الكل يتذكر ما قام ومازال يقوم به أحد النواب من إثارة للنزعات الطائفية، ولم يعرضه ذلك لأية مساءلة من قبل الجهات المسئولة. هذه المواقف السلبية أغرت آخرين، فقبل أيام قام خطيب أحد الجوامع في المنطقة الوسطى بالاستخفاف بأحد المذاهب الإسلامية، بينما كفّر خطيبٌ آخر إحدى المواطنات المترشّحات، استناداً إلى مقابلة أجرتها معها قناة «الجزيرة» في فبراير/ شباط 2002، وقامت بتوضيح مقصدها، إلاّ أن لعبة الانتخابات القذرة كانت أكبر من ذلك كله. وفي يوم الانتخابات، حدثت مشادة بين رجلي دين من الطائفتين الكريمتين، أحدهما مرشح للنيابي والآخر ناخبٌ ذهب للتصويت، وعندما خرج الأخير من مركز الاقتراع تلقّاه المترشح قائلاً: «طابور خامس»، وهو صاحب خطاباتٍ، لم يحفظ من المفردات التخوينية غير هذا المصطلح الذي أشك انه يعرف أصله وسبب تسميته.
وهكذا تتوالى الإثارات الطائفية في هذا الوطن الصغير، وتتكرر مشاهدها بين الفينة والأخرى، من دون أن يدفع ذلك أياً من الجهات الرسمية إلى تحمل مسئولياتها وأخذ المسألة بجد وحزم قبل أن يخرج هذا الغول من قمقمه فيبتلع الوطن كله. أفلا يجدر بالجهات الرسمية القيام بدورها وفتح تحقيق لمعرفة الجهات المسئولة عن هذه الإثارات الطائفية المتكررة، وهذه النزعة التي لا تتورع عن تكفير المسلمين الآخرين والتي قد تنتهي إلى إباحة سفك دماء المواطنين الآمنين كما حدث في بلدان مجاورة؟ القرآن الكريم يفرض الكفارات العظام على بعض الأفعال الفردية (أؤكد على كلمة فردية وليست خطراً على الجماعة) والتي تحدث رغماً عن الإنسان، فمن يعمل فوق بناية وسقطت من يده طوبةٌ على أحد المارة فقتلته، لا يقول له الإسلام إنك معذور ومعفي لأنك لم تقصد وحدث ما حدث من دون إرادتك، فهذا الفعل غير المقصود الذي حدث قهراً يستوجب كفارة من أكبر الكفارات، ويطالبه القرآن بإخلاص التوبة من فعل غير إرادي. ومظاهرة الرجل لزوجته، أي قوله لها: «أنت عليّ كظهر أمي»، تستوجب كفارةً بعتق رقبة قبل مقاربتها، وإن لم يستطع فعليه صيام شهرين متتابعين، بينما فعل طائفي قد يدفع البلد الى الهاوية يمر من دون مساءلة أو تحقيق، وربما يُقابل بتبريرٍ من قبل البعض.
التكفير موجود في بطون الكتب القديمة، ولكن مصيبة الفكر التكفيري المعاصر، الذي نجد مظاهره تتكرّر في العراق وباكستان، بنسف المساجد على رؤوس المصلين وتفجير حافلات الركّاب في بلاد المسلمين، وعدم التورع عن قتل الأطفال والنساء. مشكلة هؤلاء ضحالة العلم الشرعي، فهم يتحركون بلا ضوابط شرعية، وبذلك يعطون الضوء الأخضر للتقتيل بكل الأساليب، خلاف ما تذهب إليه المذاهب والمدارس الإسلامية المختلفة. إن مثل هذه الإثارات الطائفية قد تكون السبب الرئيسي مستقبلاً في إحداث الفتن وتهيئة الأرضية الملائمة لانتشارها، «والفتنة أشد من القتل» كما يقول القرآن الكريم. وهو أمرٌ يمكن تداركه بفتح التحقيق الجاد حول هذه الإثارات الطائفية ومحاسبة المتهورين?
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1545 - الثلثاء 28 نوفمبر 2006م الموافق 07 ذي القعدة 1427هـ