العدد 3857 - الجمعة 29 مارس 2013م الموافق 17 جمادى الأولى 1434هـ

البؤس والسعادة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

آخر إنتاج فيلم لرواية «البؤساء» عرض في دور السينما في مختلف أنحاء العالم، وكان معروضاً في البحرين نهاية العام 2012 ومطلع العام 2013، وحصل الفيلم على جوائز عديدة. هذه الرواية التي ألفها «فكتور هوغو»، تحكي قصة جانب من أحداث العام 1832 في فرنسا التي كانت قد انتكست أوضاعها السياسية بصورة مزرية. هذه الرواية العظيمة تكتشف جوانب جديدة منها كلما تعمقت فيها، ولقد شاهدت الفيلم مؤخراً أربع مرات، وركزت على شخصية مفتش الشرطة «جافيرت» الذي يطارد بطل القصة في مختلف فصولها، ويمكن لمتابع تفاصيل القصة أن يرى هذا المفتش بصورته الحقيقية، وهذا التعيس ينتحر في آخر الرواية للتخلص من بؤسه المعنوي.

إن تسميته الرواية بـ «البؤساء» لا تعني فقط المحرومين ماديّاً، وإنما معظم الفاعلين في الحياة العامة آنذاك، بمن فيهم مفتش الشرطة المذكور، هم شخصيات بائسة بكل المقاييس، وتحكي لنا الرواية أن «جافيرت» يبالغ في تضخيم أهميته وقدراته، ويعتقد بأنه يعرف أسرار النجوم وأن النظام ينهار من دون سعيه الحثيث لإنفاذ «القانون» ضد الأشخاص الذين لا يروقون له. ثم ترى هذه الشخصية تبرر كل المظالم الواقعة على الآخرين على أساس أنها ضرورة من أجل الحفاظ على منظومة القانون، بل ويقارن هذا البائس نفسه بالنجوم التي تعرف كل واحدة منها موقعها في الكون، وتحافظ على نسقها باستمرار... لكن في نهاية الرواية تخرج شخصية «جافيرت» الحقيقية، فهو كان قد ولد في حالة بائسة داخل أحد السجون، وكانت هذه العقدة تدفعه إلى إثبات أنه صاحب مكانة راقية، وأنه جزء من النظام الكوني في السماء، وجزء من النظام المحلي في فرنسا آنذاك. هذا المفتش البائس يكتشف حقيقة ذاته عندما يقترب من الموت في إحدى المرات ويأتي الشخص المطلوب والمطارد ويقوم بإنقاذه، وفجأة يهتز شيءٌ ما في داخله، ويبدأ بمحادثة نفسه ليجدها مليئة بالشكوك والتناقضات المعنوية، ونتيجة لذلك تحدث لديه «اضطرابات نفسية»، ولا يستطيع التخلص من وضعه البائس إلا بالانتحار، وبالفعل يقدم على الانتحار ليخلص نفسه من عقدها.

رواية «البؤساء» تقول لنا إن البائسين أنواع شتى، ولاسيما أولئك الذين يحاربون الآخرين الساعين إلى حياة كريمة... ولعل من المصادفة أن إعادة إنتاج رواية «البؤساء» في فيلم عالمي جديد تزامن أيضاً مع اعتماد الأمم المتحدة يوماً عالميّاً للسعادة الوطنية. والسعادة، كما هي التعاسة، لا تقاس فقط بالأرقام، وإنما لها أبعاد متعددة، والأمم المتحدة اعتمدت 20 مارس/ آذار يوماً عالميّاً للسعادة الوطنية، وأخذت باقتراح إعداد «مؤشر السعادة القومي الإجمالي» لقياس التقدم المحرز في كل بلد فيما يخص السعادة، وذلك من خلال تقصي مدى تمتع أي مجتمع بمجالات محددة مثل: الصحة النفسية، الصحة البدنية، كيفية استخدام الوقت، جودة التعليم، التنوع الثقافي وتعزيز الثقافة، الحكم الرشيد، حيوية المجتمع المدني، المحافظة على التنوع البيئي، ومستوى المعيشة.

