يوصف مؤتمر الحوار الوطني اليمني، الذي بدأ يوم 18 آذار/ مارس بأنه فرصة لليمن ليبحث ويحل العديد من مشاكله كأمة. إلا أن التركيز الأهم للمؤتمر يكمن في تطمين الجنوبيين بأن مستقبلهم يقع ضمن دولة يمنيّة موحدة.
إذا أرادت الدولة اليمنية الحفاظ على الوحدة فهي تحتاج الى أن تتخذ خطوات لجعل الجنوبيين يشعرون بأنهم يعيشون في دولة توجد لهم فيها فرصاً متساوية. ببساطة، يحتاج الجنوبيون الى أن يقتنعوا بأن أمامهم مستقبلاً أكثر إشراقاً من خلال البقاء جزءاً من يمن موحّد، بدلاً من الانفصال.
الوحدة في اليمن أبعد ما تكون عن الكمال، إلا أن إنهاءها سيكون أمراً كارثياً. فعلى المستوى الشخصي، سوف تعاني الأسر من الانشقاق واقتلاعها من جذورها، وسوف يؤدي عدم الاستقرار، الذي سيحدث نتيجة انقسام دولة ذات سيادة، إلى نزاع مستقبلي لا مفر منه، ما سيعوق تطور وتنمية اليمن، في كل من الشمال والجنوب.
قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن جمال بن عمر متفائلاً، إن الحوار الوطني «سوف يشكل حدثاً تاريخياً». وقد حاولت الحكومة اليمنية بالتأكيد تقديم مقترحات للحركة الانفصالية الجنوبية «حراك». وبالمثل، وفي الوقت الحالي على الأقل، تبرأ قادة «حراك» من العنف قائلين انهم سيبقون مسالمين، وقد قابل الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو جنوبي، ممثلين عديدين من «حراك» في بداية شهر مارس في محاولة لإقناعهم بالمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني في دبي. ووصف أحد الممثلين اللقاء بأنه «إيجابي»، مضيفاً، «لقد تم بحث جميع القضايا».
يشير ذلك كله إلى أن هذه هي فرصة اليمن الفضلى للتوصل إلى تسويةٍ متفاوض عليها لجميع القضايا التي تهدد بانقسام الدولة.
إلا أن عضواً في «حراك»، مقرباً من الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض أسرع للتقليل من مستوى الآمال بتحقيق تسوية، مصرّحاً بأن «الحوار الذي نريده هو بين طرفين، الشمال والجنوب، على أساس الانقسام».
لن تؤدي هذه المقاومة للوحدة الوطنية بالضرورة إلى إفشال هذه الفرصة، ولكن حتى يتسنى لها أن تنجح، من الضروري أن تكون أكثر من مجرد حوار. سوف تحتاج التظلمات الشرعية للجنوب الى أن يتم التعامل معها بشكل كامل وأن يتم تصويبها.
وتنبع هذه التظلمات بشكل كبير من الحرب الأهلية لعام 1994 وما نتج عنها. شارك بعض اللاعبين الشماليين، بمن فيهم الكثيرون من النخبة، في أعمال سلب واسعة النطاق، وصادروا أراضٍ لأنفسهم مع تقدم الجيش الشمالي نحو الجنوب في نهاية الحرب، وأُجبر العديد من أفراد الجيش وموظفي الحكومة الجنوبيين على التقاعد المبكّر، واضطروا للعيش على دفعات تقاعدية زهيدة، أو بدونها. فقام بعض هؤلاء الأفراد المحرومين فيما بعد بإنشاء «حراك».
حتى يتسنى التعامل مع هذه الشكاوى، يجب القيام بتحقيقات وتقصٍ صحيحين فيما يتعلق بالخلافات على الأراضي، التي تلت الحرب الأهلية. هناك حاجة لتعويض هؤلاء الذين فقدوا وظائفهم بشكل ظالم في السنوات التي تلت الحرب، وقد تم الإعلان عن خطوات في هذا المجال من قبل الحكومة خلال الشهور القليلة الماضية، مقترحة إمكانية القيام بذلك.
تحتاج الحكومة الى أن تنتقل باتجاه الهدف الذي تدّعيه أحياناً، بدولة مدنية ديمقراطية حتى يتسنى إقناع الناس بأنه يمكن أن يكون لهم قول في أسلوب إدارة الدولة، وانهم ليسوا مجرد مراقبين في الصراعات التي تخوضها النخبة على السلطة.
تشكّل دولة فيدرالية، تكون السلطة فيها لا مركزية ويشعر فيها الناس بأنهم محررون، الحل الأمثل. لقد قالت الحكومة ومنظّمو الحوار الوطني ان جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، وان الفيدرالية في اليمن تُعتبر وبشكل متزايد سبيلا لإعادة السيادة إلى جميع مناطق الدولة.
قُتل في نهاية شهر فبراير/ شباط 2013 سبعة عشر عضواً من ناشطي «حراك»، ما أدى إلى المزيد من التوتر مع الجنوب، بل وحتى نداءات بالقيام بثورة شاملة ضد الحكم في صنعاء. يتوجب على الجنوب الترحيب بحركة هادي الاسترضائية بإعلان القتلى شهداء وعرض تعويضات على أسرهم، فهو اعتراف ضمني بحق الاحتجاج وبأن الدولة كانت على خطأ. إلا أنه ما لم يتم دعم ذلك بحركات لمعاقبة المسئولين عن الجريمة، فمن الممكن النظر إلى إجراءات هادي على أنها مجرد إيماءات خاوية.
من الأهمية بمكان عدم النظر إلى الحوار الوطني على أنه الحل لإنهاء جميع مشاكل اليمن. وإذا حصل ذلك، فإن المؤتمر ببساطة لن يكون قد حقق توقعاته. إلا أنه يمكن للمؤتمر أن يكون الخطوة الأولى على طريق الوحدة الوطنية، التي تضع الدولة على طريق مستقبل مشرق.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3856 - الخميس 28 مارس 2013م الموافق 16 جمادى الأولى 1434هـ
غاليه يا يمن
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الايمان يمان والحكمة يمانية