باستثناء حالة واحدة يتيمة لم تفلح أي من المترشحات أن تصل إلى برلمان 2006. تفاوتت ردود الفعل إزاء ذلك، بين فرح غير معلن لدى البعض لكون ذلك يتماشى ونظرته الدونية غير المبررة للمرأة التي غرستها في ذهنيته قرون من التخلف والجهل، وتحقيق لسعيه المستمر في الحيلولة دون ذلك عبر صناديق الاقتراع، وبين ممتعض سلبي يتحسر على هذا الواقع المشين الذي يرفض إنصاف الجنس الآخر، وبين فريق ثالث يعتقد أن هناك «مؤامرة»، إن جاز لنا القول، كي لا يصل إلى قبة البرلمان من غير يثير «الشغب» ويعكر صفو المياه هناك.
بغض النظر عن الحيز الذي شغله، ومن ثم النسبة التي حصل عليها أي من تلك التيارات، أعتقد أن هناك ضرورة لوقفة جادة وعميقة، تفوق الحيز المتاح هنا تستطيع أن تفسر ما أدى إلى نتائج انتخابات 2006، ومن بينها تلك التي تمس المرأة. وآمل أن تتجاوز مثل تلك الدراسة، التفاصيل من دون أن تغفلها، كي تعالج الكليات من دون أن تغرق في رمالها.
لكن، وطالما أن الحديث هنا يقف عند حدود الملاحظات، ولا يدعي الوصول إلى مستوى الدراسات، فبوسعنا أن ندرج الملاحظات الآتية:
1- الولوج إلى انتخابات هو قرار سياسي يتطلب من صاحبه خبرة سياسية غنية أولاً، وتاريخاً سياسياً ثانياً يدمجهما المترشح في بوتقة يعبر عنها برنامجه السياسي أولاً وتدعمها شبكة العلاقات السياسية التي نسجها المترشح قبل قبوله الترشيح وفي سياق عمله اليومي من أجل الفوز. واستعراض قائمة المترشحات تكشف افتقاد نسبة عالية من تلك القائمة إلى مثل ذلك.
2- التنافس السياسي عملية معقدة تحتاج إلى فترة زمنية يتم خلالها الإعداد الذاتي من جهة وتهيئة الشارع الانتخابي من جهة ثانية. فلا يكفي أن تكتفي المترشحة بخوض دورة قصيرة هنا أو حضور برنامج تمكين يتيم هناك كي تتأهل، دعك عن أن تنجح، في ساحة صراع متأجج، تحكم بعض أوجهه حالة عداء متأصلة تجاه المرأة.
3- السذاجة السياسية التي تقلل من أدوات الخصم، أو لا تأخذها في الحسبان عند جرد موازين القوى، أو تستهين بها في حالات معينة، تؤدي إلى مفاجآت، تفقد المترشحة توازنها وتدفعها إلى إلقاء التهم جزافاً على الجميع مع استثناء الذات. ولذلك فقد تفقد الطعون جديتها، ناهيك عن جدواها، وتتحول إلى نوع من المهدئات التي تفقد أسباب تناولها بعفل الومن أولاً وتأقلم الجسم مع المرض ثانياً.
4- التشتت من جراء المنافسة، أو عدم التركيز بفعل غياب الهدف، يؤديان إلى تمزق الجسم النسائي ودخوله في صراعات داخلية ذاتية تفقده، المرونة ومن ثم القدرة على تكتيل الجهود نحو هدف أو عدة أهداف واضحة ومحددة، الأمر الذي من شأنه دهورة القوة الذاتية وإفساح المجال أمام الخصم لتحقيق الفوز بجهود أقل.
5- وضع البيض جميعه في سلة واحدة والاعتماد على عامل واحد للنجاح، بغض النظر عن ثقل هذا العامل، يمكن أن يقود إلى الفشل بالنسبة ذاتها التي يمكن أن يكون فيها عامل نجاح. وبالتالي فالأوهام التي سيطرت على ذهنية نسبة لا بأس بها من المترشحات والدعم غير المتناهي الذي توقعوه من بعض الجهات كان مبالغاً فيه، الأمر الذي خذلهن في الجولات النهائية الحاسمة. فقد غلبوا ثقل هذا الدعم على المسئوليات الذاتية الملقاة على عاتقهن.
هذه ليست سوى ملاحظات تساق في أعقاب نتائج الانتخابات من أجل دعوة صادقة للمنظمات النسائية البحرينية التي تمتلك نظرة مستقبلية متنورة من دور المرأة في المجتمع كي تقف وقفة جادة ليس أمام انتخابات 2006 فحسب، وإنما أمام الدور الذي بوسع المرأة البحرينية، وهو كبير واستراتيجي، في الحياة السياسية البحرينية. وفي هذا المجال ليس هناك أفضل من المرأة البحرينية ذاتها كي تتصدى لمثل هذه المهمة، فليس البرلمان سوى قناة، على رغم أهميتها، من قنوات العمل السياسي. كما أن انتخابات 2006 ليست سوى محطة عابرة وآنية من محطات البرلمان الذي نأمل أن يستمر كي يتحول إلى ركن قابت من أركان الحياة السياسية البحرينية.
والأهم من ذلك كله فإن أصوات النساء التي أدلوا بها في انتخابات 2006 كانت هي في حالات كثيرة وراء نجاح مرشح أو فشل آخر. وفوق هذه وذاك تبقى للمرأة البحرينية مكانتها في العمل السياسي التي لا يستطيع أحد بمن فيهم أولئك الرجال الذين فازوا على نساء أن يشككوا فيها، فليس بالبرلمان وحده أو بنتائج إحدى دوراته تقاس نساء البحرين?
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1545 - الثلثاء 28 نوفمبر 2006م الموافق 07 ذي القعدة 1427هـ