في وقتنا الحالي، فإن هناك عدداً غير قليل ممن هم على شاكلة «المفتش جافيرت» الذي وصفه لنا فكتور هوغو في رواية «البؤساء»، ولعلنا بحاجة إلى اعتماد ثقافة ومؤشر للسعادة الوطنية (كما تقترح ذلك الأمم المتحدة) لكي نساعد البؤساء والتعساء، ونرشدهم إلى ما يصلحهم ونبعدهم عن المصير الذي وصل إليه المفتِّش جافيرت.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 3857 - الجمعة 29 مارس 2013م الموافق 17 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 32 | 1:19 م

      مشاخيل

      دكتورنا الجليل لقد أبتلى شعبنا بعقول متحجرة ونفوس مريضة بالحقد والكراهية ضد الآخرين لمجرد خالفه في الرأي أو طالب بحقوق مشروعة وبعدالة ومساواة بكل سلمية .

    • زائر 30 | 5:32 ص

      نرى بؤساء.

      رؤساء .... يغدرون الشعب في جنح الظلام(بؤساء) .. يقتلون الشيخ والطفل نيأم (بؤساء) ..يوؤدون ثورة باركها رب الأنام ( بؤساء)...يسكتون أفواهأ نطقت بالسلام (بؤساء)......بؤساء بؤساء بؤساء

    • زائر 29 | 4:42 ص

      صح لسانك

      دكتور

    • زائر 26 | 4:14 ص

      بؤساء الجاحض وبؤساء نعومسكي

      ليس خفي أن الجاحض قد ذكر وكتب عن البؤساء والبخلاء .. كما كتب نعومسكي عن عولمة الفقر. عولمة التجار والتجارة العالمية لم تجلب للناس غير الخراب والدمار والرجوع الى الاقطاع والاستغلال والتجارة فيها من الشطارة ما يكفي لدخول الشيطان ففيها نصب وفيها احتيال وقد يكون احتلال. فهل دخل المستثمرون البلدان من باب البر والتقوى أم ليزيدوا في تجارتهم وتمتليء جيوبهم؟ و جائوا بالصخر.. وفرعون والأوتاد؟

    • زائر 24 | 3:31 ص

      ظاهرة الرفق بالحيوان

      ليس جديد أن الحيوانات من الكائنات المسخرة للانسان فيطعمها ويعتني بها وقد يستخدمها للزينة. بينما من مظاهر التحضر في الدول النامية أن بعضها لا توجد بها حديقة حيوان لكن بها جمعيه من الجمعيات ترفق بالحيوانات فتأويها وتطعمها. قد لا يكون للانسان الذي برفق بالحيوان ذنب لأن ذوات الأذيال لها أربع قوائم وللانسان برجلين فيعطف عليها ويرحمها. لكن الفرق بين القوائم الأربع وذو الرجلين قد لا يكون شاسع وقد يكون فيه هوه أو مطبه. فهل عدم بئس الحيوانات يكون بشبب جمعية الرفق بالحيوان ولا يوجد حيوان يرفق بالانسان؟.

    • زائر 23 | 3:16 ص

      النقص

      الانسان اذا فيه نقص داخله يحاول يغطيه باي طريقه كاانت المهم انه يثبت الى الناس عكس ما في داخله ولكن واقعا لا يغير شي بداخله ، شكرا دكتور انته راااااءع.

    • زائر 22 | 3:05 ص

      كم جان فالجان صنعناه؟!

      بطل القصة جان فالجان صنعت شخصيته المعذبة والحاقدة على المجتمع والكون قصة سجنه 19 عاما لسرقته خبزا كي يقي نفسه وأبناء أخته الموت جراء الجوع... لنسأل أنفسنا: كم جان فالجان صنعته منظومة الدولة القائمة على التمييز الطائفي والقهر خلال عامين؟!
      هم كثر ولا يحصون فصفعة أب أمام ابنه/ اعتقال أخ لعامين نتيجة قضية مهترئة/ قتل ابن عم من الخلف ثم تبرئة قاتله بأسلوب مسرحي هابط/ حبس عامل أياما طوالا لأكله 3 حبات كنار يصنع ألف ألف جان فالجان ناقم على المجتمع

    • زائر 21 | 3:02 ص

      احسنت يا دكتور

      ...

