى وفاته العام 1889.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3857 - الجمعة 29 مارس 2013م الموافق 17 جمادى الأولى 1434هـ
تصحيح
كان عليك ان تكتب في العنوان
عبدالله بن محمد بن محسن
لإزالة اللبس
عائلة بن رجب
شكر يادكتور محمد على هذا المقال الرائع الذي يؤصل لموقع عائلة بن رجب في البحرين .. بالتوفيق في اامقالات القادمة