قبيل الانتخابات، أطلقت جمعية أصدقاء البيئة نداء للناخبين والناخبات للتمعن في البرامج الانتخابية للمترشحين والتدقيق في فهمهم ووعيهم بالقضايا البيئية الجوهرية ومراجعة سجل هؤلاء المترشحين بذهن واعٍ ومحلل للتأكد من استعدادهم ومقدرتهم على إعطاء القضايا البيئية الجوهرية حقها من الاهتمام والمتابعة والدفاع.
كما شدد البيان على أهمية القضايا البيئية الجوهرية لحاضر البحرين ومستقبلها ولاسيما تخريب موائل الكائنات الحية وإهدار الثروات الطبيعية وتدمير الاتزان الحيوي وما له من نتائج وخيمة على استقرار الإنسان وصحته النفسية وإنتاجيته، ناهيك عن صحته البدنية بل حياته واستمراره ومستقبل أجياله.
نشرت هذا النداء الصحافة المحلية وبثته إذاعة البحرين مع لقاء لشرح الموضوع مع رئيسة جمعية أصدقاء البيئة. وقام عدد من المواقع الالكترونية البيئية العربية بنشر النداء كذلك، واستقبله النشطاء البيئيون في أماكن مختلفة بالترحاب، وتمنت بعض الشخصيات الوطنية المستنيرة في البحرين وخارجها لجمعية أصدقاء البيئة إيصال معنى هذا النداء للناخبين، بحيث يضعونه في حسبانهم فعلاً وهم يعطون أصواتهم.
كتبتُ مقالاً استثنائياً نشر في «الوسط» قبيل الانتخابات بهذا الشأن اتسم بالأمل والقلق معاً؛ فالأمل دونه ليس ثمة مبرر لكل ما نعمله طوعاً لأجل حماية بيئتنا، والقلق دونه أتجاهل كل المعرفة والخبرة المتراكمة والمتنامية من واقع معايشة الوضع البيئي على الساحة البحرينية وفي أعماق «فرجانها» وقراها ومدنها وبحارها ومزارعها وما يتداول في مؤسساتها الحكومية وغير الحكومية.
ثم جاءت النتائج لينجح معها ممثلو الجمعيات الدينية السياسية الكبرى ويسقط معظم من أبلوا بلاءً حسناً في الدفاع عن القضايا البيئية في الدورة السابقة ممن لا ينتمون لتلك الجمعيات. ويسقط أيضاً من عرف الناس عنه (قبل أن يترشح للانتخابات بسنوات) استبساله في الدفاع عن قضاياهم البيئية المصيرية المرتبطة باقتصادهم وحياتهم الاجتماعية وتراثهم. صوّت الناس (إلاّ من رحم ربي) للجمعيات ولم يصوّتوا للبيئة.
أتذكر مع نتائج الانتخابات، النواب الذين دعمونا في قضية فشت العظم وسواحل البحرين وشعابها المرجانية والحزام الأخضر وخليج توبلي. أتذكر عبدالنبي سلمان والنواب من أعضاء لجنة مخالفات خليج توبلي البرلمانية ولجنة التحقيق في غاز المعامير ومواقفه القوية ولاسيما في نصرة خليج توبلي، ويوسف الهرمي ومرافعاته الرائعة في الدفاع عن الحزام الأخضر، ومحمد الشيخ عباس وحضوره الدائم والمشرف معنا في قضايانا البيئية وتبنيه قضية فشت العظم وساحل «امهزة» وخور فشت وفشت الجارم. أتذكر حضورهم ووقوفهم معنا في ندوة «الأراضي الرطبة» وندوة «تأثير الطمي على البيئة والحياة الفطرية في البحر»، وما لذلك الحضور من تأثير جيد في الحضور والمشاركين وفي الروح المعنوية لمتطوعي جمعية أصدقاء البيئة، ولاسيما أنهم كانوا يحرصون على تشجيع الشباب والناشئة منهم والتعبير عن دعمهم المعنوي للجمعية في كل محفل إعلامي أو غيره. سيفتقد العمل البيئي هؤلاء النواب وغيرهم ممن دافعوا عن البيئة، ولم يسيّسوها لتحقيق أية أهداف أخرى، مرحلية أو غير مرحلية.
طالبنا بعض الإعلاميين في السابق بأن نشكل حزب الخضر ونخوض غمار الانتخابات، لكنني لم أمل لهذا التوجه في السابق، وإن كنت أرى مزاياه (ولاسيما الآن)، ولكنني مازلت أعتقد أن جهادنا البيئي من خلال جمعية أصدقاء البيئة وأحلافها أقوى وأوقع حيث نحن. ومازلت على رغم إحباطي آمل في حب الإنسان البحريني (مهما كان انتماؤه السياسي) الأكبر لأرضه ووطنه ومستقبل أجيال هذا الوطن الكبير (بقلبه) بعيداً عن الأجندات السياسية الحزبية.
الملفات التي سيفتحها المجلس النيابي والمجالس البلدية (أو الكتل التي تديرها) هل يا ترى ستكون من بينها ملفات بيئية؟ وعندما تفتح هذه الملفات، هل ستعطى حقها من الاهتمام الحقيقي والمتابعة والتحري باتجاه إيجاد حلول حقيقية للمشكلات البيئية المتأصلة والمشكلات المستجدة؟ هل سيتم إعلام الناس وإشراكهم في القرارات المصيرية التي تؤثر على بيئتهم وصحتهم وحياتهم؟ هل سيتم إعطاؤهم صورة حقيقية كاملة عن ملابسات كل موضوع قبل أن يتم اتخاذ القرار؟ هل سيتم إعطاء البيئة الأولوية لأهميتها وليس مجرد المرور العابر لتجميع النقاط؟ هل ستشهد قضايا البيئة ولادة مدافعين مستبسلين عنها من النواب وممثلي المجالس البلدية؟ هل سيواصل ويكمل من أعيد انتخابهم ما بدأوه من طرق لبعض القضايا البيئية؟ هل ستعامل القضايا البيئية المحوّلة من المجلس السابق معاملة جادة بناءة؟
أهيب بنواب الشعب وممثلي المجالس البلدية أن يضعوا صحة وحياة الناس الذين انتخبوهم (والذين لم ينتخبوهم أيضاً) نصب أعينهم، وأن يدركوا مسئوليتهم الكبرى تجاههم وتجاه الأجيال المقبلة التي ستدفع أثمانا غالية جدا لتدمير البيئة بلا ذنب سوى أننا لم نتحمل مسئوليتنا تجاه الثروات الطبيعية والبيئة التي هي إرث الأجداد للأبناء. وليعلم الجميع أنهم مسئولون أمام الله، ومن ثم أمامنا جميعاً وأمام الأجيال القادمة?
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1545 - الثلثاء 28 نوفمبر 2006م الموافق 07 ذي القعدة 1427هـ