    • زائر 19 | 2:44 ص

      اليابس والبائس – الجشع والحرص من فعل البخيل يبست النخيل

      علاقة البؤساء بالبخلاء ليست جديدة وموفور النعمة عند شخص وقلتها عند آخر فيها وعليها ضريبة يدفعها الفقير ولعدم سداد فاتورة الغنى الفاحش. وهنا فحشاء باطنة وغير ظاهرة. فقد لا يكون للاستثمار علا قة بالاستعمار ولا دور في خلق طبقة من البؤساء وقد لا تبدو دور العبادة لها دخل في التفرقة والتمييز والعنصرية وقد لا تكون المشاركة فيها مشكلة كما المسابقة أو المشاطرة التي قد تكون تلونت وتنوعت وصارت من عمل الشيطان بسبب شيطنه، فالشيطان شاطر.
      هل نسينا عمل إبليس ويعدهم ويمنيهم الشيطان بالفقر؟ وهل الفقررجل ليقتل؟

    • زائر 18 | 2:35 ص

      د.منصور

      انت انسان راقي ومحترم .. حتى مع خصومك لا تنزل لمستواهم بل تحاول ان تنتشلهم من وحلهم هكذا هم الكبار .

    • زائر 17 | 2:24 ص

      هيهات

      هم يرون الموت أولى من سعادتهم

    • زائر 16 | 2:23 ص

      مواجهة بين التوجيه والقيادة

      يعرف الناس جيداً الخط الواضح وخط الرقعة لكن من خط خطا ولم يعرف قراءته لا يحتاج الى دليل فيعرف القاريء بقية القول. فالخط الواضح واضح والجميع من تعلم القراءة يكون قادراً على قراءته، بينما خط الرقعة قد يكون مرقوع وقد لا الجميع قادراً على قراءته. فالسلطة قد لا يبدوا أن خطة حطوات وخطط لمشاريع تنمية فالتجأت الى جلب الاسثمار من الخارج وليس من الداخل. فالارض في البحرين أقرب الى أن تكون مدمره وغير معمرة. فمسألة بناء المساكن وبناء العمائر ليس عمران خاصة وأنه قام على دمار البحر. فهل عمروا أم دمروا؟

    • زائر 15 | 2:12 ص

      مقال مميز عن فلم مميز

      أنا شاهدت الفلم مرتين ولولا أني سجنت في السلامة الوطنية ولم تدع لي متسعًا من النفَس لشاهدته ثالثة ورابعة وقلبته تحليلا وتلهيصا وتمحيصًا .. الفلم يعبر عن متظومة التبريرات التي تقوم عليها الأنظمة الاستبدادية مثلنا.. شكرا لك

    • زائر 14 | 1:58 ص

      مصيرهم كمصير المفتش وهم كثر

      ومااكثر البؤساء في بلدنا الغالي
      معارضي الحق اصحاب الباطل
      سياتي يوم ذلهم وهزيمتهم باذن الله

    • زائر 13 | 12:41 ص

      ربما يجد بعضهم اللذة في الحاق الأذى بالآخرين=عقد نفسية

      العقد النفسية على انواع فالبعض يجد اللذة والتلذذ بالحاق الأذى بالآخرين ليراهم يتألموا نعم هذا حاصل لدينا في البحرين فالروايات التي يخرج بها السجناء من داخل السجن من المعذبين الذين يتشفّون بتعذيب الآخرين
      وعذابهم وآلامهم.
      هي نفوس بها من الامراض والعقد ما بها ويضاف الى ذلك ضعف الايمان بالله وبحسابه وعقابه واليوم الآخر وقد يتفوه البعض منهم بذلك انه يقوم ببعض الافعال
      التي يدلل بها على ان لا وجود لمثل هذه المعتقد

