كتلة «الوفاق» ستدخل مجلس النواب بكتلة لها وزن ثقيل، وكثير من الناس يضغطون لمعرفة أولويات وأجندة «الوفاق»، وهو أمر طبيعي؛ لأن ما تقوله وتسعى إليه سيؤثر في مجريات العملية السياسية. ولحد الآن، فإن التصريحات الصادرة عن قيادة «الوفاق»، والرموز الدينية المؤثرة في اتجاه الجمعية تؤكد حرصهم على تأسيس علاقات الثقة مع الجميع، ولعل أولويات الكتلة منصبة على الثقة بالدرجات الأولى والثانية والثالثة، قبل أن تنطلق إلى الأمور الأخرى.
الثقة بالنفس مطلوبة، وهي متوافرة لدى رموز «الوفاق»، ولكن هذه الثقة بحاجة إلى أن تتعزز مع الدولة من جانب والأطراف الأخرى الفاعلة في الساحة السياسية. فالثقة هي التي تفسح الطريق لتناول القضايا المبدئية والمعيشية من دون تشنجات وهواجس أو توجس من النوايا. فجمعية «الوفاق» تمثل جمهوراً عريضاً كان خارج العملية السياسية الرسمية منذ العام 1975، وهذا الجمهور العريض تحرك على مستوى الشارع في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. والتحرك على مستوى الشارع خلق ثقافةً وخطاباً يلائم أساليب من يعمل خارج الإطار المسموح به سياسياً، وكان ذلك التحرك وذلك الخطاب - في كثير من جوانبه - مفروضاً على الجمهور المتحرك؛ بسبب التجارب والمعاناة التي مر بها.
ولكن اليوم، أصبح الأمر مختلفاً، فالتحرك من داخل النظام وعلى أساس ما هو مسموح به يوفر فرصةً ذهبيةً لفئة كبيرة من المجتمع لأن تشرع في خطاب مختلف عن الماضي، وتنتهج أساليبَ تناسب مع الواقع الذي تعيشه، وهو واقع واعد بمستقبل أفضل مع الممارسة المحترفة والمبدئية للسياسة. جمعية «الوفاق» لديها فرصة لأن تكون شريكاً حقيقاً وفاعلاً في الحياة العامة، وتستخدم ثقلها وثقة جمهورها الواسع بها من أجل مدّ الجسور بهدف بناء مجتمع متراصٍ ومتعاضدٍ ومتساوٍ أمام القانون، وواثقٍ ببعضه بعضاً، من دون تشكيك من فئة في فئة أخرى، ومن دون تمييز بين فئة وأخرى.
تصريحات «الوفاق» تبعث الأمل لدى الكثيرين بأن هذه السفينة لها ربان حكيم يستطيع توجيه دفتها في المياه المتلاطمة، ويستطيع الإمساك بزمام المبادرة. فالقوي مبادر بالخير نحو الآخرين، أما الضعيف فهو الذي يتحرك على أساس ردود الفعل فقط. أما «الوفاق»، وبالحجم الذي نجحت به، فهي ليست ضعيفةً وليست مستضعفةً، وإنما هي قوة واثقة بنفسها، وكل ما تحتاج إليه هو أن تنقل ثقتها بنفسها إلى جسر من الثقة مع الدولة، وجسر من الثقة مع شركائها في الكتل البرلمانية الأخرى. البعض يعول على إحراج «الوفاق» ومن ثم زجها في نعرات أو فتن طائفية أو تصادم سياسي مع السلطة، ولكن أملنا كبير في ألا تنجر إلى ذلك مهما كانت الضغوط؛ لأن «الوفاق» ليست تجمعاً لمجموعات منزعجة وعاطفية، بل إن أمامها فرصة للتحول إلى حزب سياسي محترف?
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1545 - الثلثاء 28 نوفمبر 2006م الموافق 07 ذي القعدة 1427هـ