    • زائر 12 | 11:50 م

      أحسنت القول كما أنت دائما

      التعيس يأبى الا ان يكون تعيسا حتى لو ملك ما ملك ويعمل على تعميم تعاسته على غيره ومن تطالهم يداه
      وهو يرى تعاسة الاخرين فيها سعادته التي فقدها ولن ينالها لانه يعيش الوهم
      ويعيش بعقله ولا يشارك غيره الراي وان شارك فهو مشارك من يفهمه ولا يقدم
      له الا مايرضيه ويفرح قلبه المريض طبعا
      السعيد لا يظلم السعيد لا يقتل السعيد لا ينهب السعيد لا ينكث الوعود السعيد
      لا يأكل مال الغير ذاك هو التعيس بامتياز

    • زائر 11 | 11:48 م

      كلام سليم

      اعتقد ان احد البؤساء صرح امس ان الحكم يجب ان لا يتنازل عن تمثيل الحكم في الحوار طلاسم لا يفهمها إلا البؤساء !!!!!

    • زائر 10 | 11:33 م

      صباح الخير

      لن اتكلم عن الموضوع بس عندي سوال ليش فلانة حاطة دوبها ودوبك يا دكتور ليش يادكتور رافع ضغطها وسكرها ومسبب لها التوتر والقلق والقهر والحسرة والهلوسة ببساطة لانك تفهم اكثر منها وتم تكريمك في الكثير من المحافل العربية والعالمية وجريدة الوسط الناس تبحث عنها في كل مكان بحثا عن الاخبار الصادقة وكتاب الوسط غير مدفوعي الاجر تري المرا خلاص انبطت مرارتها منك قامت تهلوس واكيد يوميا تلطم علي راسها وتشق ثيابها مع خالص تحياتنا لك

    • زائر 9 | 11:23 م

      كلنا المفتش " جافيرت "

      العالم العربي مصاب بعقدة المفتش " جافيرت " ليس في حقل السياسة فقط ، بل في كلّ حقول المجتمع ، ربّ الأسرة يرى أنه هو القانون والقانون هو ، والمعلّم في المدرسة يرى نفسه أنه هو المركز والطالب يدور في فلكه ، و مدير المصنع يرى نفسه فوق العمال ، و الوزير يرى نفسه هو الوحيد صانع التغيير ، و الحاكم يرى نفسه الرب الأعلى .
      ماعندنا " جافيرت " واحد ، في سلسلة من الجافيرات ، بس الفرق بين جافيرت البؤساء وجافيرنا ، إنّ الأوّل استفاق والثاني لا .

    • زائر 8 | 11:02 م

      يوم الألقاب (الوطنية)

      عقرب الرمل ، موروكو ، المفتش جافيرت !! ما أسرعها في حصد الألقاب (الوطنية). أتحرق لمعرفة اللقب المقبل لتلك العرافة. ًبالمناسبة "العرافة" ربما يكون مناسباً فعلاً. silmibh

    • زائر 7 | 10:58 م

      يوم السعادة الوطنية؟!

      هذا اليوم لا يصلح للبحرين وعموماً لا يجب التشبه بالغرب في كل شيء. الأنسب للبحرين هو يوم السلامة الوطنية. silmibh

    • زائر 6 | 10:36 م

      سلمان دائي

      مصيرها كمصير هذا المفتش البائس، فإن لم تقدم على الإنتحار

    • زائر 2 | 10:16 م

      سنابسي

      دمت مميزاً وصاحب قلم حر وعميق في بعض مقاطعه ودمت منصوراً يامنصور

    • زائر 1 | 10:12 م

      كيف يصلح حالهم يا دكتور؟!!!!

      وهم تشربوا الحقد والكراهية وصارت لديهم عقيدة من يختلف معي فهو خائن وعميل لايران .. هل رأيت ابلها وغبيا يجعل نفسا ارجوزا يرقص كلما سقط منا شهيد وحين يمد يده لسيده يطلب زيادة راتب يرفض؟!!!!!!!!

    • زائر 25 زائر 1 | 3:43 ص

      صدقت

      رحم الله والديك جبتها في الصميم

اقرأ ايضاً